: مركز المعلومات .. عالم جديد
كانت ألمانيا و لا زالت تنخر قلبه ، كما ينخر مركب عملاق عباب موج متلاطم ، لم يكُ تعافى بعدُ من حب تلك البلاد التي أسرت قلبه ، حتى بعد أن أصبح أبا لطفل جميل ، لا يزال يحن إلى الطبيعة الخلابة هناك ، كما تحن الأفراخ إلى مواطن بيوضها .. خرج من المبنى رقم 12 متهلل الاسارير ، لم يكد قلبه ييتشبع فرحة ، و منىنفسه بعطلة صيفية قصيرة ، قضاها بالفعل إلى جانب ابنه و زوجته في شمال المغرب الأقصى ، و كان عليه كما أخبره السيد مهران أن ينتظر اتصالا من السيدة ستيلا من أجل اختبار قدراته في اللغة الألمانية ، و الحقيقة أن لغته الألمانية لا خوف عليها ، فهو يؤمن إيمانا راسخا ، أن من يحب شيئا يتقنه ، أو حتى يحاول إتقانه ، و هذا ما كان يربطه بهذه اللغة ، كان يحبها ، لأنها اللغة التي يتكلم بها أهل تلك البلاد ..
في صباح يوم صيف جميل ، استيقظ باكرا ، و خرج إلى مرسى مدينة المضيق الجميلة ، يمارس هوايته في التصوير ، يسبح خالق الجمال و الجبال الرواسي التي تزين مدن الشمال ، كان كل شيء يشدهنحو الجمال شيئا ، حتى الطفل الصغير ذو السابعة الذي جاء محاولا أن يبتاع منه شيئا من حلوى و مناديل ،كان الجمال الفواح يقطر من عينه كما يقطر الشهدُ من خلية نحل ، رأى في عينه الأمل كله ..
ـ مااسمك أيها الأستاذ .. قال يعقوب
ـ لا زلت صغيرا على هذا اللقب يا أستاذ ،عمري 7 سنوات
ـ بل أنت أستاذ كبير ، الأستاذ حقا هو من كافح فيحياته من اجل بلوغ مناه ، و أنت كما أرى ، تشتعل أملا و عملا ، العمل لا يشين يا حبيبي ، قال مربتا على شعره !
ـ شكرا أيها السيد ، أنت طيب حقا ، هل تبتاع مني شيئا ؟
ـ بل أعطيك ثمنه ، و احتفظ به !
ـكلا أيها السيد ، أنا لا أقبل الصدقة !
ـ لا ،ليست صدقة ، اعتبرها هدية مني، و تذكرني بها !
حملق به الطفل الرجل ، شكره ، و مضى .
كانت هذه المقابلة كفيلة بأن تدخل الفرحة الصباحية إلى قلبه ، و تقصف في آن بجمال هذه البلاد التي تأكل أفرادها واحدا واحدا ، لصالح إخوان قارون !
رن هاتفه أثناء تجواله في شاطئ البحر ، أشار هاتفه إلى رقم مخفي ، خمن مباشرةأنه من ألمانيا ، تملكه شيء منالإرتباك سرعان ما تغلب عليه ..
ـ صباح الخير ، قالت مخاطبته بألمانية فصيحة ..
ـ صباح الخير سيدتي ، أهلا و سهلا ،هل لي أن أتشرف بك ؟
ـ أسمي ستيلا ، كيف حالك اليوم أرجو أنتكون بخير ..
ـ أوه سيدة ستيلا ، أنا أنتظر مكالمتك منذ أسبوع ، الحمد لله أنا بخير ، و كيف حالك اليوم ؟
ـ أنا بخير ، كيف حال الطقس في المغرب ؟
ـ صيفي منعش ، أتمناه لكل من أحب !
ـ أوه جميل أنا أغبطك .. هل لي أن أتعرفك ؟
ـ طبعا ، اسمي يعقوب ، 35 سنة ، متزوج و أب لطفل جميل ، و أنا حاليا أشتغل في التجارة ..
ـ و ما الذي يجذبك إلى مركز المعلومات ، لتتخلى لصالحه عن تجارتك ؟
ـ أوه سيدة ستيلا .. أعتقد أنني سقطت في شراك هذه اللغة الألمانية ، و في جمال بلادكم ، و هذه من أهم الأسباب التي جعلتني أبحث عن وظيفة أستعمل فيها اللغة الألمانية يوميا
ـ أنت تتحدث اللغة الألمانية بطلاقة ، و هذا شيء مفرح ، أودفقط أنأطلعك علىالمهمة التي ستكون مسؤولا عن تنفيذها ، كما أخبرك السيد مهران ، فإن الوظيفة عبارة عن عميل في مركز المعلومات ، ستكون مسؤولا عن تصريف مشاكل الشركة التقنية و المساعدة في حلها ، باللغة الألمانية ، و باللغة الإنجليزية ، و ستتلقى اتصالات كثيرة ، طيلة النهار ، و هذا يتطلب ضبطا و تحكما في الأعصاب فهل ترى في نفسك هذه المؤهلات ؟
ـ أعتقد ذلك سيدة ستيلا ، و من يرد الوصول سيصل ، العلا لا ينال بالراحة كما يقول المثل الألماني !
ـ حسنا اعتقد ان هذا يكفي ، أنا جد سعيدة بتعرفك سيد مهدي ، امض عطلة سعيدة أيها الشاب ، و ستتلقى مكالمة قريبا من مسؤولة الموارد البشرية للتحدثفي التفاصيل و موعد إمضاء العقد !
ـ شكرا جزيلا سيدة ستيلا ، و أرجو أن أكون عند حسن ظنكم !
ـ مع السلامة !
تجاوزت المكالمة عتبة العشر دقائق ، حمد الله و سبحه ، و سجد شكرا ، و لكن شيئا ما في صدره كان يخبره بعدم الإرتياح ، شيئ كان أشبه بالخوف من عدم النجاحفي هذه المهمة ، و لكنه كان يعود ليتشبث بأمل الله ، يجره إيمانه و يقينه و حسن ظنه به جرا إليه ..
مرت الأيام القليلة من عطلته مرور البرق ، كما هي جل اللحظات السعيدة ، لا تمر إلا سريعة ، تأخذ منا كل ذكرياتنا و ترحل..
في مدينة الدار البيضاء ، تلقى مكالمة من مسؤولة الموارد البشرية ، كانت ذات صوت أنثوي مميز ، و خلال الحوار الذي دار بينهما ، تبين أنها ذات شخصية قوية ، صوتها كان يوحي بذلك ..
ـ صباح جميل قالت بلغة فرنسية ، هل أنت السيد يعقوب ؟
ـ نعم أنا هو صباح جميل ، و أصر علىالتحدث بالعربية الدارجة ، كيف حالك ؟
ـ الحمد لله ، أنا مسؤولة الموارد البشرية في الشركة ، أتحدث إليك من أجل تحديد موعد لإمضاء العقد ، و التحدث في التفاصيل ..
ـحسنا ، أنا تحت أمرك ..
ـ حسنا ما رأيك في يوم الخميس ؟
ـ جميل لا مانع لدي ،
ـ هل تعلم أين يقع مركز الشركة التي فيها ستشتغل ؟
ـ أعتقد أنه يوجد في سيدي معروف ؟؟
ـ كلا سيدي ، لن تشتغل في المكان الذي اجتزت فيه المقابلة ، مكان عملك سيكون في يعقوب المنصور .
ـ أوه حسنا ، جميل جدا
ـ حسنا أنتظرك يوم الخميس ..
كانت فرحته لا توصف ، عمل في مركز المدينة ، قريب من محل سكناه ، بالأجر الذي يتمناه ، ماذا يتمنى بعد هذا ؟
صباح الخميس قصد مقر عمله الجديد من أجل إمضاء العقد ، انتظر المصعد ، و قصدالطابق الخامس ، فتح باب المصعد على باب كبير ممغنط بجانبه على الحائط لوغو الشركة الكبير بالأحمر و الأسود على اليمين ، و على اليسار باب صغير يؤدي إلى مسجد صغير و مستوصف الشركة الصغير ، قصد الباب ، أشار إلى مضيفة الإستقبال بيده ، فتحت له ، كانت فتاة تقارب الثامنة و العشرين إذا لم يخنه حدثه ، بنظارات طبية ، تشي نظراتها بصمت طيب ، علم فيما بعد أن اسمها ابتسام حنين ألقى عليها التحيةو عرفها نفسه ، فأحالته على قسم الموارد البشرية ، شكرها ، ذهب إلى قسم الموارد البشرية ، طرق الباب ،فسمح له بالدخول ، كان القسم ، يحوي مكتبين ، الأول كان مقابلا للباب الرئيسي ، جلست خلفه فتاة قدر عمرها في الثانية و العشرين ،سمراء بشعر قصير ، علم فيمابعد ان اسمها إيمان ، إيمان إحساس ، و على اليساراستقر مكتب جلست خلفه فتاة قدرعمرها في الثلاثين ، سمراء تشي ابتسامتها ، أنها أقدم من إيمان هناك .. علم فيما بعد أن اسمها : أسماء بوبكري
رحبت به أسماء ، و ناولته العقد ، و طلبت منه أن يقرأه بتمهل ثم يأتي فيما بعد لإمضائه ، و الذهاب بعد ذلك كله لتصحيح إمضائه في إحدى المقاطعات ..
قرأ العقد في تمهل ، وجد فيه كل ما يتمناه ، و لم يتردد في إمضائه ، شكر أسماء ثم سألها عن موعد البدأ الفعليفي العمل ، فأخبرته أن العمل سيبدأ فعليا في الخامس عشر من غشت ، و أن العشرة أيام الأولى ستكون عبارة عن تدريب مدفوع الأجر ، ثم يكون بعدها البدأ في المشروع الألماني الجديد ! شكرها بصوت خجول ، وودعها ، ثم خرج عائدا أدراجه ..
الحلقة القادمة : السيد حُجة و السيد ملاحي .. رفقاء العمل الجدد
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة