أولى الإمبراطور تيبيريوس السياسة المالية اهتمام كبيراً، إذ اتبع سياسة عادلة وقويمة في فرض الضرائب ، واخذ الاحتياطات لمنع زيادة الأسعار ، لا سيما اسعار الحنطة في أوقات الأزمات ، لذلك حافظت مخازن الحنطة طوال فترة حكمه على كمياتها ، أما بالنسبة للضرائب فكثيراً ما كان ينفق من ماله الخاص ، ولم يرفع نسبة الضرائب ، حتى أنه قلل ضريبة المبيعات الى النصف ، وكانت اعمال الإيرادات العامة يصرفها رجال امتازوا بالاستقامة والنزاهة ، اذ كانت الضرائب القديمة تجبى بدون عنف أو قسوة ، ساد على أثرها النظام بين عبيده( ) .
اتبع تيبيريوس سياسة قائمة على عدم الاسراف و التبذير لذا نجده قليل الاهتمام بإقامة الألعاب و الاستعراضات و الاحتفالات الباذخة ، بل إن الأمر تعدى ذلك ، إذ قام في عام (23م) بإبعاد العديد من الممثلين من ايطاليا ، ووضع قيوداً على أعداد المجالدين (المصارعين) في العاب المجالدة و مما يلاحظ أنه لم يول اهتماماً بالمسائل الدينية ، لذا فقد قلل من عملية بناء المعابد ، كما أنه لم ينسب اليه سوى إقامة معبد أوغسطس و أصلاح مسرح بومبي ( ) ، و لم يهتم تيبيريوس بدين الدولة الرسمي ، فقط شكل هيئة من النبلاء للعناية بطقس أوغسطس المؤله ().
كان تيبيريوس في سياسته إزاء الولايات متشدداً مع الولاة ، إذ كان لا يثق في ذممهم، فكان معظمهم من رجال مجلس الشيوخ ، أما في مصر فكانوا من الفرسان ، و على الرغم من إصلاحات أوغسطس و قوانينه القاسية ، ظلت الروح الابتزازية لصالح روما ، فكان الإمبراطور يحدد مقدار الضربية النقدية (القمح) على مصر ، و عبارته(إني أريد لشاتي أن تجز لا أن تسلخ ) قالها لوالي مصر ايميلوس راكتوس ، و الواقع أنها تنطوي على توبيخ و حكمة () ، معبراً فيه عن إحساسه بمسؤوليه اتجاه رعيته ، لا من منطلق الحاكم المستبد ، الذي يفرض سلطانة بالقوة بعيداً عن تحقيق مصالح الإمبراطورية و الشعب ، إذ كان القصاص و العدالة في مفهومه يمثلان ناحية بعينها، وإن كانت من أهم ما يضطلع به الحاكم و ما يقوم به من واجبات ، إذ كان عليه أن يعمل على حماية مصالح الشعب ورعايته ، و ان يرفع الجور على أهل الولاية أنفسهم من جانب الدائنين الرومانيين أو الموظفين الماليين أو جباة الضرائب . إذ كان يكتب للولاة الذين يريدون أن يجبوا من الضرائب اكثر مما كان مفروضاً على ولايتهم يقول لهم (لقد كان من واجب الراعي الصالح أن يقص صوف غنمه لا أن يجزها)(). و مما يذكر له أيضاً إنه شجع الفلاحين على الزراعة ، و قد قدم خلال ازمة عام (33م) قروضاً للمحتاجين يدفعونها في ثلاث سنوات دونما فائدة ().