مؤامرة سيجانوس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مؤامرة سيجانوس

الامبراطور تيبيريوس

  نشر في 01 غشت 2023 .

لم يكن للأمبراطور تيبيريوس نظام ثابت للوراثة العرش ، اذ عين بعد وفاة جرمانيكوس عام (19م) ولده دروسوس عام ( 23م) معاوناً له بسلطة تربيونية ، وقرب قائد الفرق البريتورية من طبقة الفرسان المدعو لوكيرس ايليوس سيجانوس (Lucius AeliusSejanns ، وهو فارس من اسرة تروسكية ،  تمكن بشجاعته من ان يكسب ثقة الإمبراطور ، اذ اصبح  معين للإمبراطور ومستشار غير رسمي له ، مما اثار معارضة ابنه دروسوس ( ) ،  كان سيجانوس يعمل لتحقيق أهدافه في إبعاد المستحقين لولاية العرش من أفراد الأسرة اليوليو كلاودية ، وقد كانت اول اشارةمن سيجانوس للإمبراطور تيبيريوس ، هو اقامة ثكنات عسكرية دائمة للحرس الإمبراطوري في مدينة روما، وبذلك اصبحت تحت يده قوة فعالة يستطيع بها  السيطرة و تنفيذ ما يريد بقوة السلاح لو استدعى الأمر   ، ثم حاول التوصل الى ليفلا زوجة ابنه دروسوس واقامة علاقة وطيدة بينهما ، توصل الى اقناعها بدس السم لزوجها واعداً اياها بالزواج والعرش( ) .

كانت مؤامرة سيجانوس محكمة ، اذ توفي دروسوس عام ( 23م) ( )، وكان لهذا الحادث اثر كبير على نفسية الإمبراطور ، لا سيما وانه الأبن الوحيد له ، ومن الممكن عده لتولي وراثة العرش بعد وفاته .


بعد وفاة دروسوس الابن ، اصبح اعتماد الإمبراطور بشكل كبير على قائد الحرس البريتوري سيجانوس ، اذ استطاع الأخير بـ(كفاحه وشجاعته وتفهمه لمشاكل الامبراطور النفسية ، ان يكون رجل تيبيريوس الموثق والمستمع الى وجهة نظره ، وحاول ان يلعب دور اجريبيا بالنسبة لأغسطس عندا اصبح زوج ابنته ووريثه) ( ) ثاصبح لا غنى عنه ، مما زاد في طغيانه ، اخذ يملأ راس الامبراطور باوهام وشكوك لمؤامرات وهمية ، ركز فيها على المستحقين لروراثة العرش من افراد الاسرة اليوليو-كلاودية ، فضلاً عن البارزين من رجال مجلس الشيوخ ، لاسيما ممن يقفون امام اطماعه ، لذا عمل على تشويه سمعة اغريبيا وأولادها امام الإمبراطور ، واهماً اياه بتآمرهم على قتله مع عدد كبير من مؤيديهم ، مما اثار حفيظة الامبراطور ، اذ سرعان ما اقنعه بشن حملة كبيرة لتصفية المتآمرين ، اذ قتل الكثيرين منهم من امثال الفيلسوف ومؤرخ الحرب الأهلية كورسوس وابنة عم اغريبيا (بولشرا) بعد اتهامها في الخيانة الزوجية ، على من تقديم اجريبينا شكوى ضد الحكم التي لم تنل استجابة الامبراطور ، ادركت اجريبينا ان ادانة احدى قريباتها يعني انها سوف تكون الضحية التالية( ).                                                                                                                  لم يبق أمام  الامبراطور لاختيار وريث لعرشه غير نيرون و دروسوس ولدي جرمانيكوس و اغريبيا ()، ولابد من الإشارة إلى أن الإمبراطور أوغسطس كان من شروط تبني تيبيريوس و توليه العرش ، هو تبنيه لجرمانيكوس  (Germanicus) الذي كان يتمتع بلباقة أبيه و بعض مواهبه . لذلك كان من المرشحين للعرش من قبله (). 

ولكي يمضي سيجانوس في تحقيق مأربة مع ليفيلا(Livilla) في القصر الامبراطوري ، زوجة دروسوس بن تيبيريوس ، الذي ازدادت علاقته بها بعد وفاة زوجها، وقد كان يطمح من الحصول على الكثير من السلطات من خلالها ، طلب من الامبراطور ان يسمح له بالزواج منها ، املا في ان يصبح يوما وصياً على العرش وعلى ابن دروسوس الصغير، ولكن الامبراطور رفض ذلك( ) ، ولا يعرف لماذا رفض الامبراطور هذا الزواج ، على الرغم من ان سيجانوس يعد رجل الدولة الاول بعد تيبيريوس ، وحين اطمأن ان رفض الامبراطور لم يكن نابع عن أي شك ، اخذ بسلك الطرق القصيرة لإبعاد الامبراطور عن روما من اجل ان ينفرد في السلطة ، لذلك اشارة على الإمبراطور من اجل الحفاظ على حياته بترك روما والذهاب الى جزيرة كابري القريبة من نابولي في منزل ريفي عام (26م) ( ). اذ بنى فيها الامبراطور(12) قصراً بأسماء واشكال معمارية مختلفة ، منشغلاً كلياً بشؤون تستهلك كل وقته) ( ) ، لاسيما وان هناك اتهامات تشير الى اشتراك بعض افراد العائلة في هذه المؤامرات ، واساءت الوضع السياسي داخل روما.

اكتسب سيجانوس عرفاناً بالجميل من قبل الامبراطور تيبيريوس لإنقاذه حياته اثناء الانهيار المدبر لسقف احدى القاعات ، اذ كانا يتناولان الطعام( ). ومع تتابع الاعباء على تيبيريوس ، فان اعتماده على قائده سيجانوس راح يتزايد ، اصبح الأخير هو عينيه واذنيه ولم يعد تيبيريوس يثق بأحد( ).

اثار وجود الامبراطور في هذه الجزيرة نتائج وخيمة للإمبراطورية ولشخصية الامبراطور نفسه منها :

1. قلل من شعبيته في روما ( ).

2. اصبحت كابري مركز الحكومة .

3. اصبحت روما تحت سيطرت سيجانوس ، اذ كان من الطبيعي ان يقوم بحملة لتصفية اعداءه .

استغل سيجانوس موقف اجريبينا زوجة جرمانيكوس ، اذ كانت امرأة قوية ومسيطرة ، اخذت الهواجس والشكوك مأخذاً ، لاسيما بعد وفاة زوجها في سورية فاقنع الامبراطور بن موقف هذه المرأة موقف عدائي لشخص الامبراطور ، يهدد مركزه ، بعد ان نقل اليه اتهاماتها اثر وفاة زوجها ، وقد ساعد مكوت الامبراطورة ليفيا عام ( 29م) سيجانوس من تنفيذ اغراضه ، اذ كانت الأخيرة حريصة على تماسك الاسرة اليولوكلاودية ووحدتها ( )

ارسل الإمبراطور رسالة الى مجلس الشيوخ الروماني يتهم فيها اغربينا وابنها نيرون واصفاً اياها بالوقاحة وولدها بالاستهتار ، لاسيما بعد منعها من الزواج بعد وفاة زوجها جرمانيكوس ، ولما رأى تباطأ مجلس الشيوخ باتخاذ الإجراءات القانونية بحقها ، بعث برسالة أخرى ، نفيت الأم الى جزيرة بندتيريا ( Pandateria ) وفي الابن الى جزيرة ( Pontia ) البحر المتوسط ( ).

وبرحيل اغريبينا وولدها من العاصمة روما ، ووفاة ليفيا والدة الإمبراطور عام (29م) ، لم يبق امام سيجانوس الا دروسوس بن جرمانيكوس الثاني ، اذ اقنع زوجته باتهامه ، و لقد نجح في مسعاه ، فتح استدعاه دروسوس من جزيرة كابري وسجن في روما. وبذلك اصبح سيجانوس  الحاكم الأوحد في روما ، و الرجل الأول في الدولة ،  لذلك أمر بتشييد المذابح ونحت التماثيل له واستحدثت الألعاب على شرفه( ) .

انتهز سيجانوس الفرصة التي أتيحت له وفق قانون الخيانة الذي استحدثه الإمبراطور ، اذ نفى عدد كبير من خصومه بعد اتهامهم بتهم تتلائم مع بنود هذا القانون ، في الوقت الذي لم يتدخل الإمبراطور في هذا الأمر، لذلك يشر ديورانت( ) الى ان تيبيريوس ارتكب كثير من اعمال القسوة حتى انه طلب تنفيذ عقوبة الاعدام في احدى الشخصيات الرومانية (ببيوس سبينوس) بحجة ان عيونه قد سمعوه وهو يأتمر بالحكومة.

نالت افعال سيجانوس رضى الإمبراطور، اذ اخذ الأخير ان يمنح سيجانوس الكثير من الألقاب الفخمة ، فضلاً عن السماح له بالزواج من حفيدته جوليا واشراكه معه في القنصلية ، ومنعه من دخول كابري في وقت اخذ يقرب فيه جايوس ( غاليكولا) الابن الثالث لجرمانيكوس ( ).

بدأ سيجانوس يرسم خططه ليزيح عن طريقه آخر عقبة ، الا وهي الإمبراطور نفسه فأخذ يعمل جاهداً للوصول اليه ، وكان قد اغضبه خطاب الامبراطور تيبيريوس الى مجلس الشيوخ يرشح فيه جيوس بن اجريبيا ليكون زعيماً من بعده ، فدبر مؤامرة إغتيال الإمبراطور ولكن في آخر الأمر نبيء الإمبراطور بأفعاله ومخططاته في (18 أكتوبر، عام31م) ( )بفضل أنطونيا أم جرامانيكوس، اذ خاطرت بحياتها لتبعث اليه برسالة تحذره فيها من الخطر الذي يتهدده ( ) ، فضلا ان ارتايبه من اصرا سيجانوس على الزواج من زوجة ابنه ورفض الامبراطور المتكرر ، وفي هذا الوقت استدعى تيبيريوس الناس الذين كان قد اتهمهم الاخير وعرضهم للموت تحت التعذيب ( ).

عين الإمبراطور سراً ماكرو قائداً للحرس البريتوري ليحل محل سيجانوس ، وفي الوقت ذاته ارسل بيده رسالة الى مجلس الشيوخ الذي عقد جلسته في 18تشرين الأول عام (31م) ، تُليت بصوت مرتفع وخطاب طويل جاء من كابري اذ بدأ الرسالة بوعد غامض عن منح سيجانوس وظائف أخرى مشرفة، قرأها امام اعضاء المجلس وبحضور سيجانوس ، واختتمها بالخيانة( ).وهكذا خطط تيبيريوس بمهارة وحذر للتخلص من سيجانوس( ).

لم يعترض اعضاء مجلس الشيوخ على اجراءات الإمبراطور ، ولم يكن هذا المجلس في يوم من الايام أكثر استجابة لرغبات الاباطرة منه في هذه المرة ، في ادانة سيجانوس الذي كان يمتدحه بالأمس القريب ، وسرعان ما أُصدر قراراً بإعدامه ، اذ ارسلوا قوة قتلته خنقاً( ) .

وكا ن من نتائج اعدام سيجانوس عمت الافراح الشارع الروماني ، بعد ان اطاحوا بتماثيله وتمزيق جثته ، وعد يوم مقتله عيداً باسم يوم الخلاص( ).

اعترفت أرملة سيجانوس (ليفيلا ارملة دروسوس ابن الإمبراطور التي تزوجها سيجانوس بعد ذلك بارً بوعده لها ) بتآمر سيجانوس على قتل دروسوس .كان موقف سيجانوس وعدم ولائه سبباً في تحطيم معنويات الإمبراطور( ).

استمرت مطاردة اتباع سيجانوس لمدة عام، امر الإمبراطور بقتل جميع السجناء ، وبقيت اغريبينا مع ولدها دروسوس سجناء في منفاها، توفية عام ( 33م) ولم ينج من ابنائها سوى جايوس ( الامبراطور كاليجولا فيما بعد) واخواته الاناث الثلاث وقد رفض ، الإمبراطور دفنهما في المقبرة الملكية( ) .

اعقبت اعدام سيجانوس فترة من حكم الارهاب تولى قيادتها شيوخ اضر سيجانوس بمصالحهم ، أو أذى أقاربهم أو أصدقائهم ، واحياناً تولاها تيبيريوس نفسه ، ودفعه الخوف والغضب الى صورة جنونية من الانتقام ، اذ قتل كل انسان خطر ساعد  سيجانوس ، او كانت له يد في تنفيذ أغراضه ، ولم تنج من القتل ابنته الصغرى نفسها ، وانتحرت مطلقة أبكاتا (Apicata) ، ولكنها ارسلت قبل انتحارها رسالة الى الإمبراطور تبلغه ان ليفلا ابنة أنطونيا قد اشتركت مع سيجانوس في تسميم زوجها دروسوس ابن الإمبراطور ، فما كان من الامبراطور الا ان يأمر بمحاكمتها ، ولكنها امتنعت عن الطعام حتى ماتت ، وبعد سنتين من ذلك أي عام (33م) أنتحرت اجريبينا في منفاها كما امتنع عن الطعام ابن آخر من أبنائها ، وظل ممتنعاً حتى توفي ( ) .

وفي كابري قضى الإمبراطور السنوات الباقية من حكمه في عزلة تامة( ).

اذ عاش بعد سيجانوس ستة اعوام ، قيل انه اصيب بخبال في عقله ، التي لا يمكن بغيرها تفسير اعمال القسوة التي يقترفها بحق مواطنيه ، اذ كان يؤيد تهم الخيانة العظمى التي توجه الى الناس بدل ان يعارض فيها ، حتى بلغ مجموع من ادينوا بتلك التهم في حكمه ثلاثة وستين شخصاً ( ).


  • 1

   نشر في 01 غشت 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا