تطبيع وتطويع دول العرب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تطبيع وتطويع دول العرب

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 17 غشت 2020 .

تطبيع وتطويع دول العرب

..هيام فؤاد ضمرة..

الكثير الكثير من العرب الأحرار استهجنوا الانزلاق الخليجي ودول الجوار مع العدو الصهيوني في المنحدر الزلق باتجاه الهاوية السحيقة إلى قاع التطبيع المهين، والتخاذل الذليل، والمهانة التاريخية العليلة، فالتقديرات على ما يبدو ليست بقدرها المناسب الذي يليق بالكبار الكبار وبالمنطقي من الفعل، ومن المستهجن أن يكون هذا الفعل فعلا عاما، فحين يتضاءل الفعل إلى حجمه الدنيا فذلك مرتبط بالفعل العقلي الموازي، فترتكب الأخطاء بحق الذات الحائرة التي لا تملك قدرتها على الامساك بزمام أمورها في اتخاذ قراراتها المنطقية، وفي حق الشعوب التي ظنت أنها في مأمن في ظل من يقودها نحو الرفعة والكرامة، والمجد اللائق بأمة تعدادها المليار واتساع رقعتها بما لو جمعت الدول على بعضها لكانت بحجم القارة، 

والأدهى الأخطر أن كافة المؤشرات تؤكد أن القادم الآتي آت لا محالة، مهما حصنوا أنفسهم وتحصنوا بكراسيهم مع كل التدابير والوعود المقطوعة فلن يجدي شيئا أمام المطامع وأمام المكائد التي اعتاد ممارستها العدو.

كل هذا يجري رغم تلمس هؤلاء المتهاونين حقيقة عدو العرب التاريخي المحتل، بكونه لا يحترم الاتفاقيات والمواثيق الموقعة، ولا الوعود المتخذة بين الأطراف حتى لو كان شاهدها وعرابها دولة تدعي أنها عظمى، وأيضا بكون مطامعه لا تقف عند حدود احتلال الوطن الفلسطيني فقط، ولا عند تهويد دولتها المحتلة، فالمطامع بمجملها النهائي تسوق مراحل متتابعة من المطامع يجري تذليل مصاعبها تدريجيا، وعلى أزمان جدا متقاربة، ولن تنتهي إلا بتحقيق الحلم بالوطن اليهودي الكبير، ولن تسلم دول الانبطاح من سرعة الانقلاب عليها ولا حتى السلامة من أساليب لعبها العدواني الخسيس، ولهذا فلن يكون القادم إلا صادماً بقوة هائلة.

حين أعلنت اسرائيل ندمها حين بدا لها أنها تسرعت باتخاذ القرارات في المرحلة الأولى من مباحثات السلام مع الجمهورية المصرية داخل الخيمة عند الكيلو 101 تلك التي نصبتها هيئة الأمم المتحدة في العام 1974م في أعقاب حرب القناة عام 1973م، تنفيذاً للقرار الدولي رقم 338 وجرت المباحثات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة التي كانت أنشئت لمثل هذه الأهداف.. الغريب أن مصر وافقت على القرار فور صدوره لتوقف من جهتها الحرب دون تداول ذلك مع الجهات العربية التي دخلت الحرب بهدف مساندتها للوصول إلى حالة تحرير فلسطين، ولحقته بالموافقة سوريا بعد يومين إثنين، منيت خلالهما بخسائر فادحة، وأصبح العدو اليهودي على مشارف العاصمة دمشق، وكان لهذ الموقف تبعات لا داعي لذكرها في مقالتنا هذه.

كانت دولة الاحتلال قد أدركت الطبيعة العربية وعقليتها بالتعامل خلال التباحث، واستدلت مفاتيحها التي من خلالها ستعبر مع المتباحثين مراحل من الحسم، الذي سيسجل لها الفوز وحصد النجاحات، وقد أدركت أن التمديد بزمن المباحثات وإطالة مدتها لأكبر زمن ممكن، سيتيح لها خلق أزمات جديدة وعقد أكبر، وستحرص على أن تجعلها سلسلة متتابعة، يتعظم حجمها تدريجيا، وتتسبب في تغيير الظروف المتباحث عليها، مما يغير بالتالي أوجه الخلاف، فتبتعد عن الهدف الأساس وينشغل المتباحثون بالقضايا الفرعية المختلقة، مبتعدين عن أصل المشكلة.

والعقل العربي هو من البساطة بحيث سرعان ما يشغل نفسه بالقضايا الجديدة المفتعلة، ويترك أو يؤجل المشكلة الأصلية، فينخرط بتعامله مع الأزمات المستجدة ويصرف ذهنه وتركيزه بها، هذا العقل الطيّع السهل التلاعب به وتغيير اتجاهاته بتغيير ظروف الضغط عليه، ولهذا اتخذت دولة الاحتلال أسلوبها الجديد في خلق العثرات وزيادة التضييقات، وتعطيل العجلة كلما دار نشاطها، وهي القادرة على إدارة الأعمال الشيطانية بكل كفاءة.

والخطأ بالعرب أن عقولهم لا تملك الاتساع الكافي في صد مثل هذا الاسلوب الشيطاني الذي يستخدم الطرق الملتوية لتغيير الأهداف وتحويل الممرات، والغريب بهم أنهم لا يتعلمون مثل هذه الأساليب ولا يمارسونها على عدوهم، فيما يستحضرونها على بني جلدتهم في حال ضاقت بهم أمورهم ونشط العداء بهم.

وما قصص التهويد، وضم الأراضي المحتلة، وبناء المستوطنات والجدار العازل العنصري، والتضييق على الأوضاع الاقتصادية للعرب، وتحجيم حريات المسلمين بالصلاة داخل المسجد الأقصى.. جميعها ليست إلا وسائل تعقيد في القضايا التي يواجهها الفلسطينيون والعرب، بقصد إزاحة العقل العربي عن جانب التركيز على قضية التحرير وحق العودة.

فمن منا لا يذكر اللعبة الخبيثة التي لعبتها في حينه دولة الاحتلال، حين وافقت على وقف إطلاق النار التي اعلنتها هيئة الأمم المتحدة، فالتزمت بها لمدة يومين فقط، ثم استدارت بحركة مباغة خبيثة وغادرة قاصفة مدينة السويس لتعزيز قواتها في ثغرة الدفرسوارعام 1973م في معركة العبور، لخلق واقع جديد على أرض المعركة، حتما سيكون له الأثر البالغ بالمباحثات، وفرض شروط في الاتفاقيات، ووضع الضغوط، وتحقيق المكاسب التي تحول الخسارة إلى ربح والاندحار إلى نصر.. هذه هي دولة الاحتلال القادمة من الشتات التي تتعامل بقضيتها مع العرب إما تكون هي، أو لا يكون غيرها، لا تعترف بالإلتزام بالمواثيق والعهود، إذا ما كان الإلتزم بها ضد إرادتها وضد مصلحتها، ودولة خلقت نفسها من الصفر من المؤكد أنها ستستميت بكل أفعال الشيطان من أجل بقاء وجودها، لأنها لن تتمكن أبداً من الاستماتة بالقوة طالما جنودها لا يملكون الوازع النفسي ولا الانتماء العاطفي ولا الوطني نحو أرض ليست لهم، ووطن مسلوب لا يملكون الحق بالعيش فوق أرضه.

وهنا نجد أنفسنا مجبرين باسترجاع الحالة العثمانية لامبراطورية الاسلام الأخيرة، فقد تم التخلص من الحكم العثماني الذي ظل الشوكة الكبرى في حلق الغرب مئات السنين، يهابونها ولا يملكون القوة لمقابلتها ومحاربتها، ولا حتى بشراء ذمم قياداتها الذين أخلصوا بكل سمو أخلاق لدولة الإسلام، وحافظوا على الدين وعلى أوطان الإسلام جميعها، وقاموا بمشاريع قوية وجبارة ومكلفة جدا لمصلحة سكانه وحجيجه والمواقع المقدسة فيه، رغم اتساع رقعة الامبراطورية العثمانية الجغرافية، ورغم استنزافها بالحروب مع دول أوروبا ودولة الفرس والشيعة في كلا اليمن والمغرب وشرق العراق من جهة أخرى، بقصد إضعافها بمثل هذه المحاصرة وتشتيت جهود جيوشها، ولكم أن تتصوروا دولة تقوم بكل تلك الأدوار بكفاءة وإخلاص.

ولا يستطيع أن ينسى الغرب كيف تمكنت الدولة العثمانية من خلال فرض سلطاتها وأركعت ملوكهم وامبراطورياتهم عند أقدام سلاطينها، لا يستطعون رد شروطهم ولا أحكامهم، يدفعون لهم الجزية دون اعتراض مقابل حمايتهم وتوفير السلام لعيشهم..

للأسف الشديد أن تم التغلب على بني عثمان والتخلص منهم بأيد عربية غفلت عن واجب الالتزام بالعهد والإنتماء، وادعت الأسباب الباطلة مستغلة بساطة الناس وسهولة التأثير عليهم بسبب الجهل وطبيعة العربان، ولولا ذلك لما استطاع الغرب التغلب على العثمانيين ودحرهم في حرب هم فيها داخل بلاد العرب جاءوا ليحموها ويحموا أهلها ليظل دين الإسلام هو الأعلى والأسمى، فجاءتهم الضربة بالظهر من حيث لم يتصوروها وما حسبوا أبدا أن تأتيهم منها، وهذه لعبة استعمارية خبيثة بأن يتغلغل بالصفوف الأمامية ليضرب بالعمق بأيد غير أيد جنوده، فلا يضحي بجندي واحد من جنوده ولا ينفق مليما على السلاح والعتاد، فيقوم الآخر بمهمة قتل بني جلدته بأعصاب باردة متوهما البطولة وهو لا يدري أنه إنما يغور بعمق الخيانة العظمى.

فيتخذ المستعمر كل وسائل الكيد والغش الخبيث للتخلص من قوة عاتية يهابها ويخاف الصدام المباشر معها، فيستخدم أسلوب شراء ذمم أهل النفوس الضعيفة والذمم الرخيصة مقابل المال أو الوعود بالتمكين من السلطة، وبذلك يسقط العرب للأسف في شبكة دول الاستعمار الغربي، ويجعلون من أنفسم أدوات هدم لبلادهم، وتحجيم سلطة قوية تحمي حماهم وتقف حجر عثرة بطريق مطامعهم وشوكة في حلقهم،

فيلجأ المستعمر الغربي إلى تأليب قلوب بنو يعرب على أهلهم وأهل دينهم وملتهم، ممن يحمون حماهم ويصونون بلادهم ويحافظون على أوطانهم من طمع الغرب المستعمر، وهذا الطمع ليس بجديد ولا بغريب فهو طمع ضارب بالقدم منذ عهد اليونان وإسكندر المقدوني وعهد الرومان وقياصرته، وبعد الإسلام الحملات الصليبية ثم الإستعمار الحديث، ولا أظنه سيتوقف في أي زمن بالمستقبل، فالكيد الغربي ومطامعه يعشعش بدواخلهم ويتعمق بهم بقدر عنصريتهم، وهم أهل له لما يعانوه من فوقية وعقدة الاضطهاد، فهم غرقى في مستنقعه.

هكذا يمارس الغرب واليهود ألاعيبهم وما زالوا على ذلك إلى ما يشاء الله لهم النهاية، طالما أن تلك الألاعيب ما زالت تؤتي أكلها وتطعم ثمارها، وتحصد النجاحات بين قوم لا يتعلمون من التاريخ، ولا من الخبرات المتكررة، ولهذا اتجه الصهاينة بنفس اللعبة نحو دول الخليج يعيثون فسادا فكريا وعملياً ليخرجوهم عن عروبيتهم وانتمائهم العروبي، وها هم يحصدون معهم النجاح تلو النجاح بشكل لم يكونوا ليتصوروه هم أنفسهم، فالعرب مهما تحضروا وارتقوا ظاهرياً يظلون بداخلهم أولئك العربان حسني الظن يتبعون من يسوق عقولهم وفق هواه، فتنجح عليهم أصناف من قصص التحايل رغم ذكاءهم وقوة فراستهم، فالناس مجرد أبواب كل منها له مفتاحه.

وعلى هذا المبدأ أيضاً اتجهت دولة الاحتلال نحو أثيوبيا لتضع بعقل حكامها حجم الفائدة التي سيجنيها فيما لو تم حبس مياه النيل في سد ضخم هو الأكبر بالعالم، مستغلة بحيرة تانا منبع نهر النيل الأزرق الغزير العطاء، ومقدمة لها كل الامكانات اللوجستية والفنية والعلمية لمساعدتها بإقامته، دون الالتفات لما يسببه ذلك من الضرر لعشرة دول إفريقية أخرى هي دول حوض نهر النيل العظيم ومن حقها أن تتقاسم حصص المياة فيه، ويحتاج السد ل14 عاما فقط حتى يمتلأ ويبلغ ارتفاعه حوالي 43م..

وبحيرة فكتوريا تعتبر المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل الأبيض الذي يصب في نهر النيل العظيم، وهي ثالث البحيرات العظمى في العالم وتقع على حدود ثلاث دول افريقية هي أوغندا وتانزانيا وكينيا ويقطعها خط الاستواء.

والخبث الاسرائيلي يلعب ذات اللعبة الخبيثة ثانية لتكون ورقة الضغط الرئيسيى على مصر والسودان معا ليضمن رضوخهما الاثنتين للتطبيع

ونتيجة للامكانيات الهائلة التي يوفرها نهر النيل فقد شكل مدى زمني طويل مطمعا للقوى الاستعمارية الأوروبية في القرن الماضي، وتكالبت دول الاستعمار لتسيطر على دول حوض نهر النيل، فسيطرت بريطانيا على مصر والسودان وأوغنندا وكينيا، وأحكمت ألمانيا سيطرتها على تنزانيا ورواندا وبوروندي، بينما سيطرت بلجيكا على تنزانيا التي أصبحت الكونغو الديمقراطية في وقت لاحق.

وهكذا يتبدى حال المستقبل العربي وهو يشرف على الذوبان الكبير الذريع في الخلطة الاستعمارية الجديدة، والسياسة الغربية والصهيونية لا تضوعان وقتهما سدى، ولا تبعدان أدوات لعبتهما عن مواقع نجاحاتها، وسيرى العالم العربي نفسه فجأة، عالماً غريباً لا يمت للعروبة بشيء والبساط يسحب رويدا رويداً من تحتها، وهي لحظة الذوبان الأخير في الخلطة الاستعمارية الجديدة بكافة مظاهرها.. فهل يتنبه العرب قبل فوات الأوان؟



  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 17 غشت 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا