تحدثت في مقالي السابق عن خلق التغافل أو التغابي وختمت المقال بقولي: كن متغافلا ولا تكن غافلا ، وكن متغابيا ولا تكن غبيا. واليوم أواصل الحديث في موضوع وثيق الصلة بموضوع التغافل أو التغابي ،فالمرء كما بينا سابقا ينبغي أن يغض الطرف عن بعض زلات وهفوات الآخرين من أصدقائه ومعارفه ومن يعمل معهم ، ومع ذلك فلا يحسن بالمرء أن يسترسل في التغافل والتغابي حتى يظن الناس من حوله أنه غبي أو غافل ، بل ينبغي بين الحين والآخر أن يرسل رسائل قصيرة وإشارات لطيفة لمن حوله تنبئ عن إدراكه لما يقع أو يدبر ويحاك ، وبذلك يدفع عن نفسه شبهة الغباء والغفلة ، كما أنه يردع بهذه الرسائل القصيرة أو الإشارات اللطيفة من حوله من الإستمرار في التخابث والتحاذق .
وإذا كان المطلوب من الإنسان المسلم أن لا يكون غادراً أو ماكرا فهذا لا يعني أن يكون ساذجا، لا يعتبر بالأحداث التي تدور حوله، فإذا ما خانك إنسان أو أخطأ مرة وتغافلت عن زلته ثم عاد بعدها فلا ينبغي أن تثق به مرة أخرى، فتلك هي السذاجة، واسمع لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . فكيف بمن يلدغ من نفس الجحر ثلاثا وأربعاً !!!
فإن الرجل (الطيب) أي الذي يتغافل ويتغابى عن زلات وأخطاء الآخرين باستمرار حسب قاموس العصر هو الذي:-
يَسُهل هضمه !!
يبتلع الطعم بسرعة!!
فريسه سهلة
غبي لا يفهم نواياهم !!
قال ابن أبي الدنيا في كتابه .أدب الدنيا والدين
(وقد ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال :كان والله أفضل من أن يخدع ، وأعقل من أن يُخدع )
وقال عمررضي الله عنه : لست بالخِب ولا يخدعُني الخِبُ .
نصائح وتوجيهات…
1- إن الطيبه الزائده هي مزيج بين الغباء وضعف الشخصيه ..والتغافل والتغابي المستمر أمر غير محمود وله نتائج وخيمة عليك وعلى من حولك من الناس.
2- لا تفرط في الثقة بالناس دون تأمل مدى أمانتهم أو التمييز بين من يستحق الثقة ومن لا يستحقها ولا تتصور أن أكثر الناس أمناء وصادقون في أقوالهم وأفعالهم ولا يتوقع السوء من أحد ولا يدرك أن من الناس مخادعين محتالين ماكرين . وما أجمل قول أبي الطيب المتنبي – مع تحفظي عليه.
لا تخدعنّك اللّحـى ولا الصــور*** تسعة أعشار ما تــرى بقـــر
في شجر السّرو منهم مثــــل*** لــه رواء وما لـه ثمـــــر
3- كن واعيا ومدركا لما يدور حولك من أمور وأحداث ، وإن تغافلت عن بعض الأخطاء فلا تسرف في التغافل فتصبح من الغافلين ويظن من حولك أنك من المغفلين
4- لا تعر عقلك للآخرين ولا تكن تابعا في فكرك وسلوكك لكل أحد ، بل فكر ثم فكر ثم قدر وخذ بالأسباب.
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها….. إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ
5- تسامح وتغافل فقط مع من يستحقون التسامح ممن يخطئون عن غير قصد ولا خبث طوية ، أو ممن يمكن حمل أخطائهم على هدف نبيل أخطئوا لتحقيقه الوسيلة.
6- لا تكن كالكتاب المفتوح يقرأه كل من ينظر إليه ، فيجترئ عليك السفهاء ، ولا تكن غامضا فيجتنبك أهل الصلاح .
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.