شخصية الخالة " زوجة الأب " - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

شخصية الخالة " زوجة الأب "

في حكايات الأطفال

  نشر في 29 نونبر 2014 .

سمات مشتركة :

لماذا تصر قصص الأطفال على إلصاق كل الصفات والنعوت السيئة بالخالة "زوجة الأب"؟ هذه الزوجة التي يفترض أنها الأم البديلة التي جاءت لتملأ فراغ أم ماتت أو طلقت؟ فهي تقدم منذ بداية الحكاية ودفعة واحدة عند أول ذكر لها كما يفترض بحكايات الأطفال، خلافاً للشخصية في رواية الكبار لأنها كما يقول "بارت" : " نتاج عمل تأليفي" يقوم به الروائي على مدى الرواية، ويحل الوصف الجسدي للشخصية محل الأول وذلك من خلال السرد المباشر ثم يأت الحوار ليعزز صورة الخالة وقلما تعنى حكايات الأطفال بالوصف النفسي العميق وغالباً ما يكون الوصف النفسي سطحياً يكفي لإقناع الطفل فهي : متكبرة، وأنانية ، ولا تعرف الوفاء والإخلاص، ولا تفكر إلا في ابنتها، وهي تكره في المقابل ابنة زوجها وتهملها وتحسدها وتسيء معاملتها في "سندريلا". وهي في "بياض الثلج والأقزام السبعة" مزهوة ومفعمة بالغرور. وهي شريرة وتغار كثيراً من حب الملك لأطفاله في "الإوزات البريات". وهي في "مرآة ماتسوياما" قاسية تريد أن تحول بين الوالد وطفلته. وهي خبيثة الطوية وشريرة وقاسية ومتسلّطة في "الصقيع". فهل كل زوجات الآباء متشابهات على هذه الشاكلة حتى صرن مضرب الأمثال في القسوة والظلم وانعدام الرحمة والشفقة؟ وحتى لو اختلفت الشعوب أو الشرائح الاجتماعية التي تنتمي إليها؟ فالخالة في "سندريلا" زوجة رجل إقطاعي ثري، وهي زوجة مستشار الإمبراطور في "مرآة ماتسوياما" وزوجة فلاح بسيط في "الصقيع" وزوجة ملك في "بياض الثلج" وكذلك في "الإوزات البريات". والأولى فرنسية، والثانية يابانية، والثالثة روسية, والرابعة ألمانية، والخامسة دنماركية. إذاً يبدو أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين كتّاب قصص الأطفال على تشويه سمعة الخالة "زوجة الأب" لصالح الانتصار للأمومة الحقيقية؛ لأن الأم تظل –مهما فعلت- رحيمة وحنونة، ولا يمكن لزوجة الأب مهما تفانت في خدمة أولاد الزوج أن تحل محلها! هذه هي القاعدة، ولكل قاعدة شواذها ولا حكم للشاذ. مع أن كل واحد منا لديه أمثلة واقعية تناقض هذه الصورة المكرّسة للخالة "زوجة الأب". ويلاحظ هنا أن شخصية زوجة الأب، في كل الحكايات المذكورة، مسطحة ومعيقة تحاول دائماً أن تعرقل عن قصد مسيرة الشخصية الرئيسية وهي هنا طفلة أو مجموعة أطفال. ولا يستثنى من هذا التعميم إلا شخصية زوجة الأب في "مرآة ماتسوياما" التي تتحول قُبيل نهاية الحكاية لتصبح شخصية مساندة، وكذلك في سندريلا.

الممارسات :

في "الصقيع" كانت الخالة ترغم الفتاة الطيبة ابنة الزوج على إحضار الحطب، وإشعال النار، وتنظيف البيت وما إلى ذلك من الأعمال التي تتنافى مع الطفولة الغضة؛ وفي المقابل تدلل ابنتها البليدة والكسولة وتغمرها بحنانها وبأطايب الطعام والشراب. وكل هذا لم يكن ليرضيها. لذا، تقرر أن تتخلص منها نهائياً حيث تأمر الزوج المستضعف بأن يأخذ ابنته فلذة كبده إلى الغابة ويتركها هنا وسط الثلج والبرد القارس!

وفي "سندريلا" يتكرر هذا المشهد بشكل عام، وإن اختلفت التفاصيل: حيث تتظاهر الخالة بمحبة "سندريلا" في وجود أبيها، وتقلب لها ظهر المجن في غيابه، وتعاملها بقسوة هي وبنتاها. وتتفاقم المشكلة بعد وفاة الوالد، لتتحول سندريلا إلى خادمة لزوجة أبيها وبنتيها. تلبس الملابس الممزقة والأسمال البالية، وتأكل الفتات والبقايا؛ بينما تلبس البنتان الأخريان أجمل الثياب وتأكلان ما لذ وطاب. وفي الوقت الذي تكلف فيه سندريلا بالتنظيف والكنس والغسيل، وتكافأ بالنوم في المطبخ أو فوق سطح البيت؛ كانت بنات زوجة الأب يقضين الوقت في اللعب والراحة والحفلات والأفراح، وينمن في حجر نظيفة وعلى أسرة مريحة! كل ذلك، وسندريلا صابرة تتحمل بصمت، لا تتأفف ولا تشكو.

أما في "مرآة ماتسوياما" فإن زوجة الأب تفتري على ماتسوياما زوراً وبهتاناً، وتدعي أن سلوكها سيء، وتشكوها إلى أبيها باستمرار، على أمل التخلص من وجودها معها في بيت واحد. وفي أحد الأيام، تذهب إلى زوجها وتطلب منه بصوت حزين أن يأذن لها بالذهاب إلى بيت أهلها بذريعة أنها باتت تخشى على نفسها من ابنته التي تخطط لقتلها بواسطة السحر كما زعمت. وتفلح، مؤقتاً، في زرع شيء من الشك والريبة في نفس الأب تجاه ابنته..

وأرغمت الملكة زوجة الأب "بياض الثلج" على العمل في المطبخ، وحرمتها من الملابس الثمينة اعتقاداً منها أنها بذلك تسبب في ذبول جمالها الذي تغار منه، لكنها كانت تزداد جمالاً يوماً بعد يوم! لذا حاولت التخلص منها مرتين: مرة حين أرسلتها مع أحد الصيادين إلى الغابة ليقتلها، الأمر الذي لم ينفذه الصياد، ثم تضيع بعد ذلك في الغابة وتصل بعد لأي إلى الأقزام السبعة. ومرة أخرى حين تحولت زوجة الأب إلى عجوز شمطاء ساحرة، وأعدت التفاحة التي تكفي قضمة منها "لتغرقها في سبات عميق لا تفيق منه" ومعلوم أن مثل هذا النوم صنو الموت!

ومنذ بداية الحكاية في "الإوزات البريات" استخدمت زوجة الأب بعض الكلمات السحرية لتحوّل أولاد الملك إلى إوزات بريات لتتخلص منهم دفعة واحة، لكن الأميرة لم تكن بينهم لذا تنجو بالتالي من هذا السحر، لتكون لاحقاً سبباً في زوال تأثير السحر عن اخوتها، بعد أن تتعرض لسلسلة من الحوادث التي كادت تنتهي بها إلى القتل بسبب ملاحقات زوجة الأب الشريرة لها.

الدوافع :

ولعل الغيرة والأنانية هما الدافعان الرئيسان والمحرضان الأهمان لكل تلك الشرور والقسوة والظلم عند شخصية زوجة الأب في الحكايات التي تناولناها:

ففي: "بياض الثلج" كانت زوجة الأب لا تطيق أن تسمع أن في الدنيا جمالاً يفوق جمالها. وكانت مرآتها تؤكد لها كل يوم تفوقها في ميدان الجمال، إلى أن جاء اليوم الذي قالت لها فيه مرآتها على خلاف المعتاد: "قد تكونين جميلة جداً، لكن بياض الثلج هي الأجمل". فكان هذا إيذاناً بإعلان حرب على ابنة الزوج المنافس الوحيد لها في الجمال. وهذا السلوك بحد ذاته اعتراف ضمني بتفوق "بياض الثلج" في الجمال الروحي والجسدي! وكذلك كانت زوجة الأب في "الإوزات البريات" "تغار من حب الملك لأطفاله". وفي "سندريلا" كانت الغيرة من سندريلا وراء كراهيتها وحسدها ومعاملتها السيئة، "لأنها أجمل من بنتيها". وأيضاً في "الصقيع" كانت ابنة الزوج هي الأجمل والأذكى وهو سبب كاف لإشعال نار الغيرة في قلب الزوجة الثانية وابنتها. وفي "مرآة ماتسوياما" كانت الغيرة التي تملأ قلب زوجة الأب حافزاً لها لاختلاق الأكاذيب والافتراءات على ابنة زوجها "ماتسوياما".

دور الآباء :

ولابد لنا في هذا السياق من أن نتحدث عن دور الآباء إزاء ما يصيب أبناءهم وبناتهم من ظلم وعسف وجور على أيدي زوجاتهم الجديدات كما تجلى في الحكايات التي تطرقنا إليها ومعلومٌ أن العلاقة بين دور الأب ودور الزوجة الثانية علاقة جدلية: فبقدر ما يقوى دور الأب يضعف دور الزوجة الثانية والعكس صحيح :

في "بياض الثلج" كان دور الأب "الملك" مغيباً تماماً. والأمر اللافت في الموضوع أنه لم تذكر له ردة فعل مطلقاً على غياب ابنته! وهذا مطب واضح لم يشر إليه أحد، في قصة تعتبر من روائع كلاسيكيات أدب الأطفال في العالم! ثم إن الحكاية لم تتطرق إلى أن بياض الثلج كانت متشوقة لرؤية أبيها أو أنها تناضل للعودة إليه.. وكل ما ذكرته الحكاية أنها حالما أفاقت من سباتها العميق، من خلال "قبلة" الأمير، أخذها الأمير إلى قصره وعاش الجميع بسعادة وهناء ! ولقد استطاع كاتب سيناريو النص التلفزيوني لهذه القصة أن يتلافى هذا النقص بذكره ما يشعر بأن الملك كان منشغلاً بالحرب ضد أعداء مملكته.

في "الإوزات البريات" وعلى نحو قريب مما ذكر عن إهمال دور الأب في القصة الأولى، يظهر الأب "الملك" مرة واحدة في السطر الأول من الصفحة الأولى للقصة حين تقول الحكاية على لسان الراوي: "يحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك ملك ماتت زوجته وله منها اثنا عشر ولداً منهم بنت واحدة، فتزوج الملك ثانية لرعاية أولاده..." ثم يغيب عن المشهد دونما مبرر، فلا يعود يذكر لا من قريب ولا من بعيد‍! وهذا مطعن قوي في قصة عالمية أخرى.

ويكون زواج الأب في "سندريلا" بعد سنوات من موت زوجته الأولى، طلباً لمن تحل محل زوجته الراحلة في العطف على ابنته وتربيتها.. فالأب هنا عطوف شفوق محب لابنته مهتم بها، لكنه لا يعرف شيئاً عن معاناتها، لأنها ببساطة، لم تشأ أن تطلعه على ذلك "خوفاً من إيلام أبيها أو إحزانه" . ثم يموت الأب "بعد سنين من زواجه الثاني" ليترك ابنته اليتيمة لا حول لها ولا قوة. فالأب في هذه الحالة معذور برأينا لأن تقصيره في جانب ابنته لم يكن متعمداً.

أما في "الصقيع" فلقد كان دور الأب في حماية ابنته ومواجهة طغيان الزوجة الثانية سلبياً بشكل لافت: لأنه انصاع لأوامر الزوجة المستبدة، وإن كان بعد شيء من التردد، "وهذا أضعف الإيمان" ليظهر أنه أب مغلوب على أمره ولا حيلة له في حماية ابنته من ظلم زوجته، بل ليكون الأداة المنفذة للجريمة ضد ابنته!

لذا يمكننا القول بأن شخصية الأب كانت في الحكايات السابقة مكملة لم تقوَ على ممارسة ما يفترض أنها تستطيع أن تفعله من الوقوف في وجه الزوجة الثانية أو على الأقل، الحد من طغيانها تجاه أولادهم من الزواج الأول! وهو دور مقصود، وإن كان مستهجناً، لتأزيم حالة البطل النفسية مما ينعكس على تصرفاته والتوجه نحو حل العقدة.

في "مرآة ماتسوياما" يبدو دور الأب مختلفاً ومرسوماً بعناية. حيث يظهر الأب مع بداية القصة ويستمر حتى النهاية.. زوجاً محباً مخلصاً، وأباً حنوناً متفهماً لنفسية ابنته، لا يصدق ما يقال عنها وعن تورطها في استخدام السحر لقتل زوجته.. ونتيجة لترويه وتفهمه للأمور يصل إلى إحلال الوئام والسلام بين زوجته وابنته في نهاية القصة. من هنا جاز لنا أن نقول إن دور الأب في هذه القصة كان متفوقاً على دور الأب في بقية القصص لذا استحق منا التنويه.

نهايات أنموذجية :

في قصص الأطفال كما في الأفلام المصرية القديمة، تنتصر العدالة دائماً! ويعاقب المسيء عقاباً يكافئ إساءته، ولا ينبغي أن يؤجل ذلك إلى عالم آخر أو مناسبة أخرى. وفي كل الحكايات يكون النصر حليف الأطفال المظلومين، وتدور الدائرة على الباغين، فيأتي الفرج والفرح ونصل إلى حل العقدة ويعود السلام.

تصل زوجة الأب في "بياض الثلج" أثناء ملاحقة الأقزام لها إلى قمة الجبل، وتتمسك بجذع شجرة فينكسر فجأة بفعل صاعقة، فتهوي إلى أسفل الوادي لتلاقي حتفها. وهنا نلاحظ تدخل عناصر الطبيعة في إحقاق الحق وفي تنفيذ عقوبة الظالم، تماماً كما حدث في "الصقيع" حيث عوقبت زوجة الأب بموت ابنتها المدللة على يد الصقيع الذي تجسده القصة وتجعله شخصية رئيسة فيها، في حين تكافأ ابنة الزوج المظلومة بالمعطف الثمين والقبعة والقفازات الجميلة، مع صندوق مليء بالجواهر والدرر.

أما زوجة الأب في "الإوزات البريات" فإن عقابها يكون بطردها من البلاد، وبعدها تحتفل الأميرة بزواجها من الملك لتعيش معه بسعادة وهناء ولتزور اخوتها بين الحين والحين.

لكن النهاية في "سندريلا" و "مرآة ماتسوياما" تتسم بأنها أكثر واقعية وإنسانية، لأنها سمحت بإعطاء فرصة لتصحيح المسار والندم على ما فرط وطلب العفو والمغفرة: حيث خافت البنتان في "سندريلا" وخجلتا مما فعلتاه ضدها في الماضي، وندمتا وطلبتا العفو من سندريلا التي كانت بدورها شهمة وكريمة صفحت عنهما ووعدتهما بكل خير في المستقبل. سيما بعد أن فازت بالزواج من الأمير الذي سيغدو يوماً ما ملك البلاد وستصبح زوجته ملكة أيضاً. ونلاحظ هنا غياب زوجة الأب عن هذا المشهد دون تبرير أو تفسير وهذا أمر مهم يجدر الانتباه إليه. أما في "مرآة ماتسوياما" فإن زوجة الأب تكتشف بنفسها مقدار التعاسة والشقاء اللذين تسببت بهما لابنة زوجها، وتندم على ذلك وتعتذر للفتاة وتتعهد بعدم تكرار الماضي وتطلب منها المغفرة ليعود الوئام إلى البيت ومنذ ذلك الوقت: "عاش الثلاثة معاً سعداء مثل السمك في الماء" .

في الختام لنا أن نقول: أنه ما من شك أن قصص الأطفال لم تتعمّد أن تعمم مفهوماً خاطئاً عن زوجة الأب، وإنما غايتها أن تسلط الضوء على الظلم الواقع من بعض زوجات الآباء، ليصار إلى اجتنابه ولتعم المحبة والمودة قلوب الجميع. والواقع أنه بقليل من التفهم والمنطق السليم كان من الممكن تلافي كل المشاكل التي حصلت، لأن في الحياة متسع لنا ولغيرنا. والحياة تغدو قبيحة مثل صحراء قاحلة إذا تجردنا من عواطفنا السامية كالحب والإيثار والشفقة والرحمة والحنان. لكن ما الذي يمكن أن يحصل لو كنا جميعاً مثاليين هكذا؟! إن أول ما يتبادر إلى الذهن في الإجابة على هذا السؤال هو أنه عندها لن يكون لدينا حكايات رائعة جميلة ومسلية مثل "سندريلا" و "الإوزات البريات" وغيرها!

     ونحن نأمل أن نرى قريباً قصصاً تتحدث عن زوجات آباء طيبات وصالحات قصصاً تتحدث عن "أمي الثانية" و "الحضن الدافئ" و "يا أمي بعد أمي" وغيرها كي نكون قد أنصفنا زوجات الآباء اللواتي كن ضحية تعميم المفاهيم الخاطئة والمنتشرة خاصة في قصص الأطفال.


  • 1

   نشر في 29 نونبر 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا