ارمينيا و الدولة الفرثية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ارمينيا و الدولة الفرثية

الامبراطور تيبيريوس

  نشر في 05 غشت 2023 .

كانت  أرمينيا تعد المشكلة الرئيسة في سياسة اوغسطس مع الولايات الشرقية  (الفرثية و الارمينية)(). 

تقع ارمينيا الى الشمال الشرقي من الاناضول ، تحدها من الغرب سلسلة جبال البونتيك ، وفي الشمال تجاورها بلاد جورجيا ، وتنفصل ارمينيا عن شواطئ بحر قزوين من الشرق ، اما حدودها الجنوبية فتجاوز سلسلة جبال طوروس وسهول الجزيرة والعراق ، وبهذا الشكل تؤلف ارمينيا قسماً من الهضبة الكبرى الممتدة من آسيا الصغرى وحتى ايران( ).

يؤدي موقع ارمينيا الجغرافي وطبيعة مناخها دوراً بارزاً في تحديد تاريخ وطبائع الشعب الذي يعيش فيها( ). فقد عرفت بحكم هذا الموقع في العديد من طرق التجارة الدولية التي ربطت بين تجارة الهند وبلاد فارس من جهة ، وبلاد ما بين النهرين وبلاد اليونان من جهة أخرى( )

كان قيام الدولة الارمنية وازدهارها سبب في زيادة النقمة الرومانية ، اذ ان روما لم ترض او تسمح بظهور قوة مزدهرة الى جانبها ، لما ينطوي عليه ذلك من تهديد لسيادتها ، لذلك لابد من حدوث اصطدام بين القوتين .

قاد تيبيريوس (Tiberius) حملة عسكرية إلى ارمينيا في عهد أوغسطس لتأييد المناصرين لروما ، بعد أن كانت هناك رغبة في عزل ملكها ارتاكسيس الثاني التابع للفرثيين ، و لغرض تنصيب أخيه تيكران ملكاً على ارمينيا بدلاً عنه ()، و الأخير هو ذاته الذي اقتاده الإمبراطور انطونيوس أسيراً مع أخيه وأبيهما ارتافاردس الثالث إلى مصر عام (34 ق.م) ، و قد عاش الامير تيكران منذ استيلاء الرومان على مصر عام (30ق.م)بروما لمدة عشر سنوات فتطبع بالطابع الروماني و صار مناصراً لروما ، و قد كان مرافقاً لتلك الحملة إلى ارمينيا ، فلما اقتربت القوات من ارمينيا ، ثار  انصار الرومان فيها  على ملكها ارتاكسيس الثاني وقتلوه ، فدخلها الامير الروماني تيبيريوس دون قتال ونصب على عرشها الامير الارمني المرافق له باسم تيكران الثالث (20-6ق.م) ، وقد اقر الصلح الذي عقده الملك الفرثي فرهاد الرابع مع الامبراطور اغسطس هذا الوضع الجديد في ارمينيا ( ).


وفي عام ( 16م) اصبح شاغراً بعد وفاة ملكها تيكران الخامس (Tigran V) ( 11- 16م) ( ) ، فتولاه وانون الاول عام(16م) بتأييد من الامبراطور تيبيريوس (Tiberius) (14-37م) ، الا انه لم يبق في ملوكيته الا مدة عام (16-17م) ( ) ، اذ ان الملك الفرثي اردوان الثالث ارسل الى الامبراطور تيبيريوس يهدده باعلان الحرب عليه اذا لم يبادر الى خلع وانون الاول ( ).

امام قوة هذا التهديد ولان الامبراطور تيبيريوس لم يكن مستعداً لخوض الحرب معه ، قرر ان يرسل الى ارمينيا عام 18م ابن اخيه جرمانيكوس ليقوي نفوذ ومركز الرومان فيها ، فتمكن الاخير من ان يستميل الارمن نحوه واستجاب لرغبتهم في ان يتولى عرشهم الامير زينو (Zeno) البنتي( )، بعد ان فر وانون الاول الى سوريا، وسمي بـ( ارتكسياس الثالث) (18-34م) ( ).

ولتجنب الخلاف مع الفرثيين وافق القائد الروماني جرمانيكوس على طلب الملك الفرثي اردوان الثالث مقابل الاعتراف بـ(ارتاكسيس الثالث ) ملكاً على ارمينيا تحت حماية الرومان ، ابعاد وانون الاول عن سوريا ، لان وجوده فيها حسب رأي الملك الفرثي يشكل خطراً عليه ، وبموافقة القائد جرمانكيوس على ذلك الطلب سادت السلام والهدوء بين الطرفين حتى عام 34م ( ).

اما عن وانون الاول فانه في عام 19م ترك سوريا متوجهاً الى كيليكيا الا انه قتل على مسافة قريبة منها في العام نفسها( ).

لم يكن من مصلحة الملك الفرثي اردوان الثالث ان يترك مقدرات ارمينيا بيد عدوه التقليدي ، ولذلك عمل خلال مدة السلام التي اتفق عليها مع القائد الروماني جرمانيكوس على تقوية نفوذه ومركزه في داخل دولته ( )، وينتظر الفرصة المناسبة للتدخل في شؤون ارمينيا ، وقد اتته تلك الفرصة عام (34م) ، اذ توفي الملك الارمني ارتاكسيس الثالث، فسارع اردوان الثالث الى دخولها واجلس على عرشها ابنه ارشاك الاول ( ).

اما الامبراطور فقد اظهر عدم اكتراثه للامر ، وتأكد للملك اردوان الثالث ان الامبراطور غير راغب في محاربته بسبب كبر سنه فشجعه ذلك لا على الاستيلاء على ارمينيا فحسب بل طالبه برد كنوز الملك الفرثي وانون الاول التي بقيت في كيليكيا بعد مقتله فيها ، وادعى انه خليفة كورش الاخميني وان حدود دولته يجب ان تعود الى ما كانت عليه في عهده – أي عهد كورش الاخميني، ويذكر انه ارسل اليه رسالة مهينة جاء فيها " اذا كنت رجل ميدان فاقبل بالحرب" ، ثم استعد لغزو كبدوكيا( ) .

رد الامبراطور تيبريوس على تصرفات اردوان الثالث تلك بحيلة سياسية باثارة المشاكل عليه من جهتين ،اذ شجع ملك ايبريا( Iberia) (كرجستان) ( ) فارسمانس الاول (Pharasmans I) (30-60م) على غزو ارمينيا والاستيلاء على عرشها ، وفي الوقت نفسه ارسل الى سوريا احد اولاد فرهاد الرابع الذين كانوا يعيشون في روما وهو الامير المسمى فرهاد ايضاً ليثير حرباً اهلية داخل الدولة الفرثية وذلك بادعائه باحقيته في العرش الفرثي ( ).

تمكن مثريداتس (Mithridates) شقيق الملك الايبري عام (35م) بعد معارك عدة من الاستيلاء على ارتكساستا عاصمة ارمينيا ، وقتل ملكها الفرثي ارشاك الاول والجلوس على عرشها (35-51م) ( ).

وقد اثار ذلك غضب الملك الفرثي اردوان الثالث فارسل ابنه الاخر ( ارد ) بجيش كبير الى ارمينيا للأخذ بثأر اخيه ، واسترجاع تاجها من مثريداتس ، ويبدو ان الملك الايبري فارسمان الاول قد احتاط لذلك الامر، واتخذ التدبيرات التي تصد الامير الفرثي ارد عن مقصده ، اذ عمد الى قطع خطوط التموين والامدادات العسكرية عن ارد ، وفتح ابواب القفقاس امام القبائل الاسكيثية للتدفق الى داخل ارمينيا ، فحاطت بجيش الامير الفرثي ارد وهزمته في العام نفسها( ).

وفي عام (36م) توجه الملك الفرثي اردوان الثالث على راس جيش كبير باتجاه ارمينيا الا انه اضطر الى الانسحاب عنها قبل ان يهاجمها ليدافع عن دولته

وحكومته ، وذلك لان حاكم سوريا الروماني فيتليوس (Vitellius) ومعه الامير الفرثي فرهاد وبتحريض من الامبراطور تيبريوس هدده بانه سيتوجه نحو نهر الفرات الحد الفاصل بين املاك الرومان والفرثيين ويهاجم العراق وبلاد فارس وسيجلس على العرش الفرثي الامير فرهاد ( ).

ويبدو ان انسحاب الملك اردوان الثالث من ارمينيا سبب له الكثير من لعداء داخل مملكته ، استغله حاكم سوريا الروماني فيتليوس فعمد الى استمالة كبار رجال المملكة بالمال وتحريضهم على خلعه ، وقد نجح في مسعاه ، فقد هرب الملك اردوان الثالث الى هيركانيا عام (36م) على اثر الثورة التي قامت ضده ، فدخل الامير الفرثي تيرداد (36-37م) ( ) طيسفون عاصمة الفرثيين ، ونصب نفسه ملكاً عليها باسم الملك تيرداد الثالث( ).

عمل تيرداد الثالث الى تعيين الكثير من الرومان في المناصب العليا والمهمة في المملكة ، مما أثار استياء كبار رجال المملكة من الفرثيين الذين فعاودوا الاتصال باردوان الثالث وشجعوه على مهاجمة طيسفون واسترجاع عرشه ، وفعلاً تمكن الأخير عام( 37م) وبمساعدة القبائل الاسكيثية في شرق بحر قزوين من مهاجمة طيسفون ، الأمر الذي دفع  تيرداد الثالث إلى تركها و التوجه مع أعوانه إلى سوريا().

أما  الأسباب التي دعت الملك الفرثي اردوان الثالث الى أن يعقد مع الامبراطور تيبريوس عام ( 37م )  صلحاً  فهي غير معروفة ، ذلك الصلح الذي تضمن اقرار الملك الفرثي اردوان الثالث بخروج ارمينيا من دائرة النفوذ الفرثي وعدم التدخل في شؤونها ، ولضمان تنفيذ ذلك اخذ الامبراطور تيبريوس احد اولاد الملك الفرثي اردوان الثالث كرهينة الى البلاط الروماني ( ).

لم يعش الامبراطور تيبريوس عقب ذلك الصلح الا فترة قصيرة ، وتولى عرش الامبراطورية من بعده غايوس( ) (Caius) (37-41م) الملقب بـ ( كاليجولا) ( )(Coligula)( ). 


  • 1

   نشر في 05 غشت 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا