تيبيريوس و قضية السيد المسيح (عليه السلام) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تيبيريوس و قضية السيد المسيح (عليه السلام)

السيد المسيح (عليه السلام)

  نشر في 07 غشت 2023 .

ولد السيد المسيح ( عليه السلام ) قبيل وفاة هيرودتس بن انتيباير الايدومي الذي نصبه الرومان ملكاً على كل بلاد اليهود، أي قبل العام الثالث قبل الميلاد( )، في الثلاثين من عمره حين عده يوحنا في السنة الخامسة عشر من حكم تيبيريوس أي في عام( 28-29م) . وهذا يجعل ميلاد المسيح في عام ( 1-2ق.م). وفي تلك الأيام صدر مرسوم من قيصر اوغسطس يقضي بأن تفرض ضريبة على العالم كله.حين كانكوبرنيوس(Quirinius) والياً على سوريا ، في الفترة المحصورة بين (6-12م) ( ).

ولد السيد المسيح في بيت لحم على بعد خمسة اميال جنوبي اورشليم ، ثم انتقلت اسرته منها الى مدينة الناصرة ، وقد سمي باسم يسوع(Yeshua ) ومعناه معين يهوه، وحرفه اليونان الى( Lesous ) والرومان الى ( Lesus)( ).

بعد وفــــــاة هيرودس الكبير عيّن بيلاطس البنطي(٢٦-36م) (Pontius Pilatus)( ) نائباً عاماً على فلسطين ، ويعد من اهم النواب الذين حكموا فلسطين، اذ نقل مركز قيادة الجيش الى اورشليم( ) ، ولاسيما أن اسمه كان مرتبطاً بأهم احداث التاريخ المسيحي، إذ قام بيلاطس باتخاذ اجراءات عدة، يعد إدخال الديانة الوثنية، ورموزها إلى المجتمع الأورشليمي ابرزها، الأمر الذي اثار غضب اليهود الذين أدركوا أنه أساء إلى ديانتهم، ولاسيما ان هذا الإجراء لم يتخذه حكّام المقاطعة السابقين( ).

لم يكن بيلاطس البنطي متسامحاً، فقد عزم عام (26م) على إدخال الأعراف الوثنية إلى معبد اورشليم، وممارسة الطقوس الرومانية فيها، لذلك؛ حاصر يهوذا ليلاً مما أصاب الناس الهلع والرعب عندما وجدوا مدينتهم حوصرت عند الصباح، وهذه الأعمال أدت إلى قيام السكان بالتمرد ضده، ولاسيما انه حاول طمس تعاليم الديانة اليهودية، واجبار السكان على استبدال ديانتهم بديانة وثنية اخرى( ).

استمر بيلاطس بسياسته هذه، لذلك ؛ قرر اليهود الدفاع عن عقيدتهم وأرضهم، فأرسلوا وفداً اليه من أجل اقناعه بالعدول عن سياسته هذه، الا ان الوفد لم ينجح في مهمته، اذ رافض الاستماع إلى آرائهم، ونتيجة لذلك اشتدت الأزمة بين الجانبين، لذلك ؛ قرره استعمال القوة ضد يهوذا( ).

وعمل على القضاء عليهم لكي لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، مستخدماً اسلوب المكر والخديعة تجاه اليهود الا ان الأخيرين لم يشعروا بذلك قط ، اذ كانت خطته قائمة على استدراج اليهود الى السيرك ، وفي اثناء تقديم الشكاوي تنقض عليهم القوات الرومانية التي اخذت اوامرها من بيلاطس، والذي امرهم بالاختباء حتى يأذن لهم بالخروج، والقبض على اليهود وقتلهم( ).

قتل عدد كبير من اليهود في هذه الحادثة ، الا ان هذا الامر لم يثنِ من عزيمة الشعب اليهودي الذي قدم حياته في سبيل انقاذ دينه وارضه من الفساد، وبذلك يكون بيلاطس قد فشل في مساعيه القائمة على كسر شوكة اليهود، واجبارهم بالتخلي عن مطالبهم( ).

عندما رأى بيلاطس إصرار اليهود على إلغاء الأعراف الوثنية، وتطهير يهوذا منها قرر المضي في محاولة اخرى من أجل ضرب العزيمة اليهودية ، وكانت محاولته قائمة على نشر عبادة الإمبراطور الروماني بين سكان اورشليم ، لذلك إدرج اسم وصفات الإمبراطور الروماني على ألواح كبيرة، واتخذ جبل صهيون مقراً له من أجل تنفيذ هذه الخطة، ( )، اذ كان يعد هذا الأمر سوف يلاقي ترحيباً من قبل الأمبراطور نفسه ، فقد تم اعلانه بوصفه الهاً في اجزاء واسعة من الإمبراطورية، الا ان هذه المحاولة لم تعجب اليهود مطلقاً، ولاسيما الحاخامات الذين شعروا بأن هذا الأمر تعدي على الديانة اليهودية القائمة منذ الاف السنين، ومن الخطأ الفادح وضعها في كفة، وعبادة الإمبراطور في كفة اخرى ، فامتنعوا لذلك وقتل منهم عدداً كبير( ) ولم تكن ردة فعل المقاطعات الأخرى على هذا القرار مثل ردة فعل اليهود، ففي بعض المقاطعات تم قبول هذا الأمر، على عكس يهوذا، ويبدو ان الهدف من اعلان هذا القرار وتطبيقه بين المقاطعات ، ما هو الا محاولة من الحكام الرومان بإيجاد مجتمع واحد، فروما بعد توسعاتها الكبيرة، تمكنت من السيطرة على مجتمعات مختلفة( ).

سرعان ما انتشر الغضب بين الأوساط اليهودية بسبب هذه الألواح التي صمم بيلاطس على تعليقها في شوارع يهوذا و، محاولاً بذلك كسر شوكة اليهود، الا ان ذلك لم يتحقق ، فقد أبى جميع اليهود الأمتثال لهذا القرار، ولم يقتصر الأمر على اليهود فقط، بل انضم اليهم الأمراء الهيروديين ووقفوا إلى جانبهم ضد قرارات بيلاطس التعسفية عندما رأوا تصميم بيلاطس على المضي في قراراته( )، فقاموا بتهديده بتقديم الشكاوي الى الإمبراطور، مستغلين بذلك طيب العلاقة التي تجمعه مع يهود فلسطين، الا ان بيلاطس لم يهمه الأمر، وأظهر عدم المبالاة لهم، فطالبوه بإظهار المرسوم الذي أصدره تيبيريوس والذي يدعو فيه إلى عبادته الا انه رفض، ولذلك؛ شكى اليهود وضعهم إلى الإمبراطور واخبروه بما يقوم به بيلاطس من انتهاك لحرمة دينهم ومقدساتهم، لذلك؛ فكر تيبيريوس في الأمر فرأى ان هذا لا يجدي نفعاً ولم يؤدِ إلى نتيجة، لذلك؛ أصدر اوامره إلى بيلاطس بإزالة الرموز الوثنية بالكامل من اورشليم، ونقلها إلى العاصمة قيصرية( ).

على الرغم من الإخفاق الذي مّني به بيلاطس البنطي، الا انه بقي يتحين الفرص للتخلص من اليهود، لذلك؛ بدأ بمراقبة الأحداث عن كثب منتظراً الفرصة المناسبة من أجل خوض جولة جديدة ضدهم ، وفعلاً جاءته هذه الفرصة عندما تعهدت الجاليات اليهودية المنتشرة في عدد من المناطق بإرسال بعض الأموال من أجل انفاقها على المعبد، وممارسة بعض الطقوس الدينية وتقديم القرابين، فقرر الاستحواذ على هذه الأموال، وانفاقها على المعبد الوثني في قيصرية، مما اثار غضبهم واعلان تمردهم ضد تصرفاته الداعية إلى اغتصاب اموالهم( ).

عندما أدرك سكان يهوذا بأن الأمر لن ينفع الا بالقضاء على بيلاطس، فقاموا باستعمال المكر والخديعة من أجل رده عما يفعله بحقهم ، فعندما قدم بيلاطس إلى المنطقة انقض عليه عدد كبير من اليهود، واعتدوا عليه بالضرب، وبذلك كان هذا بمثابة رسالة من اليهود بينوا فيها قدرتهم على قتله، الا انهم لم تكن لديهم الرغبة في اثارة غضب الإمبراطور الروماني( ).

صمم بيلاطس على الانتقام من اليهود على موقفهم الأخير تجاهه، لذلك؛ قام باختيار عدد من الجنود ، ودسهم بين الحشود اليهودية التي كانت منتشرة في المنطقة بعد ان البسهم ملابس يهودية حتى يصعب معرفتهم، وبعد ساعات من ذلك انقض هؤلاء على المجتمعين اليهود، فأستمر الجانبان في الاقتتال حتى وقع عدد كبير منهم بالقرب من برج سيلوام( )، لذلك عدّ هذا الأمر نصراً لبيلاطس، ولاسيما ان الحادث أدى إلى مقتل عدد كبير من اليهود( ).

وفي اثناء هذه المعاناة اليهودية، وما ترتب عليها من سوء العلاقة بينهم وبين بيلاطس، ظهرت شخصية ذات اهمية كبيرة تمثلت بـ(يسوع) ( )، والذي سرعان ما ذاع صيته بين الناس، ( رجل حكيم اسمه يسوع ان كان جائزاً ان يدعى انساناً ، وكان صانعاً عجائب كثيرة ومعلماً للذين ارادوا يتعلموا الحق وكان له تلاميذ كثيرين من اليهود والامم)( ) ، فكان يحمل رسالة دينية جديدة، مما أدى إلى قلق المجتمعات اليهودية على اختلاف فئاتها، كونها من المحتمل ان تهدد التعاليم المتعارف عليها منذ القدم، لذلك؛ قرر بعضهم تقديم يسوع إلى المحاكمة من أجل التخلص منه، الا ان مخططهم فشل، والسبب في ذلك يعود إلى رفض القاضي الروماني النظر في مثل هذه المسائل( ).

وسرعان ما لفقوا له بعض الاتهامات من خلال اسباغ دعوته وتعاليمه بالطابع السياسي، اذ ان السيد المسيح قد اضاف الى الشريعة اليهودية امره الى الناس بأن يحيوا حياة عادلة مليئة بالرأفة والبساطة ، وزادة صرامة في موضوع الزواج والطلاق ، فضلاً عن ذلك رفض الشروط الموضوعة على الطعام والطهارة ، وحذف بعض اوقات الصوم ، واعاد الدين من المراسم والطقوس الى الصلاة والاستقامة والجهر بالصلاة والتظاهر بالصدقات ، وكان مبدأ العفو عن الخطايا والتحدث باسم الاله من أكثر الاسباب التي زادت من غضب اليهود عليه ، لذلك عدوا اعماله قوة سياسية تدعوا الى الثورة ، فضلاً عن خشيتهم من سطوة بيلاطس واتهامهم في التحلل من تبعات الدين ليحافظوا بذلك على النظام الاجتماعي( ).

ونتيجة لهذه الاسباب عمل الرومان على حث السلطة الرومانية إلى الوقوف بوجهه ومحاكمته ، كونه يشكل تهديداً كبيراً على الإمبراطورية الرومانية، مستغلين مسألة حلول عيد الفصح، وتواجد بيلاطس في المنطقة من أجل تثبيت الأمن، وتنظيم سير الزائرين، وفي هذه المرحلة التقت مصالح بيلاطس مع طلبات اليهود الداعية إلى محاكمة يسوع، ولاسيما ان الأخير بدأ يشكّل خطراً على حكم بيلاطس في اورشليم، لذلك؛ اصر هو الأخر على محاكمته ، فضلاً عن ظنه ان يسوع ربما تؤدي إلى توحيد صفوف اليهود وجمع كلمتهم مما يهدد السياسة الرومانية في المنطقة( ) علماً الجنود الرومان هم من نفذ  قرار صلب السيد المسيح().

بعد وقوع حادثة يسوع استاءت الأوساط في اورشليم كثيراً، ونتيجة لذلك؛ قرر الإمبراطور التخلص من بيلاطس، فقام بإعلان عزله عن مهامه في مدينة يهوذا فقط، وعلى الرغم من تنحيته، الا ان جريمته بحق يسوع لم تنسَ وبقيت مرتبطة باسمه( ).

يشير شلبي كان هجوم عيسى ( عليه السلام ) على اليهود أهم سبب ادى الى محاكمته والحكم عليه بالاعدام( ) ، فقد ورد في سفر متي أن رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب اجتمعوا في دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا وتشاوروا من اجل الامساك بيسوع بمكر ويقتلوه ( ).

ومن اجل احقاق الحق وانصافاً للإمبراطور تيبريوس ، لا سيما اتهام المسيحين له ولحكمه وبأنه قصر في حق المسيح ، ولم يفعل شيئاً من اجل انقاذه من اليهود ، اذ يشير السعدي ( فأننا لا يمكننا ان نحمل الإمبراطور هذا الوزر ، لأنه في الغالب لم يعرف شيئاً مؤكداً عن حقيقة المسيح ، وعلى اكثر تقديراً ، فأنه ان عرف شيئاً فمن المؤكد كان ذلك مشوهاً على ان المسيح عدو للديانة الرومانية ، وبالتالي كان رد الفعل التجاهل التام من قبل روما ، ولكن الحقيقة الثابتة حتى الان، هو اننا لا نملك أي دليل من أي نوع لاتهام الإمبراطور شخصياً بالقصور او حتى لتبرأته من المساهمة في عمل ما ضد المسيح واخفاء مثل هذا الدليل عن عمد وقصد ) ( ).

لذلك يمكن القول ان صلب المسيح او المسيح نفسه كان ضحية القدر نتيجة المؤامراته اليهودية وطموح الحاكم الروماني انذاك .


  • 1

   نشر في 07 غشت 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا