مدخل إلي الأصولية الدينية
من إعداد : أحمد أحمد غانم
نشر في 21 شتنبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يمكن تعريف الأصولية الدينية الأصوليةّ ( Fundamentalism ) هي اصطلاح سياسي فكري مستحدثَ يحاول توصيف سلوكيات متنوعة بوصفها: «تمتلك نظرة متكاملة للحياة بكافةّ جوانبها: )السياسيةّ والاجتماعيةّ والاقتصاديةّ والثقافيةّ( وهي ناجمة عن قناعة متأصلِّة نابعة عن إيمان بفكرة أو منظومة قناعات، تكون في الغالب تصورا دينيا أو عقيدة دينيةّ .» ويمكن متابعة هذا المصطلح على النحو الآتي:
ظهر في الثقافة الغربيةّ في توصيف ظواهر دينيةّ مسيحيةّ ظهرت أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكيةّ في مطلع القرن العشرين بعد أن تمكنّ مجموعة من البروتستانت من طبع اثني عشر مجلدا في الحقبة ما بين ) 1910 – 1915 م( بعنوان )أصول شهادة على الحقيقة( انتشرت في وقت وجيز بين المسيحيين الأمريكيين. ويؤيد هذا التأويل للحدث توصيف ريتشارد هرير دكمجيان – أستاذ العلوم السياسيةّ في جامعة نيويورك : «فيرجع أصل الأصوليةّ إلى فرقة من البروتستانت التي تؤمن بالعصمة الحرفيةّ لكل كلمة في الكتاب المقدسّة ويدعي أفرادها التلقي المباشر عن الله، فضلاً عن معاداتهم للتفكير العلمي وميولهم إلى استعمال العنف والقوةّ؛ لغرض فرض معتقداتهم» ( 1 ) : "
و الأصوليات الدينية نشأت كرد فعل , لصعود الخطاب الحداثي في أوربا في القرن التاسع عشر , بالنسبة للأصولية المسيحية , أو بعد إنهيار الدولة العثمانية , بما تمثله للعرب و المسلمين من رمز روحي تمثل في وحدة العالم الإسلامي تحت لواء دولة الخلافة . "
أصولية " Fundamentalism " لغة من " أصول "وهذه ترجمة للفظة Fundamentals "" وهي لفظة انجيلية مشتقة من لفظة أخري هي " Foundation " بمعني أساس . وأغلب الظن أن الذي سك المصطلح الأفرنجي " Fundamentalism " هو رئيس تحرير مجلة أمريكية أسمها "" New york watchman examiner في العام 1920م , حيث عرف الأصوليين بأنهم : " أولئك الذين يناضلون بإخلاص من أجل الأصول . " وأغلب الظن كذلك أن التي مهدت لسك هذا المصطلح سلسلة كتيبات صدرت في الفترة من 1909م إلي 1915م بعنوان "الأصول " بلغت اثني عشر كتاباً . وتنطوي علي المباديء التالية :
1- أصول الإيمان مثل حقيقة جهنم ومجيء المسيح الثاني .
2- مهاجمة تيار نقد الأنجيل , وبالأخص الداروينية المهددة لقصة الخلق كما وردت في سفر التكوين . ( 1 )
و الأصولية المسيحية : حركة دينية نشأت من الانجليين المسيحيين ضد الحداثة و نظرية التطور بدعوي أنها تهزان الأسس الانجلية للحضارة الأمريكية , إذ هما ضد إله المسيحية , وضد الحكومة الخيرة . ( 2 )
أما في العالم العربي فقد ظهرت الأصولية الدينية الإسلامية , بعد إنهيار السلطنة العثمانية عقب إعلان أتاتورك الجمهورية التركية , و غياب خليفة للمسلمين , وما نجم عنها من أزمة وتداعيات علي العرب و المسلمين , نتيجة غياب " خليفة للمسلمين " , وسقوط دول عربية فريسة للاستعمار الأوربي . فقد بدأ ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1924م , تحت عنوان إعادة المجد للمسلمين و الإسلام وأستاذية العالم . وتعد ولاية الفقية إحدي تجليات الأصولية الدينية عند المسلمين الشيعة. كما أن أزمة الهوية أو أزمة الشرعية أو رداً علي فساد الحكم أو صراع للطبقات أو العجز العسكري أو أزمة ثقافية , كلها تُعد سمات لجو الأزمة .
والأصولية الإسلامية : أصلها مردود إلي أبي الأعلي المودودي في كتابه " الحكومة الإسلامية " حيث الحاكم هو الله . والسلطة مختصة بذاته وحده , ومن ثم فليس لأحد من دون الله حق في التشريع . وبلورها سيد قطب في كتابه " معالم في الطريق " حيث المجتمع , عنده , إما جاهلي وإما إسلامي . ( 3 )
وهناك سمات مشتركة لكل الأصوليات الدينية
فهي تستند علي كتاب مقدس , القرآن أو الإنجيل أو الفيدا بالنسبة للهندوس , وتدعي أن الحل لكل مشكلات الإنسان تكمن في الرجوع إلي صحيح الدين الإسلامي أو المسيحي , وتدعو إلي العودة إلي الأصل الديني الصحيح , والإقتداء بالصحابة الأوائل .
وهي ترفض الخطاب الحداثي التنويري , سواء الأصولية الإسلامية أو المسيحية أو الهندوسية , بل إن هناك اتجاهات تعتبرها مؤامرة ماسونية يهودية علي المسيحية , فالمنتج الحداثي من الديمقراطية و العقلانية و الحرية مرفوض من جانب الأصوليين .
كما أن العقلية الأصولية ترفض الآخر الديني , فالأصولي المسلم يكره المسيحي و البوذي , كما أن الأصولي الهندوسي يدعو صراحة إلي طرد المسلمين و المسيحيين من الهند , لأن الهند للهندوس . كما أن الأصولية الدينية ترفض الآخر من ذات الدين ولكن من المذهب الآخر , هو ما نراه من نزاع سني – شيعي , والصراع الكاثوليكي – البروتستنتي . وبالتالي فالخطاب التكفيري هو نتاج للعقلية الأصولية , بالبرغم من أن الشيعة مسلمين .
الانسحاب والانفصال عن الثقافة المعاصرة والعلاقات الاجتماعيةّ، والترويج لأيديولوجيا على إنها واحدة وساميةّ تفسير شامل يمكن من خلاله تفسير جميع الظواهر ومعالجتها. عدم الاقتصار في النظام الجديد على السعي نحو تحويل النظام السياسي والاجتماعي فحسب، بل صميم فكر الفرد أيضا ، ورفع الحقوق الجماعيةّ على حساب الحقوق الفرديةّ، وتصنيف الحقوق بحسب الولاء للنظام الاعتقادي، وخفض الحقوق الكونيةّ، وقمع التنوعّ، ومعارضة الديمقراطيةّ والتعدديةّ والفكر المتحررِّ بشدةّ، والدعوة لإقامة دولة شموليةّ توسعيةّ. وهو ما يعبر عنه سيد قطب في كتابه " معالم في الطريق " بالعزلة الشعورية , أي الإنفصال عن المجتمع . أو ما يقول به مرشد الإخوان و المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا بـ " مفارقة و م
تقول الأصولية أن النص الديني صالح لكل زمان ومكان , وبالإعجاز العلمي في القرآن أو الانجيل في المسيحية أو الهندوسية في كتب الفيدا , ويمكن تصنيف زغلول النجار ضمن الأصوليين المسلمين , بنشاطه المعروف عن الإعجاز العلمي في القرآن , فهو يتعامل مع القرآن الكريم ككتاب في العلوم , وليس نص ديني مقدس . وهو حاصل في الأصولية المسيحية و البوذية أيضاً , ولا تقتصر علي المسلمين وحسب .
والأصولية هي رد فعل وليست فعل , وهي رد فعل علي سقوط " الخلافة العثمانية " بعد الحرب العالمية الأولي , أدت إلي ظهور جماعة الإخوان المسلمين في العام 1928م , أو ما يطلق عليه " الإسلام السياسي " , أو كرد فعل علي الحداثة في أوربا بالنسبة للأصولية المسيحية , وبالتالي فالأصولية رد فعل وهي عقلية مأزومة .
والعقل الأصولي يقرأ التاريخ قراءة انتقائية , ويبالغ في إظهار بعض اللحظات التاريخية التي يراها مجيدة و ذهبية في تاريخ المسلمين والعرب , كالخلافة الراشدة , بالرغم من قصر عمرها , وهي الفترة التي حكم فيها صحابة الرسول الكرام , بداية من عمر وحتي علي , أو الفترة القصيرة جداً التي حكم فيها عمر بن عبد العزيز , وما يسميه بـ " العصر الذهبي " , ويتجاهل الحروب الأهلية التي جرت في عهد أبو بكر بعد وفاة الرسول محمد " ص " , فيما عرف بحروب الردة , أو الثورة ضد الخليفة عثمان بن عفان ومقتله , أو الصراع بين الصحابة علي السلطة في موقعة " الجمل " وموقعة " صفين " . ويتجاهل ألف عام من الاستبداد واستغلال الدين للأغراض السياسية , والتنكيل بالعامة والفظائع التي إرتكبها السلاطنة العثمانيون , وليس أقلها ما عرف بـ " الخازوق العثماني " حيث يتم تعليق الشخص عليه مدية تخترق أحشائه من الأسفل حتي تخرج من الكتف الأيمن , حيث يتعذب ولا يموت لمدة أيام , يتجاهل العقل الأصولي كل هذا التاريخ المدون ويكتفي بالحديث عن فترة الخلافة الراشدة القصيرة .
بروز الخطاب العنيف بحق المختلف: فهذا السلوك العنيف مقارنة مع الملامح المشتركة السابقة يعُد العنصر الأكثر إثارة للأصوليةّ المتطرفِّة، إن استعمال العنف باسم النزعة المحافظة في خدمة كل ما هو مقدسّ، هوما يلخص الحركة الأصوليةّ، استعمال السلاح وسفك الدماء، والقتل الجماعي، وبتر الأعضاء كعقاب وطرد وعزل الأقليات التميزّات القبليةّ، التطهير العرقي والإرهاب، كل هذا يندرج في بنود الأجندة اليوميةّ للأصوليين في كل العالم وفي كل عصر. وهي مظاهر أصُوليةّ متنوعة الأديان إذ) على طوال عقد الثمانينياّت، قلما شهد العالم أزمة سياسيةّ ذات شأن في أحد أرجاء العالم لا تقف وراءها يد الدين غير المتواريةّ تماما. ففي الشرق الأوسط، تصادمت كل الأديان والحركات الأصوليةّ في هذه المنطقة يهوديةّ كانت أم مسيحيةّ أو مسلمة على خلفيةّ صراعات قديمة حول السلطة في إطار حروب أهليةّ وغير أهليةّ. ( 4 )
العقل الأصولي يتميز بثلاث سمات , الشمولية و الحرفية و التآمرية .
العقل الأصولي يتميز بالشمولية , فيعتقد أن أفكاره حق وخلافها باطل , وأن أفكاره لا تقبل النقاش أو الرد , بالرغم من الاختلافات حتي داخل ذات الدين الواحد ( شيعي – سني أو مسلم علماني – مسلم أصولي ) , وهو يظن أنه يحمل مشروع ينقذ العالم والبشرية جمعاء .
و الشموليةلها ثلاث مستويات :
والمستوي الأول : وهو أعلاها هي أن في فكرته خلاص للكون كله و البشرية , وأن مشروعه ينقذ العالم .
المستوي الثاني : يظن فيها أن السعادة و النجاة تكمن في إتباع فكرته ومشروعه " الشريعة الدينية " .
والمستوي الثالث : تعبر عن الهوية / عن الذات الحضارية بالمقارنة مع الحضارة السائدة ( الغرب حالياً ) باعتبارها الحضارة المتفوقة , ويهتم بالحجاب و التقاليد الإسلامية أو المسيحية .
العقل الأصولي حرفي وواحدي : يستخدم الدين للتعبير عن وجهة نظره , الأصوليات الدينية , فتجد أن الأصوليات الدينية أشداء فيما بينهم , فمثلاً الأصولي يختار ويفضل مذهب واحد فقط داخل الدين أو المذهب السني بالرغم من تعددها ( الأشاعرة – الماتردية – سلفية – حنبلية – صوفية ) ويرفض الباقي , ويعتبرها فرق هالكة . في المسيحية ذات الأمر , فتجد البروتستانت ضد الكاثوليك و العكس , بالرغم من إنتماؤهم لدين واحد .
العقل الأصولي تآمري : فهو يعتقد بوجود مؤامرة علي السيد المسيح وعلي المسيحية , وهناك كتابات تناولت الحداثة باعتبارها مؤامرة يهودية علي المسيحية , وتم إجترار ذلك في الحالة الإسلامية , حيث يعتقد فريق من الأصوليين بأن هناك مؤامرة علي الإسلام , ولولا ما فعله نابليون بونابرت لكان الإسلام يحكم العالم ..إلخ .
كل الأصوليات تدعي وجود " العصر الذهبي " في الماضي , في الخلافة في الحالة الإسلامية , وتعد بتكرارها آخر الزمان بعد نزول المهدي , أو المسيح الذي سيحكم العالم لمدة ألف عام , سيعم الرخاء في العالم بأجمع ( المهدوية ) .
ويُعد رونالد ريجان و جورج بوش الابن رئيسي الولايات المتحدة والقس الأمريكي جيري فالويل مثال للأصولية المسيحية في أميركا .
وللأصولية وجهان نضالي و السلمي , ومنها جماعة الإخوان المسلمون و الجماعة الإسلامية المسلحة و جماعة الجهاد و الثورة الإسلامية الخمينية في إيران و حزب الله في جنوب لبنان , التيار المسيحي الأصولي، والتيار المسيحي الليبرالي، والتيار العلماني . كما تعد الحركة الصهيونية حركة أصولية , وهي عنصرية و استيطانية أرتكبت المجازر بحق الشعب العربي في فلسطين المحتلة .
الأصولية في الهند : تبنت أنديرا منذ بداية الثمانينات خطابا دينيا هندوسيا فاقعا، وتحالفت مع المتطرفين الهندوس، وبدأت في الظهور في المعابد لكي تتلمس مظاهر الورع. وترجع بدايات الأصولية الهندوسية إلي الطبيب " هيدجيورا " الهندي الذي أسس منظمة " شاكا " التي ستكون مهمتها إعادة المجد للهنود , وبناء ثقافة هندوسية ذكورية تتحدي الثقافتين الإسلامية و الغربية وتنتصر عليهما , تهتم بالتراث الهندي القومي . ويمكن اعتبار ما يحدث للهند المسلمين من إضطهاد متصل الصلة بالنشاط الأصولي الممتد منذ الطبيب " هيدجيورا " إلي زمن رئيس الوزراء الحالي " مودي " الأصولي المتشدد . ( 5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) صــــ 71 . المعجم الفلسفي : مراد وهبه . الهيئة العامة للكتاب .
( 2 ) صــ 72 . المعجم الفلسفي : مراد وهبه .
( 3 ) صـــ 71 . المعجم الفلسفي : مراد وهبه .
( 4 ) صــ 13. " الأديان العامة في العالم الحديث " خوسيه كازانوفا، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، بيروت،2005م،
( 5 ) صـ 166-169 . " علي الرغم من الآلهة: النهوض الغريب للهند الحديثة " : إدوارد لوس .
( 6 ) أحمد سعد زايد : الأصوليات : المفاهيم و التطور .
https://www.youtube.com/watch?v=tnUVGvidiTY&list=PLsxPqi5Cb6EiR4JVjaZm0urI6RD0WL5xK&index=13&t=44s
-
أحمد أحمد غانممحب للقراءة و الرياضة و الشطرنج ..