إدارة الازمات فن لا يتقنه الكثير ويفتقده كثير من القطاعات والجهات لدينا في التنبؤ بالأزمة قبل حدوثها وعدم القدرة على إيجاد الحلول المناسبة في لحظة حدوثها وكيفية الخروج منها.

حيث هذا الدور وهذا الفن لابد من توافره في جميع الدول العربية منذ سنين كثيره ولو كان هذا الدور فعال بشكل كبير كما نرى في الدول الاوربية وفي الولايات المتحدة الامريكية لما وجدنا الثورات العربية التي أطاحت بالنظم والسياسات أو ما يسمى بالربيع العربي وما حصلت تلك الانتكاسات الاقتصادية والسياسية.

في أكتوبر عام 1996 ميلادي كان هناك حادثة وقعت لشركة أمريكية تدعى *Odwalla* رائدة في صناعة العصائر والمنتجات الغذائية تحقق إيرادات سنوية تتجاوز 90 مليون دولار ، مسئولي الصحة في واشنطن أخبروا الشركة باكتشافهم علاقة بين حالات مرضية سببها بكتيريا سامة وبين منتج عصير خاص بالشركة المصنعة ، ومما زاد الكارثة وجود حالة وفاة لطفلة أمريكية و60 حالة مرضية ما بين أمريكا وكندا وأخبروا بوجود 20 قضية تم رفعها على الشركة مما سببت تلك الكارثة بنزول المبيعات إلى 90 % مما تفاقمت تلك الأزمة على الشركة ومن هنا تبدأ الرحلة إما صعود أو سقوط قاسي جداً .

الشيء المهم في تلك الحادثة بأن الشركة تحملت كامل المسئولية في ذلك، والرئيس التنفيذي خرج في وسائل الاعلام المختلفة آنذاك يعلن فيها تحمل كامل الشركة للحادثة وتحمل الشركة لكافة مصاريف علاج لأي مريض تسببت فيه الشركة وبالتوازي مع ذلك قرر الرئيس التنفيذي بسحب جميع منتجاهم من جميل المحلات في سبع ولايات مما سبب ذلك بتكلفة لا تقل عن 6 مليون دولار أمريكي، وأيضا وضح الرئيس التنفيذي أن ثقة وولاء العملاء هي رأس المال الحقيقي لهم.

لم يتم كتم التفاصيل عن الموظفين بل شاركهم جميع المعلومات التي تتعلق بالقضية بل أتاح الفرصة للجميع بطرح الأسئلة و الاقتراحات التي تخرجهم من تلك الأزمة ، ففي غضون 24 ساعة من وقوع الحادثة أنشأ موقع الكتروني لمشاركة الجمهور لأصغر التفاصيل لمتابعة القضية أولا بأول ومشاركة الجمهور جميع المعلومات والتفاصيل لكي يكسب ثقة العملاء وولائهم مرة أخرى ولم يقف الى هذا الحد فقط ، بل كون فريق متخصص أصبح به بعد شهر ونصف من أقوى أنظمة مراقبة الجودة والسلامة وذلك لمتابعة سياسة التصنيع لديهم وتحسين وتصليح الأخطاء السابقة .

الأزمة هذه لها أثر كبير على الشركة ومع ذلك لم تقم بتسريح موظف واحد بل حولت موظفي التوصيل لقسم العلاقات وخدمة العملاء مما أكسبهم ولاء الموظفين ويكونوا خير من يدافع عن الشركة أمام الجمهور والمجتمع وحتى لا يصيب سمعة الشركة أي اهتزاز في هذه النقطة.

قامت الشركة بدفع الغرامة التي تم فرضها عليها بقيمة مليون ونصف دولار منها ربع مليون كان لتمويل بحوث الوقاية من الأمراض وقامت بتسوية القضايا التي تم رفعها عليها بقيمة تتجاوز 12 مليون دولار ، كانت الشفافية واضحة أمام الجمهور ولم يتم تغييب أي معلومة عن الجمهور وذلك بمشاركتهم جميع التفاصيل وذلك اعتبروهم جزء لا يتجزأ من عائلة الشركة وبعد مرور سنة ونصف حصلت الشركة على لقب " أفضل اسم تجاري في خليج سان فرانسيسكو " من مجلة سان فرانسيسكو بعد أن توقع أكثر رجال الأعمال بسقوطها وبأنها لن تقوم لها قائمة ومع ذلك حققت أرقام قياسية بعد تلك الأزمة لم تكن تحققها سابقا وذلك فقط بسبب الشفافية مع الجمهور وكسب ثقتهم مرة أخرى ومشاركتهم لجميع الاحداث ليوصلوا رسالة واضحة لهم بأن جزء من هذه العائلة وجزء لا يتجزأ وركن رئيسي في نجاح الشركة .

الأزمات بكل أنواعها لها الدور الكبير في تاريخ الشعوب والمنظمات والمجتمعات سواء على صعيد الهدم والبناء والتخطيط السليم في التنبؤ لما لا قد يحدث وإيجاد الحلول في مواجهتها والتصدي لها بكل ثقة وشجاعة وبكل وضوح وشفافية فبعض الأحيان كلمة واحدة فقط تنهي الأزمة وبحركة بسيطة جداً تقتلعها من جذورها هو فن يدرس وعلم مهم جدا لجميعنا في كيفية إدارة تلك الأزمات التي تمر علينا ببيوتنا ومكان عملنا وفي مجتمعنا البسيط نحتاج الى من يؤصل هذا الفن في نماذج تعليمنا ومناهجنا لمواجهة تلك الصعاب والمشكلات.

الكاتب / رائد العرجي 

تويتر / r_d00@