تيبريوس في رعاية قيصر :

حينما توفي تيبريوس الاب ، كان عمر تيبريوس الابن في حينها تسع سنوات، ودروسوس خمس سنوات ( )، لذلك ذهبوا للعيش مع والدتهما في القصر الامبراطوري وهناك لقيا اهتماماً كبيراً من قبل الامبراطور الذي تكفل رعايتهما الى جانب مارسيللس( ) ابن اخته فكان يعمل على ان احد هؤلاء الثلاث هو من سيرث عرش الامبراطورية ، بعد ان اصبحت ملكاً خالصاً له( ) ، وكانت ميول اكتافيوس تسير باتجاه دروسوس اكثر من تبيريوس ، لأن الأول كان أكثر مرحاً ومقبولاً من العامة ، على العكس من اخيه تبيريوس الذي كان كثير الخجل ثقيل الكلام( ).

وكانت مؤهلات دروسوس أن اصبح من اكبر القيادات العسكرية وقائداً للجيش الروماني في المانيا فحافظ على ممتلكات الأمبراطورية وحدودها ، الا ان الأقدار شاءت ان يسقط من على فرسه واصيب في رأسه ، وعلى الرغم من محاولة تيبريوس من نجدته ، الا انه لم يفلح في ذلك ، فقد فارق الحياة ، وعاد تيبريوس بالجيش الى روما وكانت فاجعة كبيرة عليه لحبه الشديد له( ).

يبدو ان هذه السنوات التي قضاها تيبريوس في كنف أمه في القصر الامبراطوري وتحت رعاية الامبراطور، كانت بمثابة الخطوات الأولى لارتقائه العرش ، إلا أن اغسطس كان معجباً به فقد منحه منصباً كبيراً، وما كان من أحد قادة اغسطس هو (ماركوس اجريبا) (63 -12ق.م) هو الرجل الثاني في الامبراطورية ولا سيما بعد انتصاره في معركة (اكتيوم) (31 ق.م)، ان يعجب به .

4: تعليمه وثقافته :

عاش تيبريوس حياته منذ الطفولة متنقلاً من مكان إلى أخر مع والده ، فكانت حياته بائسة، إلى أن استقر به المطاف اخيراً في قصر الامبراطور اغسطس، بعد زواج الاخير من والدته ليفيا ، وبعد ووفاة والده تيبريوس الكبير ، انتقل للعيش مع امه في القصر الامبراطوري ، تحت رعاية الامبراطور اغسطس نفسه ، الذي لم يبخل عليه بشيء لأنه كان يرى فيه شخصاً قوياً وذكي، فتلقن العلم والدين والادب على ايد افضل اساتذة الاغريق والرومان في ذلك الوقت( ).

لقد نال تيبريوس اعجاب كل من كان في القصر ، بل وفي روما كلها ، لأنه كان ذكياً وشجاعاً ، ويعد من أفضل الصبية في روما في العلم والادب ، وهذا هو السبب الذي دفع اغسطس على تعليمه هو وأخوه دروسوسومارسيللس، وكان تعليمهم على أعلى المستويات، لأن اغسطس كان يرى أن أحدهم من سيرث العرش ، بعد أن اصبحت الامبراطورية ملكاً خالصاً له، وكان يرى الثلاثة هم ورثته الطيبون( ). على الرغم من ان ميوله مع دروسوس لأنه كان مقبولاً بين العامة، ومرحاً، عكس اخيه تيبريوس الذي كان ثقيل الكلام كثير الخجل( ).

وعلى الرغم من وجود الحفلات التي تقام في القصر وحياة البذخ والرفاهية ، إلا أن تيبريوس لن يترك تعليمه بل كان مصراً على متابعة دروسه بجد واهتمام كبير، على عكس من دروسوسومارسيللس، فقد اختلفت اساليبهم في التحصيل، وهذا ما كان واضحاً عليه اثناء جنازة والده، إذ وقف امام الشعب راثياً والدته ، وهذا لم يكن غريباً عليه لا سيما وانه اتقن تعليمه على يد خيرت اساتذة روما( ).

تشير المصادر الى ان أغسطس كان مصراً على تعليم تيبريوس واخيه ومارسيللس ( ابـــــــــ ـن اكتافيا شقيقة اغسطس ) ، اذ انــــــــــه كان يــــــــــــــرى ان الامبراطورية قد اصبحت ملكاً له ، لاسيما بعد انتصاره في مصر وقضائه على انطونيوس وكليوباترة( ).

قطع تيبريوس حيز كبير في تعليمه، اذ كانت لديه القدرة على الخطابة، وذلك بسبب اعتكافه وعزلته بعيد عن الناس ،وحبه لتعليم جعل منه شخصاً ذو امكانيات علمية كبيرة، وهذا واضحاً من خلال حبه لعلم تفسير الاحلام ، وعلم الفلك، فضلاً عن حب كتابة الشعر والخطابة( ).

مارس تيبريوس الطقوس الدينية واساليب الحكم، وكان يهتم كثيراً بالأدب اليوناني واللاتيني، وعلم الطب وعلم القراءة والطوابع، كذلك اهتم بالرسم والنحت، قرب إليه الشعراء، واولى الرياضيات عناية خاصة ، اذ كان علماء الرياضيات من المقربين إليه، وكانت تهدى إليه المؤلفات في مختلف العلوم والاشعار( )،

ان وجود تيبريوس في القصر الامبراطوري وفرت له الكثير من الفرص التعليمية والتثقيفية والتعامل مع الآخرين ، فضلاً عن التدريب على فنون القتال منذ الصغر ، وبذلك كان القصر بمثابة المنبر العلمي والثقافي له ، فتلقى العلم والأدب والدين على يد أفضل اساتذة الأغريق والرومان( ) ، ونال اعجاب اكتافيوس وكل من كان في القصر وفي روما ايضاً ، لما تمتع به من قوة وذكاء ، حتى عُد من افضل الصبية في روما في الأدب والعلم( ).

قطع تيبريوس شوطاً كبيراً في تعليمه ، فكانت لديه القدرة على الخطابة بسبب اعتكافة وعزلته بعيداً عن الناس ، فلم تشغل حياة القصر ، بما فيها من بذخ ورفاهية ، اذ كان حريصاً على متابعة دروسه بجد واهتمام كبير على العكس من شقيقه دروسوس ومارسيللس ، فقد اختلفت اساليبهم في التحصيل العلمي ، وهذا كان واضحاً اثناء جنازة والدته ، اذ وقف امام الشعب الروماني راثياً لها ، وهذا لم يكن غريباً ، اذ تتلمذ على يد خيرة أساتذة روما .

لم يقتصر اهتمام تيبريوس العلمي على مجال واحد ، بل شمل العديد من منها مثل الطب والقراء والطوالع والرسم وعلم الفلك وتفسير الأحلام ، فضلاً عن حبه لكتابة الشعر والخطابة والأدبين اليوناني واللاتيني ، وكذلك قرب الشعراء وعلماء الرياضيات ، وأهديت له المؤلفات في مختلف العلوم والمعارف ، ليس هذا فحسب بل أهتم بالمنجمين ايضاً يؤمن بهم ويستعين بهم في وصوله الى العرش ، وقد تنبأ احد معلميه وهو تيودوروس الجادراني( )بانه سيكون ( طين معجون بالدماء )( ) .

ومن دلائل اهتمامه بالعلم هو امتلاكه لمكتبة كبيرة ضمت انواع مختلفة من الكتب جمعت ما بين الأدب والفن والفلسفة ، وكان قد حصل عليها من جميع انحاء الامبراطورية ، وعندما كان تيبريوس متواجداً في ( جزيرة رودس )( ) كان معظم وقته بين الراحة الجسمية وبين الجلوس في المكتبة او التجوال في المدينة والحوار مع عالماً بالفلسفة او منجماً ، وكانت الثقافة العالية والبراعة في التعامل كل الأمور التي أكتسبها تيبريوس بفضل تواجده في القصر فكان يلتقي بالشعراء والملوك والأمراء ، وكان يخاطب القادمين من المانيا وانكلترا وفلسطين وسورية ومصر واسبانيا والمغرب ويجادلهم ويستمع اليهم فتعلم منهم الكثير من القضايا السياسية ، فضلاً عن تأثره باكتافيوس الذي كان يعد المصلحة هي المقياس الحقيقي للعلاقات ( ).

ولقد ذكرت لنا المصادر التاريخية ثلاث روايات توضح كيفية تعامله مع الآخرين الأولى هي زيارته العلماء الأغريق ( ديوجين) ، فخرج اليه الخادم واخبره بالعودة بعد سبعة أيام ، فما كان منه الا ان عاد الى قصره ، ثم كرر زيارته بعد سبعة، على الرغم من ان تيبريوس لا يقبل بمثل هذه التصرفات من أهل العلم والادب آنذاك ( ).

اما الرواية الثانية فهي ذهابه لمقابلة أحد الأغنياء الذي رفض مقابلته ، فعاد تيبريوس الى قصره ولبس الزي الرسمي (التربيون) ثم عاد الى الرجل وقبض عليه وأودعه السجن ( ) . وفي رواية أخرى ذكرت زيارته أحدى المستشفيات ، وقد أجبرت الادارة المرضى على ترك أماكنهم والوقوف صفاً لاستقباله ، الا انه ذلك وقدم لهم الاعتذار ، وبذلك كسب قلوب أهل جزيرة رودس( ).