شطحات المنفى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

شطحات المنفى

الأدب المهاجر من كيبيك كندا

  نشر في 12 غشت 2018 .

شطحات المنفى
الأدب المهاجر من كيبيك كندا

.

بقلم: راشيل مورجنستيرن كلارين
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

عندما سألت الروائية كيم ثوي- المتحدرة من فيتنام والمستوطنة في كيبيك منذ ردح طويل من الزمن-لماذا تكتب بالفرنسية عوضاً عن الفيتنامية أو الإنكليزية أخبرتني هذه الحكاية

كانت ثوي وعائلتها من أفراد القوارب الذين حضروا إلى كيبيك عندما كانت في العاشرة من العمر. إنتهى بهم المطاف على متن أول باص للمهاجرين الفيتناميين الذي أوصلهم إلى بلدة صغيرة تدعى جرانبي في المدن الشرقية

قضت عائلتها الأشهر الأربعة السابقة في مخيم للاجئين في ماليزيا حيث كان الماء عزيزاً و قرصات البعوض والقمل والإسهال المزمن والالتهابات المرضية وفيرة

وبالرغم من هيئتهم الرثة، عندما وصل الباص إلى البلدة المدثرة بالثلج، اصطف جيرانهم الجدد ينتظرونهم مستقبلين ومعانقين

كان للطفهم اللامحدود وتقبلهم وتواصلهم الطبيعي أثراً مزلزلاً على الطفلة الصغيرة. وأصبحت بداية لحياتها الجديدة

تشرح ثوي” عندما أكتب بالفرنسية أسترجع تلك اللحظة مرة تلو أخرى”

في هذا الملف نعرض لأربعة كتاب هم روائيين معاصرين ولدوا خارج كندا ولكنهم ينشرون أعمالهم في كيبيك ويكتبون بالفرنسية لغتهم الثانية


ثوي من فيتنام. بان بويوكاس من أصل يوناني قدم من لبنان. ينج شين من الصين. سيرجيو كوكيس من البرازيل

وسيان هربوا من الحرب أو قدموا لاستكمال تعليمهم أو للبحث عن فرصة أفضل أنتهى بهم المطاف في كيبيك بالصدفة

مثلا ثوي نشأت وبنت حياتها وعملها هنا بينما انتقل آخرون مثل شين إلى منطقة أخرى. مع بقائهما مرتبطين بكيبيك بعرى اللغة الفرنسية

تساءلت عندما إنتقلت حديثاً من الولايات المتحدة إلى مونتريال ما الذي يعنيني ككاتبة مهاجرة في كيبيك عام 2017

ما هي تحديات وفرص الكتابة في بلد ثان ولغة ثانية؟ كيف تشكل المسافة الجغرافية واللغوية كيف يكتبون وما الذي يخبرونه عبر قصصهم؟ وكيف تتموضع الكتب المهئية في دول أجنبية ضمن منظور النشر في كيبيك المتمحور حول مونتريال؟

أصبح الكاتب والروائي العراقي-الكندي نعيم قطان،الذي ظهر كتابه الأول “وداعاً يا بابل” عام1975، شخصية محورية على نحو رجعي في ما أضحى اليوم “أدب المهجر”

غادر قطان موطنه مع احتدام التوتر بين القومية العربية واليهودية في العراق في أربعينات القرن الماضي إلى فرنسا ومن ثم إلى كندا حيث استقر في مونتريال عام 1954


بدأ بالنشر باللغة الفرنسية رغم تحدثه العربية بطلاقة ويقول قطان في مجموعة حواراته مع ولده ايمانويل في مجموعة “سجلات” الصادرة عام 2017:

“ أنا يهودي من بغداد وكاتب من كيبيك. أستطيع تأكيد يهوديتي دون المساس بثقافتي العربية. تسمح لي هذه الهوية الثقافية المتعددة بالإنتماء إلى الفرانكفونية, العالم الناطق بالفرنسية، وهذه حال أي كاتب أو فنان من كيبيك. فالفرانكفونية تفرد يفضي إلى العالمية.”

يعتبر أدب المهجر بحسب مؤلفي كتاب”تاريخ أدب كيبيك” جزءاً مكملاً من أدب كيبيك لإنه على الخصوص يشترك معه في العديد من الشواغل

التي تشمل النفي والتيه وتذبذب الهويات

والصراع بين الماضي التاريخي والذاكرة الفردية والإنتماء لأقلية

يشكل الناطقون بالفرنسية 82% من سكان كيبيك ولكنهم لا يمثلون سوى 22% من مجموع سكان كندا. ولذلك نجد كتاب كيبيك أغلبية وأقلية في الوقت ذاته- على أطراف الأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية وفي قلب ثقافتهم الأدبية المفعمة بالحياة

كما أن هوية كيبيك حديثة نسبياً. يضرب التاريخ الكندي الفرنسي بجذوره إلى بواكير القرن السابع عشر ولكن مفهوم”أدب كيبيك” المحرر من التأثير الأوربي ظاهرة من القرن العشرين


علمت أثناء حديثي مع كل من الكتاب الأربعة أن مجيئهم إلى كيبيك والكتابة بالفرنسية تم بالمصادفة إلى حد كبير-”شطحات منفى” بحسب تعبير كوكيس المولود في ريو دي جانيرو. بحث كوكيس عن ملاذ في فرنسا بعد الإنقلاب العسكري في البرازيل عام 1964 حيث أنهى دراساته في علم النفس في ستراسبورغ. واقترح عليه أحد الأصدقاء كيبيك كوجهة تالية ولذلك تقدم بطلب عمل إلى مشفى للأمراض النفسية في جاسبي التي وظفته أخصائي نفسي

يخبرني كوكيس”لو أعطاني صديقي عنوان مشفى في تورنتو أو فانكوفر لعملت بالإنجليزية وكتبت حتماً بالإنكليزية. “

لم يبدأ بالنشر والكتابة بالفرنسية حتى سن الخمسين عندما تعامل بواقعية مع وضعه: كانت الفرنسية هي اللغة التي يحياها ويعمل بها جل حياته ثم أصبحت لغة كتاباته

يتحدث كوكيس في قصته القصيرة” أحداث منارة إيفانجليستا” ضمن مجموعته الصادرة عام 2013 بعنوان”نهايات مسدودة” عن قبطان مسن في ماخور في بونتا اريناس في التشيلي وهو يروي حكاية مروعة

يتحدث عبر كؤوس البيسكو عن إرسال أربعة بحارة إلى أبعد منارة من المنارات السبعة المأهولة في أقصى جنوب البلاد لتحرير الطاقم الذي علق هناك على مدى أربعة أشهر. وحدهم على جزيرة نائية عرضة للطقس المريع حيث تتكشف أحداثاً مخيفة

عندما قرر والدي المراهق بويوكاس مغادرة لبنان في بداية الستينات وقع خيارهما على كيبيك بحيث يتمكن ولدهما من متابعة دراسته باللغة الفرنسية

وبما أنه لم يكن كاثوليكاً إضطر لمتابعة تعليمه مع بورد المدرسة البروتستانتية باللغة الإنكليزية. يتحدث اليونانية بطلاقة ولكنه لم يحاول الكتابة بها قط وكتب الروايات والأعمال الإذاعية والمسرحية بالفرنسية والإنكليزية. ويعتقد إنه يكتب عن الأمور ذاتها بالطريقة نفسها بكلا اللغتين.

تتابع رواية بويوكاس “ديك عابث” باسيليوس وهو روائي في أواسط العمر مختص بالجريمة ويحن إلى توجيه تخصصه الأدبي نحو شأن أكثر أصالة

بحثاً عن الإلهام يعود إلى جزيرة زارها كشاب فتي عندما دبج كتابه الأول الذي كان مجموعة شعرية

ولكن الإلهام الوحيد الذي قدمته الجزيرة،لسوء الحظ، كان قصصاً لرواية جريمة أخرى

يعاني باسيلوس من شعور بتسيب شخصي ومهني الذي يتفاقم من خلال التحري الخيالي من صنعه،ليفونيان،والذي يمتلك ضغائنه الخاصة. وبينما يحاول الكاتب وبطله التوافق على الأمور يستحوذ على باسيلوس سؤال يؤرقه- صياح الديك- هل هو صرخة لذة أم خوف؟ متعة بزوغ يوم جديد أم خشية الموت من النور؟

كان السؤال الأكبر بالنسبة لشين الكتابة أم لا بغض النظر عن لغة الكتابة

درست اللغة والأدب الفرنسي في شنغهاي بدافع الفضول المحض وأنتهى بها الأمر للعمل كمترجمة . رغبت برؤية الغرب ولكنها علمت صعوبة ذلك مع نهاية الحرب الباردة وقدمت إلى مونتريال بالصدفة حيث ساعدتها صديقتها باستكمال أوراقها. نالت عام 1991 شهادة ماجستير في الفنون من جامعة ماكجيل العريقة ونشرت عام 1992 روايتها الأولى “ذاكرة الماء”

كانت تحلم على الدوام بأن تصبح كاتبة صينية تكتب بالصينية بينما تعيش حياتها الطبيعية بالفرنسية. ولكنها تابعت الانغماس في حياة كيبيك- تزوجت وأنجبت وتملكت منزلاً وحديقة..الخ- وتابعت النشر بالفرنسية بفخر واعتزاز

إستلهمت روايتها”جراحات” من قصة نورماند بيتيون الحقيقية-وهو مخترع وجراح كندي دفعته إعتقاداته المناوئة للفاشية للذهاب أولاً إلى اسبانيا ومن ثم إلى الصين حيث قضى نحبه إثر عدوى دموية. كان وفياً لرمزية مثله الشيوعية للتضحية بالفرد من أجل المصلحة العامة دفعت ماو زيدونج لكتابة مقالة عنه بعد وفاته:”إحياءً لذكرى نورمان بيتيون”

يصبح بيم الثاني،وهو فتى محارب،أثناء إعادة تخيل شين لرحلته، مرافقاً ودليلاً لطبيب غربي مجهول الأسم أتى من بلاد كبيرة باردة إلى آسيا للتطوع كطبيب ميداني أثناء الحرب الثورية

تستعرض”جراحات” الثورة الصينية والدعاية والتوترات بين الفرد والجماعة و أمثولة البطل الرومانسي وتفاهة الغرب في “مساعدة” دول حكمت عليها بالأقل تطوراً

ترعرت ثوي في كيبيك وبذلك قضت سنوات مراهقتها وشبابها بصحبة اللغة الفرنسية. لم تحاول قط الكتابة بالفيتنامية حيث غادرت صغيرة قبل التمكن من اللغة كالفرنسية. ولكنها تعتقتد أنها تكتب بفرنسية متأثرة “بعقل فيتنامي”-إيقاع وصور لغتها الأولى

وتقول إن اللغة الفيتنامية تتطلب سلاسة أكبر وتفرض قيوداً أكثر. ولا تعتقد إنها كانت ستكتب رواياتها لو لم تكن كندية لإنها لن تتمتع بحرية الكتابة عن فيتنام الفيتنامية

تمثل رواية ثوي”في” قصة بلوغ الرشد التي تمازج بين عناصر من رحلة المؤلفة الملحمية من سايجون إلى مخيم للاجئين في ماليزيا إلى حياة جديدة في مونتريال

تهرب البطلة “في” والذي يعني اسمها الفريدة الصغيرة الدقيقة من البلاد مع والدتها وإخوتها الثلاثة الأكبر سناً خلال حرب فيتنام. تبدأ الرواية بتفاصيل مترفة عن حياة العائلة المرفهة في سايجون ثم تتابع الطفلة الصغيرة وهي تشق طريقها في مجتمع كيبيك حيث تدرس الترجمة ثم تصبح محامية مقتدرة ناجحة وتناور بين المنفى وإنكسار القلب

يتشارك الكتاب الأربعة بلغة وحيدة ولكن استخدامهم لتلك اللغة يتباين بشكل كبير. من أسلوب كوكيس المسترخي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر إلى نثر شين الحزين

ويحمل كل منهم جهراً أو خفية التأثيرات اللغوية والثقافية لأوطانهم ودمجها في فرنسيتهم

لقد منحتهم هذه الإبداعية والتمازج التي ترافقت بمقدرة فريدة في القص جمهوراً مخلصاً وجوائز أدبية كبيرة ومكانة لا تنكر في أدب كيبيك الحديث

المصدر:

Words without Borders

October 2017 issue


  • 1

   نشر في 12 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا