العراق في الصراع بين الشرق والغرب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العراق في الصراع بين الشرق والغرب

  نشر في 21 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وفي ظل وضع اقتصادي صعب، طرحت الحكومة العراقية مناقصة سريعة التنفيذ لبيع البترول للحصول على السيولة النقدية لدفع الرواتب وسد ديونها المُستحقة. لكن لم تتقدم غير شركة واحدة لهذه المناقصة وهي ZhenHua Oli الصينية وهي شركة تابعة لمؤسسة الدفاع الصينية Norinco. وفازت شركة ZhenHua Oil بالمناقصة. تضمن عقد المناقصة أن يسلم العراق 4 ملايين برميل شهريا، أي حوالي 130 ألف برميل يوميا، ولمدة 5 سنوات للشركة المُتعاقدة، وعلى الشركة المُتعاقدة أن تدفع للعراق مُقدما مبلغا يعادل مبيعات سنة كاملة أو 2 مليار دولار. مبدئيا، كان العراق موافقا على إكمال إجراءات العقد مع الصين وخصوصا وأن وضعه الاقتصادي في الأشهر الأخيرة من 2020 كان حرجا جدا بسبب انخفاض سعر البترول وانخفاض نسبة إنتاجه له بحوالي 50% وكان لانتشار مرض كورونا فيروس وتأثيره الاقتصادي عاملا آخرا للإسراع بتنفيذ الأتفاق. وبما أن العراق يعتمد بنسبة 90% من عائداته المالية على البترول وبسبب عدم تقدم أي شركة أخرى لقبول المناقصة فقد ظهر الاتفاق مع الصين مثل عملية إنقاذ للعراق من دوامة الأزمة الاقتصادية والصحية التي يعاني منها.

أما بالنسبة للصين، وبالرغم من كونها المُستورد والمُصدر الأول للعراق، إذ استوردت من العراق ما قيمته 24 مليار دولار من النفط الخام وصدرت بضائع تزيد على 19 مليار دولار، فقد اعتبرت هذه المناقصة فرصة ذهبية لبناء علاقات إستراتيجية مع العراق ومنها زجه في مشروع طريق الحرير وخصوصا بعد فشل اتفاقيتها المبدئية التي وقعت عليها مع رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي والتي بموجبها اقترحت الصين استثمار 400 مليار دولار لبناء أو إعادة بناء الهياكل التحتية في حقول عديدة للعراق لكن هذه الاتفاقية ألغيت نتيجة للضغط الأمريكي وكذلك عندما رأى بعض الخبراء بأن العراق، وبسبب وضعه الداخلي الغير مستقر والتدخل الإيراني المُستمر في شؤونه الداخلية وعلاقاته الخارجية، سوف لن يستطيع دفع ديون الاستثمارات الصينية هذا الذي سيدفع العراق لبيع منشآته وأراضيه للصين ولحليفتها إيران. فمشروع طريق الحرير الصيني، الذي يهدف أساسا إلى زعزعة النظام الأمريكي وتحالفاته الاقتصادية والأمنية وإلى إعادة تقسيم العالم بما يخدم مصالح الصين وحلفائها، يمر بالعراق وسوريا ولبنان. فالهدف الصيني، الذي يلتقي بالهدف الإيراني، هو الوصول إلى البحر المتوسط ولاسيما إلى شواطئ لبنان إذ أن الشواطئ السورية هي تحت سيطرة حليفتها روسيا. إن التعاون والتحالف بين الصين وروسيا وإيران سيجعل مشروع خط طريق الحرير، الذي يمر بالعراق وسوريا ولبنان للوصول إلى شواطئ الأخيرة، مركزا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا مهما في مواجهة أُوروبا والولايات المتحدة وسيكون أحد عوامل الهيمنة على الطرق التجارية في البحر المتوسط. لذلك فأن الدعم الصيني والروسي والكوري الشمالي المتنوع الجوانب لإيران، والهادف ليس فقط لتقوية اقتصادها المنهار بل أيضا لسياستها الخارجية الهادفة لزعزعة استقرار العراق ولبنان من خلال الميليشيات الشيعية المسلحة، يهدف إلى خلق الظروف التي يجب أن تدفع النظام العراقي للاستسلام لإيران والموافقة على ما تمليه عليه هذه الدول المتحالفة. إن إيران ليست اللاعب الوحيد في العراق والمنطقة بأكملها إذ لا يمكن فصل ما يحدث في داخل العراق والدور الذي تلعبه الميليشيات الإيرانية عن التوجهات الصينية والإيرانية الدولية، وهي توجهات للبحث عن مراكز نفوذ وبناء قواعد لهما في العراق ولبنان واستثني هنا سوريا لأنها تحت سيطرة حليفتهما روسيا. إن الدعم الصيني الكبير والمتنوع لإيران وتحويلها إلى قاعدة مهمة يخدم أهدافها الإستراتيجية وزج العراق ولبنان في مشروع طريق الحرير سيبعد الصين من المواجهة المباشرة بالولايات المتحدة وينقل الصراع مع الأخيرة إلى إيران والدول العربية المتورطة معها. وباختصار فأن الدور الإيراني في لبنان، وكذلك في العراق وسوريا واليمن، لا يمكن أن ينفذ بدون الدعم الصيني وكذلك الروسي والكوري الشمالي.

في شهر كانون أول/ ديسمبر 2020، وافقت الصين على كل شروط المناقصة وكانت مستعدة للتوقيع على العقد ودفع 2 مليار دولار كمقدمة وكما جاء في العقد. وفي شهر كانون ثاني/ جانفيية 2021، عندما رأت تأخر العراق في الجواب، قدمت إلى وزارة الصحة العراقية هدية وهي عبارة عن 50 ألف لقاح سينوفارم ضد فيروس كورونا. ردة الفعل الأمريكية لم تتأخر إذ اعتبرت أن هذه الاتفاقية تأتي في قلب معركة جيو- سياسية على النفوذ السياسي والاقتصادي في العراق بين الصين وروسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. وقررت تمويل العراق بشكل مباشر أو غير مباشر لسد حاجاته من خلال صفقات ضخمة بين الشركات الأمريكية والعراقية لإبعاده عن دائرة نفوذ الصين وروسيا وإيران. ومنح الرئيس ترامب العراق إعفاءات لمواصلة استيراده للكهرباء والغاز من إيران على الرغم من العقوبات الأمريكية. والهدف هو إبقاء العراق بجانب الولايات المتحدة. ومنح الرئيس بايدن نفس الإعفاءات.

وقد ساعد الارتفاع النسبي في أسعار البترول الذي بدأ في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2020 التحرك السياسي والاقتصادي الأمريكي نحو العراق. فبعد مماطلات استمرت عدة أسابيع، قرر العراق، في بداية شهر آذار/ مارس 2021، تجميد الاتفاقية مع الصين ومن ثم إلغاءها. وتحسن الوضع الاقتصادي أكثر في العراق عندما أصبح سعر البرميل في بداية شهر آذار 63 دولار. وبرر العراق قراره بإلغاء الاتفاقية بعدم استقرار أسعار البترول في السوق العالمية بالرغم من أن عقود النفط الطويلة الأجل لا تستند إلى سعر ثابت بل تستند إلى معيار يأخذ في الاعتبار ارتفاع وانخفاض الأسعار. إن الحقيقة في إلغاء الاتفاقية هي كونها تمثل بُعدا استراتيجيا صينيا يهدد المصالح الأمريكية. وباختصار، فان العراق هو ليس ساحة الصراع بين إيران والولايات المتحدة بل بين إيران والصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.




   نشر في 21 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا