كأيّ يوْمٍ ريفيٍّ من أيّام القرية المتشابهة .. دخلت نجاة مطبخها الصّغير، غسلت أوراق السبانخ التي قطفها زوجها الشيخ حسن يوم أمس، قطّعتها و خرجت لتشعل الحطب و تطهو الطعام. أخذت نجاة تراقب بصمتٍ أولاد جارتها أم هشام و هم يلعبون بصخب أمام بيتهم، تفكر في ابنها القادم الذي تحمله في أحشائها بعد طول انتظار، ماذا ستسميه يا ترى؟؟ أحمد أم محمد أم زكريا على اسم أبيها، تراقب العصافير التي تتنطط على الأرض المفروشة بنوار اللوز. تفكر في سفر زوجها الأسبوع القادم و تنهدت تنهيدة عميقة... فماذا عساها فاعلة ً لوحدها بدونه، ماذا ستفعل اذا فاجأها المخاض في سفره، كيف ستنام في سريرها بدونه يستلقي الى جانبها،ألف كيفٍ و كيف اختصرتها بتنهيدتها تلك.
- " السّلام عليكم ..."
- "أهلاَ أهلاً يا شيخ حسن، لقد تأخرت قليلاً اليوم، سأحضر لك الغذاء..."
- "لقد جاء الشيخ راجح الى المسجد فجلست معه بعد صلاة الجمعةِ و أخذنا الوقت..... يا ســـلام ما هذه الرائحة الزكية يا نجاة؟! سَلِمَتْ يداكي .."
- "سَلِمْتَ لي يا أبا ..."
- "يا أبا زُهْرَة انشاء الله ..."
- "ماذا! وهل سنسمي ابننا زهرة يا شيخ حسن ؟!"
تعالت قهقة الشيخ حسن على اجابة زوجته، هدأ قليلاً، رسم على وجهه ابتسامة حب و قال:
- "بل سنسمي ابنتنا زُهْرَة يا نجاة ..."
- "ابنتنا يا شيخ حسن؟! وهل تحلم بابنة؟ وأنا أدعو الله طوال الليل بأن يرزقنا ابناً يحمل اسمك و يفرح قلبك؟"
- "هدّئي من روعك يا حبيبتي، أقول لك أحلم بابنة، والله ما قلت أحلم بمسخ ٍلا سمح الله!"
- "أيّ الرجال أنت يا شيخ حسن .. عافاك الله!"
شاطت نجاة غضباً، فكّرت بوالدة زوجها التي تتمنى أن ترى حفيداً لها قبل أن يغلبها المرض و يغيبها الموت، فكّرت بجاراتها اللاتي أنجبن ذكوراً، فكّرت بأهل زوجها و ردة فعلهم اذا أنجبت بنتاً بعد انتظار طال و دام عشر سنوات، لن يفرحوا بالتأكيد، فكّرت به و بنفسها، كيف سيشيخون في هذه الحياة و تبيض رؤوسهم و تنحني ضلوعهم دون وجود ابن ٍ لهم يستندون عليه ... و هو؟؟ لايبالي بكل هذا و يحلم بزهرة!!
- "يا نجاة ... أحلم بابنة أربيها على تقوى الله، أزرع فيها الخير، أدلّلها خير دلال، أعلمها أحسن تعليم، فأحصد منها الخير و الحنان و السند عند الكبر! و أدخل بها الجنة ..."
- "و كيف تدخل بها الجنة؟"
- "ألم تسمعي يا حبيبتي بما قاله المصطفى الحبيب؟"
- "عليه أفضل الصلاة و السلام... ماذا قال؟"
- " من كان له أختان أو ابنتان ، فأحسن إليهما ما صحبتاه ، كنت أنا و هو في الجنة كهاتين ، و قرن بين أصبعيه"
- "تحلم بزهرة و اختها اذاً !!"
- "لا ..
أحلم بالجنّة يا نجاة!!! ..."
:)