الاتفاقيات السياسية وتحالفات الزواج (40- 37 ق.م)

- اتفاقية برنديزيوم Brundisium

عندما أصبح القائد أنطونيوس على علم بما حدث في إيطاليا التي تضائل نفوذه فيها فتوجه فورا إلى روما من أجل مواجهة أوكتافيوس، فعسكر بالقرب من ميناء برنديزي، بعد ان عزز موقفه عن طريق كسب تأييد سكتوس بومبي الذي يَعدهُ الشخص الوحيد المسيطر على بحار غرب ايطاليا، وحيال هذا الخطر الذي واجه أوكتافيوس قام ايضاً باستمالة سكتوس بومبي إلى جانبه عن طريق علاقة المصاهرة إذْ تزوج من سكربونيا احدى قريباته، وكانت الزوجة الثانية لأوكتافيوس بعد ان ترك كلوديا ابنة فوليفيا().

وبالعودة إلى مجريات الأحداث ما بين أوكتافيوس وأنطونيوس وصلت حد المواجهة إذْ أمر أوكتافيوس القائد اغريبا بحشد قواته عند برنديزي ورفض استقبال أنطونيوس، وهنا يظهر الدور الدبلوماسي لصديق ومساعد أوكتافيوس وهو غايوس ماكيناس الذي بذل جهوده في التوفيق بين الخصمين وكذلك مسألة رفض القوات لكلا القائدين في الاقتتال والتناحر بعد ان حاربوا معاً تحت لواء القائدين في فيلبي، فأضطر كلاهما إلى التوصل في أواخر سبتمبر عام 40 ق.م إلى اتفاق عرف باسم اتفاقية برنديزيوم Brundisium نسبة إلى مكان عقد الاتفاقية().

وبمقتضى هذه الاتفاقية أخذ أوكتافيوس ولايات اسبانيا وبلاد الغال وسردينيا والمانيا بينما أخذ أنطونيوس الولايات الرومانية في شرق البحر الادرياتيكي وأخذ لابيدوس أفريقيا()، أما سكتوس بومبي بقت صقلية Sicily() بحيازته، ولدعم هذه الاتفاقية تم حفل زواج أنطونيوس – الذي توفيت زوجته- بأوكتافيا اخت أوكتافيوس من أجل توطيد أواصر الصداقة بين الرجلين وضمان إستمرار الإتفاق، وسكت عملة عليها صورة لأنطونيوس وزوجته أوكتافيا().

وقد خلد الشاعر فرجيل Virgil()، هذا الحدث الهام في قصيدة مشهورة إذْ قال: "ان زمن الحرب قد ولى وابتدأ العهد الذهبي بالازدهار"()، إذْ عُدَ هذا الحدث بداية للعصر الذهبي الجديد().

- اتفاقية ميسنيوم Misenum:

لم تجلب اتفاقية برنديزيوم السلام لإيطاليا، وذلك لعدم استرضاء سكتوس بومبي بموجب الاتفاقية، فأخذ يوسع سيطرته على البحار وسيطر على سردينيا Sardinia، وأخذ يهدد ايطاليا عن طريق اعاقته استيراد الحبوب وعانت ايطاليا من هذا الحصار, إذْ أدى ذلك إلى حدوث أزمة بالحبوب وظل هذا التصرف يهدد سكان روما بالموت جوعاً، الأمر الذي أضعف من شعبية الحكومة الثلاثية الثانية مما اضطر كل من أوكتافيوس وأنطونيوس إلى التفأوض والاتفاق مع سكتوس بومبي، ولم يلتجئ القائدان إلى محاربة سكتوس لعدم امتلاك أوكتافيوس اسطولاً بحرياً قوياً يقف بوجه قوة ابن بومبي التي اخذت تتزايد بمرور الأيام().

لذا اجتمع الثلاثة في تموز عام 39 ق.م في سفينة سكتوس التي كانت راسية في مسنيوم Misenum قرب بوتلي Puteoli شمال خليج نابل , وهناك تم ترتيب الاتفاق مع ما يأتي: وافق سكتوس على سحب قواته ورفع الحصار عن ايطاليا وكذلك أنهاء الهجمات والقرصنة التي يشنها بين الحين والأخر, وتأمين وصول السفن المحملة بالقمح سليمة إلى ايطاليا ويتعهد بعدم أيواء العبيد الفارين من جيشه(), في مقابل هذه الضمانات الاعتراف بسلطة سكتوس بومبي على شبه جزيرة البيلوبونس Peloponnese وولاية سردينيا وكورسكا Corsica وصقلية لمدة خمس سنوات، وان يرشح نفسه لمنصب القنصلية لعام 38 ق.م()، والعفو عن جميع الذين لجأوا إليه ما عدا الذين اشتركوا في التأمر على يوليوس قيصر، وان يحصلوا على تعويض ربع ممتلكاتهم التي تم الاستيلاء عليها، وكذلك حصول سكتوس بومبي على تعويض عن ممتلكات والده، من وجهة نظر أوكتافيوس كانت الاتفاقية سيئة، وذلك لأنها أعطت الكثير من السلطات لسكتوس بومبي على حسابه وعلى الرغم من ذلك انها حلت المشلكة بشكل فوري في تأمين وصول امدادات الحبوب إلى ايطاليا، وما أمام أوكتافيوس سوى الاستعداد لحرب مقبلة مع سكتوس بومبي والقضاء على قوته().

- اتفاقية تارنتوم Tarentum() .

أخذ أوكتافيوس الاستعداد من أجل الأطاحة بسكتوس بومبي الذي توسع على حساب مناطق نفوذه وهذا الأمر ليس بصالحه ولأبد من التخلص من قوة سكتوس في البحار، وطلق زوجته سكربونيا ولم يُعدَ تربطه معه بعلاقة ما وأكد أمر نبذه شروط معاهدة مسينيوم، وتزوج من ليفيا دروسيلا التي عادت مع زوجها بموجب المعاهدة ضمن العوائل التي كانت هاربة هناك وأراد أوكتافيوس من هذا الزواج تقوية صلته بإحدى الأسر الارستقراطرية الرومانية القديمة، والبعض يشير أنه قد أحبها وهذا هو سبب زواجه والدليل على ذلك هي الزوجة الأخيرة في حياته، ولربما كان هذا الزواج لهذين السببين().

فآلت الأمور إلى عدم إتمام اتفاقية ميسنيوم، بعد إن تمادى سكتوس بومبي في سيطرته ونفوذه بعودته من جديد لأعمال القرصنة، فأصبحت الاتفاقية بحكم الملغاة بعد ان أخذ أوكتافيوس يضع الخطط من أجل مواجهة اسطول سكتوس بومبي عند ميناء كوماي Cumae()، إذْ تمكن جند أوكتافيوس من الاطاحة بسفن سكتوس وتدمير قسم منها في معركة كوماي البحرية عام 38 ق.م. وعلى اثرها واصلت السفن مسيرتها إلى جزيرتي سردينيا وكورسيكا التي استسلمت لهم فأصبحت تحت سيطرة أوكتافيوس، لكن لم تسلم السفن من الظروف المناخية فافتقارهم للبراعة الملاحية وظروف الحرب البحرية أدت هذه الأمور إلى تدمير سفن أوكتافيوس، لذا أوعز إلى اغريبا مهمة بناء عدة أساطيل من أجل تعزيز الدفاع عن الجزر فبدأ ببناء اسطوله في ميناء كوماي للسيطرة على المداخل الشمالية بين الجزر وكذلك ميناء ميسينيوم للسيطرة على المدخل الجنوبي للساحل الغربي الايطالي()، وتمكن أغريبا في عامي 38 إلى 37 ق.م على تدريب الطواقم البحرية وأخذ أوكتافيوس يستعد من أجل شن الحملة على صقلية لكنهُ أدرك من المستحسن الحصول على دعم بحري أضافي من أجل توزيعه حول مينسيوم إلى اليونان().

إذْا كان أوكتافيوس بأمس الحاجة إلى أنطونيوس ومساعدته من أجل استتباب الامن في الغرب، وفي سبتمبر عام 37 ق.م التقى الاثنان في تارنتوم، وكان لرغبة أنطونيوس وحاجته لتجنيد قوات ذوي خبرة من ايطاليا من أجل استعداده للحملة على الفرثيين، هي التي دفعته للقاء أوكتافيوس وعقد اتفاقية ثنائية عرفت باتفاقية تارنتوم ، وكان لمساعي ودبلوماسية أوكتافيا الفضل في إتمام الاتفاقية على الرغم من ارتياب كلاهما من نوايا الأخر()، ونص الاتفاق على ما يأتي: وافق أنطونيوس على توفير 120 سفينة مع قاداتهم البحرية وكذلك التخلي عن تأييده لسكتوس بومبي وفي المقابل تعهد أوكتافيوس بارسال 200,000 من الفيالق المدربة للمشاركة في حملة أنطونيوس على الفرثيين، وكذلك قاموا بتمديد الحكومة لمدة خمس سنوات تنتهي في نهاية عام 33 ق.م، فأنتهت هذه المقابلة باتفاق ودي وعاد أنطونيوس إلى الشرق اما أوكتافيوس أخذ يستعد للمواجهة الأخيرة مع سكتوس بومبي