قُل أنكَ أخطأت!
( ما بين فيلم "changeling"، وكلمات الحقّ )
نشر في 11 يونيو 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
"ولدٌ كان يمكن أن يبقى على قيد الحياة، بينما كنتَ أنتَ تُضيّع الوقت في نكران خطأك"!
"نكران الخطأ" ! نكران أن تقول أمام العالم أنكَ أخطأت .. أنّ هناك خللاً ما قُد أُرتكِب، أن (تعترف) على الملأ بأنّ ما فعلته لَم يكن الصواب! هذا هو تماماً ملخّص الفيلم الرّائع (Changeling)، فيلم يمثّل (قصة حقيقية) حدثت في أمريكا عام 1928م. بطلته سيّدة منفصلة عن زوجها (اسمها كريستين كولينز)، تسخّر حياتها في تربية طفلها "والتر كولينز" ذي الـ 9 سنوات، ولد كان "يرفضه" زوجها. سيدة مجتهدة وعملية، تعتني بابنها وتربيته وتهتم بأموره وتفاصيله. لكن في يومٍ يحصل بأن تُوعِد ابنها بالذهاب للسينما فيأتيها اتصال طاريء للذهاب للعمل ساعاتٍ إضافية وضرورية، يجعلها ذلك تؤجّل تنفيذ وعدها لطفلها، فتتركه وتغادر البيت، ثم ترجع ولا تجده!
الأمّ تفقد ابنها .. ويبدأ الصراع، تتواصل مع الشرطة حول فقدانه. فتُخبرها الشرطة بأنه لا يمكن لهم الشّروع في عمليات البحث عن ابنها الان! "الأطفال عادةً يرجعون!". هكذا وبكل بساطة، يُخبر قسم الشرطة الأمّ. لتجدّ نفسها أمام 24 ساعة ثم أيام وأيام، أسابيع تلو أسابيع ثم شهور .. ثم الأبد!
ما يحصل بأنّ مركز الشرطة بـِ (لوس أنجلوس) في فترتها كان من أسوأ المراكز فساداً وجُرماً وتعذيباً ونصباً وترهيباً واحتيالاً وعُنفاً. النقيب الفاسد "كابتن جونز" يرفض أن "يُحرجه" أحد سيما إبان الدعاية الإنتخابية لعمدة الولاية حينها! يرفض أن يضع أحد عمله موضع "الخطأ" أمام الملأ، أو التقليل من شأنه أو التطرق لحقيقة فساده وجُرمه وعنفه والظلم الشنيع في منظومته، لكن هاته السيدة فعلت!
بعد إبلاغ الشرطة عن فقدان الطفل، وبدء البحث عنه لمدة 5 شهور، تتواصل الشّرطة مع الأم في عملها، وتلتقي بها لتُخبرها بأنه تم العثور على ابنها! تنفرج الأم، ويفرح الجميع، حإلى أن جاءت اللحظة الحاسمة خلف حشد من "الصحافة" في انتظارها. تلتقي الأم بالطفل، لتصدم أنه (ليس ابنها!). إنه ليس ابني!!
يقف الكابتن جونز مُستنكراً ويحاول محاشاة الموقف، ليفرض عليها حقيقة أنه ابنها! وأنها قيد الصدمة لاأكثر! "عوامل نفسية" هي من جعلتها تُنكره. هكذا يبرر لها ردة فعلها! وقد كان حقيراً بما يكفي ليُحاول أن يُقنع أماً بالتعرّف على ولدها!
هذا المشهد استفزني للغاية، وهو يُذكّرني بعملي كمعلمة في مدرسة دولية خاصة. أدرّس فيه جمْعاً من أطفالٍ صغار لا تتجاوز أعمارهم الـ 7 سنوات. وحينما يحصل التباس ما بيني وبين كيفية التعامل مع طفلٍ ما، أمّه تتدخل. وقد تعلّمت ألا أجادِل أماً في طفلها في عديد من التفاصيل. إنها الأم!
نتابع الفيلم، تسأل السيدة "كولينز" الطفل عن اسمه وعنوانه فيجيب بنفس إجابات طفلها الحقيقي، تنصدم! ويفرض الكابتن جونز على الأم بأن تلتقط (أمام الصحافة والإعلام) صورةً لها مع هذا الطفل الذي تُنكره تماماً. وهي مازالت مكسورةً مندهشة مما حصل، تقف بصمتٍ غريب وقد اُلتقطت لها تلك الصورة أمام الملأ. ليعم أخبار رجوع الطفل لأحضان أمّه في جميع الصّحف مع مُبارَكة "الجهود الحثيثة" لرجال شرطة لوس أنجلوس والكابتن جونز.
يُؤخذ الطفل مع السيدة كولينز إلى البيت وهي في "كامل الإنكار" له. (إنه ليس ابني .. إنه ليس إبني!) .. تحاول أن تستوعب الصدمة، وتتأمل تفاصيله وتحرّكاته وكل شيء فيه. إنه ليس طفلها. أكله وشربه، طريقته في الطعام والكلام وكل شيء. تذهب لتقيس طوله فتجده (أقصر) من طول إبنها في آخر مرة قبل فقدانه مباشرةً! تزيد من المقارنات والتأمل .. إلى أن طلبت منه أن يذهب للاستحمام، حينها الطفل لَم يستطع الاستحمام لوحده في "البانيو" فيقع، ويصرخ، فتدخل عليه الحَمام وتكتشف أنه "مختون". طفلها لَم يكن كذلك! يُجنّ جنونها، وتذهب إلى قسم الشرطة مجدداً، وهي بكامل الإنفعال والغضب . "إنه ليس طفلي .. إنه ليس طفلي". مشيرةً إلى الفرق في "الطول والختان" ما بين طفلها والطفل الغريب عنها. يحاول الكابتن جونز بكامل الحماقات المستمرة ان يثبت لها "وبالمنطق" أنّ هذا طبيعي! فبالنسبة للطول فإن هذا نتيجة الصدمة وما تعرّض له الطفل من الخاطِف الحقير مما يؤدي إلى تقلّص في العمود الفقري وبالتالي طوله! وبالنسبة للختان فهذا واردٌ جداً من الخاطف، كما أنه أمرُ صحيّ.
تفقد الأم صوابها، ولا تقتنع بشيء، "إنه ليس ابني!". تتوسل إلى الشرطة بإعادة البحث عن ابنها، لا أكثر ! تُصرّ الشرطة حينها على أنه طفلها وتستمر في جرائم كذب وافتراء وإساءات وادعّاءات ضدها، إلى أن تتأزم الأمور أكثر فأكثر. تأخذ السيدة "كولينز" الطفل المنكَر إلى طبيب الأسنان الخاص بطفلها. فيكشف على أسنانه ويؤكّد على أنّ طفلها الحقيقي لَم يكن ما بين أسنانه "فراغات". بينما العكس عند هذا الطفل، وإن النسيج الخاص بالأسنان لا يمكن أن يجعل الأسنان هكذا إلا بعملية جراحية، وهذا الطفل لَم تُجرّ له أي عملية جراحية بأسنانه. مما يؤكد نُكران هذا الطفل، فتطلب من الطبيب كتابة شهادة خطيّة حول ذلك.
لا تقف الأمور عند هذا بل تأخذ الطفل إلى مدرسة ابنها الحقيقيّ، وتَعرضه على مُعلمته الخاصة أمام فصله. فتتفحصّه المعلمة، تقول للأم بأنها تشكّ بأن هذا هو تلميذها "والتر كولينز" فعلا. تسأله المعلمة عن اسمها، فيقول الطفل بأنه لا يذكر أياً من أسماء معلمّاته. تطلب منه المعلمة الجلوس في مقعده المحدد له طيلة فترة دراسته. فيذهب إلى المقعد غير الصحيح. تتتأكد المعلمة أنه ليس ابنها، و لن تكتفي بإعداد تقرير خطي، بل ستشهد في المحكمة. أو أمام (الرئيس) كوليدج عند الحاجة!
تحوّل الأمّ قضية ابنها المفقود للصحافة من جديد، مع كافة الأدلة التي لديها والشهود، مما يثير ضجةً إعلامية كبيرة ، والكثير من الاستياء حول مركز الشرطة والكابتن "جونز".
"قسم الشرطة لم يتحمّل الانقسامات ولا التناقضات، ولا حتى الإحراج!.. أنتِ تستطعين إحراجهم وهذا لا يروق لهم، سيفعلون كل ما بوسعهم للإساءةِ لسُمعتِك!" - هكذا أخبرها القِس والناشط السياسي الداعم لها، جوستاف.
يغضب الكابتن جونز أشد غضب، ويأمر بأخذ هذه السيدة التي قبلت بأن تأخذ صورا أمام الملأ كلهم مع "ابنها" الذي عثرت عليه الشرطة، ثمّ بعد ذلك تخرج للإعلام قائلة بأنه ليس هو! يأمر بأن تؤخذ إلى مصحّة الأمراض العقلية، وتتوالى الأحداث بشدة .. حتى يُكتشف المجرم الحقيقي الذي خطف ابنها ومجموعة أطفالٍ آخرين ويتم التعرّف على كثيرين. تتحول القضية لأعلى درجة من الرأي العام والحساسية. يتم إعدام القاتل بمشهدٍ عظيم. تقف الأم حائرة هل ابنها مقتول أم مازال حيا من ضمن مجموعة الأطفال المخطوفين والمقتولين. المجرم لا يجيب على سؤالها هذا ويتركها تعيش قهرها "للأبد" وشعورها يقول لها بأن ابنها، مازال حياً!
من ضمن الأحكام التي تُعلنها المحكمة" أخيراً .. إعادة الثقة بالشرطةِ للمواطنين لا يمكن أن يحصل إلا برحيل قائد الشرطة !
يُقضى بأمر هؤلاء "الفَسَدَة" جميعاً، وتستمر الأم باتّباع قلبها بأن ابنها مازال حياً، والمُضيّ قدماً!
:
:
{ الملخّص } :
** تعرّض حوالي 20 طفل للخطف والقتل، من بينهم 3 فقط فرّوا هاربين. من أجل أن يقوم مسؤول أحمق مريض، بنكران خطئه!
** نُكران الخطأ ليس وحده الذي قد يكون الجريمة فحسب، ففي جهة أخرى نُكران الصواب أيضاً جريمة!
** ضريبة "الشهادة بالحقّ" قد تُحيِي نفوساً .. لأبدِ الأبدين. أياً كان موقعك واسمك ومنصبك!
** كل شرطيّ/ كل مسؤول مُتعالٍ بفساده وتجبّره وظٌلمه ، ثِق تماماً بأنه لن يَدوم له فساده وظُلمه وفُحشه وحقارته .. مهما طال به الزمن أو قصُر. انتظِر حسابك، "كاملاً"!
انتهى
#يارا_العفيفي
yara.elafifi@gmail.com
-
Yara S. Alafifiفلسطينية الهوى والمنشأ، والمولِد الكائن بتاريخ 29 يناير للعام 1993م في قطاع غزة،، وإنّي أَطرقُ لـِ [الحرية] باب.. أو أحاول!