عشية أو ضحاها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عشية أو ضحاها

  نشر في 23 يناير 2022 .

عشية أو ضحاها

ما هي العلاقة التي تربطنا بالزمن؟

هل هي علاقة رياضية أم علاقة إدراك ؟

حين كنا صغارا كان اليوم يتكون من أربع وعشرون ساعة , والساعة من ستون دقيقة , والدقيقة من ستون ثانية , واليوم وبعد مرور عشرات السنين مازال اليوم يتكون من ذات التقسيمة المعروفة , كلنا يذكر حين كنا صغارا كان اليوم كافيا للكثير من الفعاليات الحياتية , ففي الصباح هناك المدرسة التي نشعر أن الفترة الصباحية لن تنتهي بسهولة , وبعد العودة للمنزل مازال هناك الكثير من الوقت للجري في أزقة الحارات واللعب بمختلف الألعاب المعروفة وقتها , حتى فترة ما بعد الظهر كانت كافية للسفر من مدينة لمدينة والعودة عند الغروب , لم نكن نهتم لعدد الساعات والدقائق والثواني ونحسبها , لن تدرك أجيال اليوم حقيقة إحساسنا بالوقت حين ذاك , كانت أعمارنا تتجدد كل يوم ونشعر برغبة الحياة وفورتها كل ساعة , كانت أزقة الحواري عبارة عن ساحات شعبية تحتوي على مختلف الأنشطة الحركية وحتى حلقات الحوارات واختلاط صياح الشباب بمختلف أعمارهم بين جدران البيوت البسيطة , كانت الساحات التي نراها شاسعة وقتها لم تبخل علينا بالشعور بأن هذه الأزقة هي فضاءات لا نهائية من ملكوت الله , كانت تلك البيوت الضيقة والغرف الصغيرة والأسطح المتقاربة والأزقة الملتوية تمنحنا أعمارا فوق أعمارنا , كنا نعيش الوقت كما نريد وليس كما هو , لم يكن يعنينا أن تمر الساعة تلو الساعة لينتهي يومنا بنومة هادئة على فراش واحد متلاصقين لنجد أوقاتا أخرى للعب والشجار والضحك قبل النوم وكأن تلك الأزقة لم تمنحنا ما يكفي من وقت لنحلق بعيدا عن مكونات الوقت وتسارع عقارب الساعات ليعلن عن نهاية ذلك اليوم .

اليوم وبعد أن كبرنا وفارقتنا تلك العوالم المدهشة لحوارينا القديمة , كبرت المساكن وتعددت الغرف واتسعت الأحياء وتباعد الجيران , وحل محلهم أناس لا نعرف عنها شيئا ولا يهتمون بنا بأي حال من الأحوال , لم تعد هناك أزقة وساحات ضيقة ننسى عبرها الزمن ومراقبة عقارب الساعة , واكتفينا بصناديق اسمنتية باردة ومقاعد وثيرة وأجهزة تواصل مختلفة , استعضنا عن الرفاق بالآلة , وأصبحنا نراقب عقارب الساعات وهي تمر سراعا وتطوي أيامنا ونحن نراقبها في دهشة وتساؤل , لماذا يمضي الوقت وكأننا نراه ساعة إثر ساعة ؟

لماذا تبدلت أوقاتنا الطويلة في تلك الحواري لهذه اللحظات العابرة بين جدران صناديقنا الإسمنتية ؟

قد لا يدرك جيل اليوم تلك المعاني وذلك الإحساس نحو الوقت الذي كنا نعيشه , البعض منا ينظر مذهولا وهو يسترجع في ذاكرته تلك الأزقة وذلك الضجيج وتلك الألعاب التي تتطلب قوة وخشونة وجرأة , وما يراه اليوم من حياة يعيشها أبناؤه بين جدران غرفهم وانحنائهم طوال الوقت فوق أجهزتهم الحديثة , تكاد طفولتهم أن تبهت سريعا دون الشعور بها , تطويهم الساعات والثواني والأيام دون أن يشاركوها فورة الطفولة والشباب والحياة , تسحب ظلها عليهم دون أن يأخذوا حقهم منها , ولكن هل يملكون غير ذلك ؟

تلك الحياة التي نذكرها هي مرحلة قد انتهت , لها طبيعتها وتحكمها ظروف زمنية متغيرة, ربما نشعر نحن بذلك الفرق , لأننا عشناه , ولكنهم اليوم هم أبناء زمنهم هذا , يعيشون بمعزل عن حقيقة الوقت رياضيا , ولكنهم ربما منسجمون معه وجدانيا , هكذا وجدوا عالمهم , وهكذا سيعيشونه , كما عشنا نحن تلك الأوقات بكل عوالمها المتعددة وأنشطتها ألا نهائية , وكما تعودنا على مشاركتهم هذه الحياة مجبورين وليس رغبة منا , فهذه التغييرات في حياة البشر لا مفر منها , وربما سيأتي الغد بما لا يمكن أن نتخيله , فتولد أجيال لا يتذكرون طفولتهم ولا مراهقتهم ولا شبابهم إلا عند شيخوختهم , وكأنهم لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها .


  • 3

   نشر في 23 يناير 2022 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا