رســـالـــة من شــبــح الى الــمـديــر العـام لــمــنــظــمــة الــصـحــة العــالمــيــة ( مخــــــتــــــوم بالشــــــمــــــع الأحــــمـــر ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رســـالـــة من شــبــح الى الــمـديــر العـام لــمــنــظــمــة الــصـحــة العــالمــيــة ( مخــــــتــــــوم بالشــــــمــــــع الأحــــمـــر )

الموضوع: الإعلان الرسمي عن انتهاء جائحة كوفيد ١٩

  نشر في 11 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

في سلسلة الرسائل المختومة بالشمع الأحمر، توجه شخصية مهمة رسالة خيالية و سرية للغاية الى شخصية أخرى، بخصوص موضوع حيوي و طارئ لا يقبل التأجيل، إلا أنني و لحسن الحظ عثرت على نسخة من الرسالة، و لأنكم أصدقائي، فقد قررت مشاركتكم بمحتوياتها، شرط ان تكتموا السر ...


في تمام الساعة الثامنة صباحا، دخل " تيدروس أدهانوم جيبريسيوس " – المدير العام لمنظمة الصحة العالمية – الى مكتبه الفاخر في مقر المنظمة الرئيسي في مدينة جنيف السويسرية. لقد كان يومه بالأمس حافلا، فقد تم الإعلان في مؤتمر صحفي تاريخي عن انتهاء كوفيد – ١٩ كجائحة طارئة على المستوى الدولي. لقد انتهى هذا الوباء اللعين أخيرا! جلس المدير على كرسيه الجلدي الوثير باسترخاء الفائز في انتظار سكرتيرة مكتبه و فريق مساعديه لكي يحضروا له جدول أعماله اليومي. و بينما كان يستمتع برشفة من قهوته السوداء الساخنة، لفت نظره مغلف بريدي غريب على مكتبه لم يكن موجودا بالأمس عندما غادر. أمسك المدير بالمغلف و راح يتفحصه، كان مغلفا كلاسيكياً جميلاً ناصع البياض بلا طوابع و لا عنوان استرجاع، و في الصدر من جهته الأمامية لمَعَ ختم شمعي أحمر برمز عربي غريب لم يتبينه، و على الجهة الخلفية كانت العبارة التالية: ( سري جداً: لعيني المدير العام فقط ). تملك الفضول المدير و هو يمسك بالمظروف بين يديه، فمهما كانت محتوياته، فهي موجهة له شخصيا بكل وضوح، و لم يكن ذلك من الغرابة في شيء، فهذا مكتبٌ تعود على استقبال الآلاف و الآلاف من الطرود و الرسائل على مدار السنة. الا ان ما كان غريباً فعلاً هو ان يَصِلَ ظرف بريدي مثير للريبة الى طاولة أهم و أرفع مسئول صحي دولي على مستوي العالم، بلا طوابع و لا حتى عنوان استرجاع، و هو ما يعتبر خرقا امنياً خطيراً و نادراً للغاية، فالكل يعرف ان المدير ممنوع من ان يلمس أي طرد بريدي بمفرده. الأسوأ من ذلك ان المدير كان أول الواصلين اليوم، فلا السكرتيرة و لا مساعده الشخصي قد وصلا بعد. من حمل هذا الظرف الى هنا اذاً؟ و كيف دخل الى المكتب و المفاتيح لا يملكها الا المدير نفسه و سكرتيرته فقط؟ استيقظت فجأة حاسة البقاء عند المسؤول الدولي الرفيع، و بدأ ينتبه الى عدة أشياء غريبة لاحظها فعلاً في مكتبه اليوم بالذات. فمنذ لحظة وصوله، أحس انه لم يكن وحيداً، كأن أحدهم قد سبقه بالوصول، هو ذلك الشعور البدائي و الفعال للغاية الذي ينذرنا دوماً اذا كنا في مكان مأهول بأحدٍ أو بشيءٍ ما. و بما أن الأدرينالين بدأ بشحذ تركيزه، فقد انتبه المدير أيضا الى أمرين آخرين: الأول هو ان مكتبه كان بارداً جداً هذا الصباح ... حتى بمعايير جنيف المعروفة. و الثاني هو هذه الرائحة المسكية النفاذة و الخافتة التي ميزها بوضوح في الهواء. شيء ما لم يكن طبيعياً. قد يحتوي هذا المظروف على أي شيء، كل الاحتمالات كانت واردة، لكن الاحتمال الأكيد بينها كان واحدا: لم يكن المدير ينوي ترك هذا المظروف هنا حتى يصل الفريق الأمني. و بعد ان تأكد من خلو مكتبه تماما، أخذ رشفة أخيرة من قهوته و فض الختم الشمعي بهدوء. لم يحصل شيء. استخرج من المظروف رسالة مكتوبة على ورق إيطالي كريمي فاخر. انتشرت رائحة المسك الآن في كل أرجاء المكتب. فتح المدير الرسالة و بدأ بالقراءة:



١٠/٥/٢٠٢٣

المُرسِل: ( الحسين بن عبدالله، المعروف بابن سينا )

المٌرسَل إليه: د. تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية

الموضوع: إعلان انتهاء جائحة كوفيد - ١٩



عزيزي تيدروس

تحية طيبة و بعد،

أتمنى أنك على ما يرام و ان جنيف الحبيبة تعاملكم و اسرتكم الكريمة بأحسن ما يمكن. يبدو ان أوروبا سوف تبدأ أخيرا بتذوق فصول صيفٍ كاملة الدسم من العيار الذي تعودنا عليه نحن. لقد رأيت قبل أيام قليلة اعلانك الرائع عن نهاية جائحة كوفيد – ١٩، و أخيرا انتهى ذلك الكابوس! آآآه كم بَدَوتَ متألقا و قويَّاً في المؤتمر الصحفي يا تيدروس، حتى ليتخيل للسامع انكم و منظمتكم الموقرة قد لعبتم دوراً حقيقياً في خروج العالم منتصراً من معركته مع كوفيد اللعين. و لكننا ( أنا و أنت ) نعلم الحقيقة المُرَّةَ جيدا يا صديقي. لا يدري المرء ما هي ردة الفعل المناسبة عندما يراك تجلس تحت الأضواء الساطعة في مؤتمر دولي برَّاق، و ابتسامتك الديبلوماسية المحترفة تكاد تعمي أعين الحضور، تُصرِّح بمعلومة هنا، و تصحح أخرى هناك، و تدخل في نقاشات طبية – افلاطونية لا تنتهي بكل اللغات مع مراسلي كبريات وكالات الأنباء العالمية. بين البدلات الحريرية الفاخرة و الفساتين الرشيقة اللامعة و موائد نيويورك و لندن و باريس التي لا تنتهي، نسيت يا عزيزي تيدروس الموضوع الأساسي الذي قامت من أجله هذه الحملة الإعلامية، و التي أحييك على أدائك المتميز جدا فيها للأمانة. لقد أبهرت العالم كله، حتى أولئك الذين يعلمون جيدا كيف استجابت منظمة الصحة العالمية لوباء كوفيد. اذاً اسمح لي هنا يا تيدروس ان أستنتج ان موضوعنا هو نجاح العالم في العبور من بين براثن فيروس كوفيد – ١٩ البغيض، و لست أدري ان كانت أي كلمة في العبارة السابقة صحيحةً حتى. انا أعرف ان معاييرك الصارمة لتعريف النجاح أعلى من هذا بكثير، فلا تتواضع رجاء. أظنك تشاركني الرأي في أننا ( نحن معشر العاملين في القطاع الصحي ) لم ننجح في تجاوز الوباء بحنكة و ذكاء، لقد اصطدمنا به اصطداماً مباشراً و بأعلى سرعة ممكنة، و لا زلنا لم نبدأ حتى بمعاينة الأضرار. أنا أدرك جيدا ان غُرَف الإنعاش المكتظة بالمرضى، و التي تعلو فيها أصوات الإنذار من أجهزة التنفس الاصطناعي، و تفوح منها روائح الرطوبة و المطهرات المركزة و أشياء أخرى كريهة جداً لا أريد حتى ذكرها لك الآن، أقول اني أعرف ان هذه الصورة لا تصلح يا تيدروس للنقاش و التمحيص في مجالسك الراقية. و أعرف أيضا غرف الطوارئ و الإنعاش و العمليات، و أقسام الأمراض الباطنية و الأطفال و الجراحة و وحدات غسيل الكلى و مساندة الأطفال الخُدَّجْ و مراكز التطعيم و الرعاية الصحية الأولية و المستشفيات الميدانية، كلها كانت ميدان الحرب الحقيقية ضد كوفيد يا تيدروس، و الجنود الشجعان ( رجالاً و نساءً ، كباراً و صغاراً ) هم الأبطال الحقيقيون الذين ضحوا بكل شيء و بلا أدنى مبالغة، لإنقاذ أي شيء يمكن إنقاذه و لو كانت حياة مريض واحد. اسألهم عما مروا به يا تيدروس، ليخبروك كيف أنهك الوقوف لساعات طوال أرجلهم، و كيف مزقت الأقنعة الواقية وجوههم، يفكر الرجل منهم ألف مرة قبل ان يزور والديه، و تحسب الأم فيهم ألف حساب قبل ان تحتضن ابنتها. أتعرف عمن أتحدث يا تيدروس؟ أتحدث عن الأطباء بكل مراحل تخصصهم من الاستشاري الخبير الى الطالب الصغير، و الممرضين و الممرضات، و فنيي العناية المركزة و الأشعة و غسيل الكلى و التخدير و الصيادلة و المضمِّدين و سائقي سيارات الإسعاف و المتبرعين في مراكز التطعيم و رجال الشرطة و الجيش و المعلمين و غيرهم كثير ...  هؤلاء يا تيدروس هم الأبطال الحقيقيون أصحاب الإنجاز الذي بدا حينها للكثيرين ( و أنا منهم ) مستحيلاً، و لا أظن أياً منهم قد خول منظمتكم الموقرة متمثلة في شخصكم الكريم لكي تخرج في مؤتمر باهر و تعلن عن انتصار عظيم دفع غيرك ثمنه غاليا يا تيدروس. ربما كان الأجدر بك ان تترك الموضوع برمته حتى ينساه او يتناساه الناس بعد حين. حتى أنا الذي رحلت عن عالمكم قبل مئات السنين أعرف ذلك. أتعرف أسوأ ما نجح كوفيد في فعله بالناس يا تيدروس؟ لقد زرع فيهم هذا الفيروس السادي احساساً دائما بالخوف، من أي شيء و كل شيء. و لأنني طبيب يشهد العالم كله له بالتمكن، و رغم اني لم أعاصرك يا تيدروس، لكنني أزعم أني أعرف شيئاً أو اثنين عن ما يتطلبه علاج المرضى عموما. دعني أخبرك عن الضرر الحقيقي الذي لحق بالمنظومة الصحية حول العالم. لقد أدَّى تعامل منظمتكم الموقرة مع الجائحة الى خسارة العاملين الصحيين للكثير من الاحترام الذي كان الناس يكنونه لهم. توقف الناس عن أخذ نصائح المحترفين الطبيين بجدية، و التفتوا بدلا من ذلك الى الأفَّاقين و الدجالين و الكذابين على وسائل التواصل الاجتماعي، و هؤلاء كثيرون يا تيدروس ... كثيرون جدا. لم يعد لكلام الطبيب أي قيمة. لم تعد لنصائح الممرضة أي جدوى. أكاد أقسم يا تيدروس ان الناس و بعد ما رأوه منا اثناء الجائحة، لو استطاع الواحد منهم علاج نفسه و أطفاله لما زار طبيباً لبقية حياته. و هل نستطع ان نلومهم على ذلك؟ فنحن أنفسنا ما زلنا الى الان لا نعرف كوفيد – ١٩ ، على الأقل ليس بنفس الجودة التي أثبت هو انه يعرفنا بها بطبيعة الحال. أتعرف يا تيدروس ان هناك من يرفض تلقي اللقاحات الى يومنا هذا؟ و ما الذي نعرفه نحن أصلا عن لقاحات كوفيد؟ فعدا عن ان اللقاح يحمي من الوفاة بسبب المرض( و هذا أقل ما يمكن ان نتوقعه من اللقاح بطبيعة الحال )، لا يبدوا اننا نعرف يقينا أي شيء آخر. و بعد ان كانت جرعتان من المصل السحري تكفي للحماية من شبح الوباء، اقترحنا بخجل جرعة ثالثة، بل إننا تجرأنا و اقترحنا الرابعة! و الى هذه اللحظة، لا يستطيع أحد ان يخبرنا عن مضاعفات هذه اللقاحات التي طورت بسرعة خارقة و كلفت مليارات الدولارات، و لا حتى أنت يا تيدروس. لا تُسِئ فهمي يا صديقي، فإعلانك كان لحظة تاريخية فارقة انتظرتها لأكثر من ثلاث سنوات. أُريد أن أركض بأقصى قوتي و أطوف على كافة الأقسام التي شهدت المعارك الطاحنة ضد كوفيد – ١٩ لكي أُبَشِّرَ الجميع. أريد أن أصرخ بأعلى صوتي لكي يسمعني كل المرضى، لقد فرَّج الله عز و جل الكربة و كشف عنا الغمة. لقد انتهى وباء كوفيد أخيرا. انتهى الى غير رجعة. سيرمي الناس أقنعتهم الواقية بعيداً، سيمشون في الطرقات كالملوك، يحيون أصدقائهم و يمازحونهم، يتحادثون و يمرحون و يضحكون ملئ أشداقهم. سيخرجون للتنزه مع عوائلهم، سيلثمون أيادي آبائهم و أمهاتهم، و سينظرون للمستقبل بعيون تفيض بالسعادة و الأمل. مستقبل لا يوجد فيه كوفيد – ١٩. أتعلم ما هي المشكلة في كل ما ذكرته يا تيدروس؟ المشكلة الوحيدة تكمن في ان الحياة كالعادة عثرت على طريقها بمفردها، فالناس قد بدأوا بالفعل في التعافي تلقائيا من آثار الفيروس المدمرة، دون الحاجة الى منظمتكم الموقرة لكي تصدر إعلانها الرسمي و تعطيهم الضوء الأخضر لفعل ذلك. هل تظن يا تيدروس و جاوبني بصراحة يا عزيزي، هل تظن انه بعد سقوط كل هؤلاء الملايين من الضحايا عالميا، و تسجيل خسائر مالية تقدر بتريليونات الدولارات، و أضرارٍ لن يمكن إصلاحها في قطاعات السياحة و النقل و المواصلات و التعليم و التجارة و الترفيه و الرياضة، و بعد أن انتشرت الامراض النفسية و العضوية بين الناجين، و بعد ان تفككت العائلات و انفطرت القلوب ... هل تظن بعد كل هذا يا تيدروس ان أحداً يهتم حقاً برأي منظمة الصحة العالمية؟

أعتقد أنك تعرف جيداً الإجابة عن هذا السؤال.

و رغم كل شيء يا تيدروس، و بعد كل شيء. أريد أن أهدي إعلان النصر هذا الى كل الأرواح الباسلة التي سقطت في معركتها مع هذا الوباء الجبان. كلهم بلا استثناء. و ليعلموا جميعا انهم حاربوا المرض بشجاعة الأسود، و واجهوا التحدي بأنفة الجبال، و دفعوا أغلى الأثمان في سبيل ذلك. رحمهم الله جميعاً و تقبل تضحياتهم. كلهم أحياء في قلوبنا و ذكرياتنا الى الأبد.

الى الأبد يا تيدروس ...




مع خالص تحياتي لك

أبو العلي.



   نشر في 11 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا