اضحى من عادتي بعد يوم شاق من العمل او من الدراسة الذهاب الي المقهى بمفردي .
اخترت مقهى جديد بعيدا عن الحي الذي اقطن فيه فلا انا اعرف الناس فيه و لا هم يعرفونني
مقهى جميل هادئ للغاية ذو تصميم بسيط يروق لي .
اذهب اليه بدراجتي الهوائية الجميلة .
ادخل المقهى و احوم بناظري برهة لعلي اجد زاوية جميلة بعيدة عن الناس .
اجلس الى الطاولة و اطلب من النادل قهوة مركزة بدون حليب مع قليل من السكر فيقوم بتقديمها لي بعد برهة فابدأ باحتسائها و اتلذذ في كل رشفة بمرارتها فمهما بلغت لن تكون امر من غربتي ، يروق لي سوادها و يذكرنني بسواد وحدتي فلا صديق و لا جليس قد اضحى الناس يخشون مجالستي خوفا من التتبع الامني .
اجلس لوحدي سويعات في ذاك الركن لكن ارفه عن نفسي بالكتابة فلم يبقى لي نديم غير القلم و اقوم تارة اخرى بقراءة كتاب او مقال علي هاتفي او استمع لبعض المحاضرات و في بعض الاحيان اشاهد بعض المقاطع المضحكة لعلي ارسم على لثمى بسمة مؤقتة مزيفة اخدع بها روحى المنهكة و اتناسى بها لوهلة غربتي المطبقة .
إستنتجت من خلال تجربتي مع الوحدة انه ليس هناك شيء أوعظ من الخلوة ولا أسلم من الوحدة ولا آنس من كتاب .
لكن تبقى أسوء أنواع الوحدة تلك التي تجتاحك وأنت بين أهلك و ذويك .
لكن لابد للانسان أن يتعود على الوحدة حتى لا ينسى حقيقته الأولى التي ولد بها ولابد أن يرحل معها .
ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺣﻴﺪﺍ , ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ , ﻭ ﻳﻨﺘﺎﺑﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻤﺆﻟﻢ , ﻓﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﺆﺛﺮﺍً في ﺇﺯﺍﻟﺔ شعور الغربة و الوحدة ﻋﻨﻚ , ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﻮﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﺘﻚ , ﻓﻼ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺪﻫﺎ , ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻗﺪ ﻳﺰﻳﺪ ﻭﺟﻮﺩ اﻧﺎﺱ ﻻ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻬﻢ فكرا ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺣﺶ ﻟﺪﻳﻚ .
لا ينفك عني احساس ضيق الصدر و كأنني اصعد في السماء اصبح ملازما لي حتى اني نسيت كيف كنت من قبله .
تنتهى القهوة فأطلب غيرها و غيرها
يغلق هاتفي بسبب انتهاء طاقة البطارية فارجعه الي جيبي و اظل احدق في رواد المقهى .
فألمح مجموعة من الاصدقاء قد تعالى من حلقتهم صوت القهقهة و الضحك فأتبسم معهم دون سبب و صوت من داخلي يقول : قد كنت مثلهم يوم ما و لم تكن تعرف ان تلك نعمة بل و في بعض الاوقات تعجب من شخص يجلس لوحده ساعات في المقهى و تقول اي متعة في جلوسه لوحده
هههه ها قد امسيت من زمرته اليوم يا بائس .
لكن عموما صفاء الوحدة خير من ضجيج المنافقين و المرجفين
و صعوبة الغربة خير من الوقوع في مستنقع الخوف و التنازل
الجلوس منفردا و مخاطبة النفس و المطالعة و الكتابة افضل من جلساء السوء او اصدقاء المصالح و خير من مجالسة اشباه الرجال الذين ماتت قلوبهم خشية و خوفا مِن مَنْ لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا
أحيانا تسعي وراء الانفراد بنفسك وتصبح نهماً للوحدة وأحياناً أخري تصبح الوحدة وحشاً ينهش أنفاسك .
اعانى من وحدة ﺍﻹﻏﺘﺮﺍﺏ , ﻭﻫﻰ ﺍﻟﺘﻰ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ وحيدين منبوذين او نجد انفسنا ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﻟﻠﺘﻮﺍﺟﺪ ﻣﻊ أﻧﺎﺱ ﻻ ﻧﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻬﻢ , ﻭﻻ ﻧﺸﺎﺭﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺷﻰﺀ , ﻓﻨﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺃﻏﺮﺍﺏ ﻭﺳﻂ ﻫؤﻻﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ , ﻭﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﻗﺎﺳﻲ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺟﻴﺪﺍ ﻣﻦ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﻟﻪ خاصة الموحدين في زمان اضحى فيه التمسك بالالتزام شي غير محبذ .
ﻭ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺗﻮﺍﺟﺪ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍً ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﻣﺆﻟﻤﺎً ﻣﺆﺳﻔﺎً ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻗﺴﻮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭ ﺷﻜﻠﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻌﻬﺎ , ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺣﺪة ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻌﺪﺩﺕ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻓﻬﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻗﺴﻮﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﻩ ﻭﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺌﻦ ﻣﻦ ﺃﻟﻤﻬﺎ.
لكن اواسي نفسي بما واسى به الرسول ابا بكر :
" لا تحزن ان الله معنا "
لعل هذه الاية تخفف عني وطأة الغربة و وعورة الوحدة و وحشة الطريق .
و اقول لروحي الغريبة دائما " انت الجماعة و لو كنت لوحدك "
اكتب الان و انا في ذاك المقهى و في نفس الركن مع صديقتي المرة السوداء ﻭ ﻓﻲ ﺇﻋﺘﻘﺎﺩﻱ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱ ﺷﻰﺀ ﺃﻥ ﻳﺨﺮجني ﻣﻦ ﻫﺬﻩ العزلة ﺇﻻ ﺍﻥ اقابل شخص جديد ينتشلني ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭ ﻳﺸﻔﻰ ﺟﺮاحي , يريحني ﻣﻦ آﻻمى , و يقاسمني همومي و يشاركني فكري و معتقدي ﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻫﺬﺍ , ﻓﺎﻟﻠﻪ دائما معي , ﻭ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻫﻮ ﻣﻼﺫي ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻭ ﺭﻓﻴﻖ ﺩﺭبي ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ .
قلم : خليل بن علي
-
خليل بن عليكاتب تونسي مهوس من موالد 1995 تقني في الاعلامية و ناشط حقوقي و عضو في منظمة العفو الدولية و مدون في العديد من المواقع و المنصات العالمية و العربية
التعليقات
فايقنت من خلال مقالك الرائع ، ان الوحده التي كنت اشعر بها هي وحده ؛ عدم الانتماء لارواح هؤلاء الناس ....
دام قلمك
من أجمل ما أعجبني من عبارات..جميل جدا ان تعترف بقوة أنك تكون جماعة حينما يقرر الكل هجرانك و رائع بل قمة في الروعة أن تقود جيشا لوحدك و أنت أكيد هو الجيش.