نسمع كثيرًا أن بقاءنا بالمنزل لبضعة أشهر جعل “الأرض تتنفس“ بل والأهم طبعًا أنه جعلني أكتب، ولكن ماذا يحدث لو فجأة اختفى كل إنسان على وجه الأرض؟

بدون وجود أي منّا ليتحكم بهم، ستتأثر معظم صناعاتنا بصورة عكسية، فبعد بضع ساعات مثلًا ستتعطل مصافي النفط في كل مكان مسببةً أشهرًا من الحرائق. وكذلك مضخات التصريف الموجودة في مترو الأنفاق بالمدن الكبرى ستصبح مهجورةً فتغرق الانفاق في ثلاثة أيام تقريبًا.

وبعد مرور أول شهر كارثي، ستحدث بعض التغيرات على نحو تدريجي، ففي غضون ٢٠ سنة ستتشقق الأرض بفعل الأعشاب وجذور الأشجار. والأنفاق الغارقة “أتتذكرها؟“ ستقوم بتآكل كل الشوارع فوقها وتحولها إلى أنهار مدنية.

وبعد مرور حوالي ٢٠٠ فصل شتاء، ستتلوى معظم ناطحات السحاب وتتساقط، بل ستغرق حتى النهاية في بعض الأماكن المبنية بها على الدلتا. وببطء شديد ستتدهور المناطق الريفية والضواحي، ولكن بطرق غير مفاجئة من عفن وحشرات وقوارض منتشرة. بمعنى أوضح ستصبح أعداء المنزل الريفي صاحبته.

وفي خلال ٧٥ سنة تقريبًا، ستتآكل دعامات معظم المنازل وتنحني، والركام الناتج سيصبح منزلًا للقوارض والسحالي، وأما المدن فستمتلئ بالنباتات المستوردة، التي سوف تنمو تحديدًا فوق منازلها المتبناه بشكل سريع.

بالطبع سيصل هذا التنوع البيولوچي بعد البشري إلى مملكة الحيوانات، وباختصار ستتحكم بنيتنا التحتية في حياة الحيوانات، وأما الصراصير فستستمر بالانتشار في بيئاتها الإستوائية. ولكن صراصير المدينة سيتجمدون ويموتون في خلال شتاءين فقط من دون أنظمتنا المحلية للتدفئة، وأما معظم الحيوانات المنزلية سيكونون غير قادرين على الحياة بدوننا باستثناء بعض الخنازير والكلاب والقطط البرية الأليفة.

في المقابل، الانخفاض في تلوث الضوء سينقذ أكثر من بليون طائر كل عام، الذين تمت عرقلة هجرتهم بأضواء الأبراج والأسلاك العالية “وتحدثنا عن الهجرة في المقالة قبل السابقة إن كنت تتذكر“.. وسيتضاعف البعوض بلا نهاية وتحديدًا في الإطارات المطاطية، حيث ستدوم لألف عام تقريبًا.

بازدهار الحيوانات والنباتات، سيبدأ مناخ الأرض بالتعافي من آثار الإنسان ببطء؛ فبمرور ٣٥ ألف سنة، ستتخلص النباتات من آثار الرصاص التي خلفتها الثورة الصناعية من تربة الأرض، وربما تحتاج إلى ٦٠ ألف سنة ليعود غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مستوياته.

في النهاية دعني أخبرك أنه حتى بعد ملايين السنين سيظل أثر الإنسان محفورًا في بعض الأشياء، في مقالاتي مثلًا والتي كتبتها خصيصًا لتفهم أنه باستكشاف العالم بدوننا ربما نستطيع أن نتعلم المزيد عن العالم الذي نعيش فيه الآن.