لقد استطاعت الدول المتقدمة عــبور جميع المعوقات وحواجز التخلف التي كانت عليها، وذلك بفـضل علم الدراسات الاستشرافية الذي يطلق عليه أيضاً بعلم المستقبل أو الدراسات المستقبلية حيث أن هذا العلم هو علم قائمٌ بذاته، وبعكس الدول النامية التي لم تأخذ بهذا العلم وبالتالي لم تخطط لمستقبلها جيداً ولذلك ما زالت قابعةً بالماضي، ولكن الدول المتقدمة استفادت من الماضي ومن تجاربها السابقة بالتخطيط للمستقبل لذا فإن الدراسات الاستشرافية تعني بكل من الماضي والحاضر والمستقبل وهذا التخطيط للمستقبل لا يعتمد فقط على التخطيط العلمي أو المعرفي وإنما أيضا التخطيط الاستراتيجي الذي يطبق على أرض الواقع ولذا فإن الدراسات الاستشرافية له صلة وثيقة بالتخطيط الاستراتيجي، من المهم أن أشير هنا الى أن الدراسات الاستشرافية تقوم بالتعرف على احتمالات ما سوف يكون في المستقبل، أي أن نتائجها متعددة الاحتمالات مع محاولة ترجيح أي الاحتمالات أكبر واقعية دون أن تكون معنية بالوصول لنتيجة محددة، بينما يعنى التخطيط الإستراتيجي بتحديد هدف معين مسبقًا ومحاولة الوصول إليه، وبالتالي فإن الدراسات المستقبلية تساعد بشكل كبير في توجيه التخطيط الاستراتيجي، كما ان الدراسات الاستشرافية تتيح للمجتمعات إضفاء أبعادًا مستقبلية على منهجية التفكير والتخطيط، واتخاذ القرارات الرشيدة نحو مستقبل أفضل، وإذا أردنا لهذا المستقبل أن يكون أقرب ما يكون من تحقيق مصالحنا طبقًا لرؤانا الإستراتيجية، فلا بد لنا أن نصنع ذلك المستقبل بأنفسنا بعيداً عن الإرجاف وخطابات التخويف من المستقبل والنظر إليه بتشاؤم، ولذلك كان من المهم تفعيل دور هذا العلم العظيم الذي بسببه تقدمت الدول وظهرت الرؤى المستقبلية الناجحة في تطوير المجتمعات ومنها الرؤية العظيمة للملكة العربية السعودية وهي رؤية 2030 والذي يتضح لنا من الآن معالمها البارزة في التخطيط للمستقبل، ولذلك لابد من إنشاء مراكز مكثفة، ومؤسسات ذات جهود منظمة للدراسات الاستشرافية في بلادنا العربية، وإفراد تخصص مستقل يُعنى بالدراسات الاستشرافية ويقوم بتدريس مقرراته خبراء استشراف المستقبل، وإدخالها ضمن الدراسات الجامعية؛ لكي نستطيع أن نواجه تحديات المستقبل مسلحين بنفس الأدوات التي تلجأ إليها دول العالم المتقدم.