رسائل من المنفى (1) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسائل من المنفى (1)

إلى أمي في كل حين ومنها إلى كل أمهات العالم ...

  نشر في 10 مارس 2019 .

مساء الخير يا أمي ...

كيف حالك في هذا المساء ؟ مجدداً أكتب إليك؛وأعلم مسبقاً أنك لن تقرأينه ... ولكنه يصلك كاملاً دون كل الذين يقرأون جميعاً ...

لعلك الآن تتكئين على وسادتك القديمة و أمامك كوبٌ من القهوة و المذياع يعمل قربك بصوتٍ متزن ...جميلٌ هو المساء برفقتك؛لا بل أنت من تمنحين المساء جماله...

سأحكي لك اليوم عن مدنٍ بلا ومدن وعن ناسٍ بلا إنسانية؛ستتعجبين إن عرفتي أن قانون المدينة هُنا كلما زاد عدد الناس كلما زادت وحدتك !!

سأحكي لك شيئا يبكيك ... ولكن بالله عليك لا تبكي ... فأنا أحتاج إبتسامتك وأعلم أنك لن تبخلين بها عليّ... ومتى بخلتي ؟

هنا الناس — يا أمي — فاضت بها الأشواق؛الأشواقُ لكل شئ؛ثار حنينها حتى تدفق ... غطّت الهموم على ملامحها ... ولم تجد من تحكي له ...

لا تبكي ... أمي بالله عليك لا تبكي ... أعلم أن هذا يبكيك؛ولكني حدثتك أني أحتاج إبتسامتك...

وحينما غلبهم الهم ولم يجدوا أنيساً صنعوا لهم جليساً من العدم ... ستجديهنم يبثون أشواقهم لجدران المباني؛يقاسمون أعمدة الكهرباء حبهم والشاهد (حبر الفحم) ... إخترعوا من هواتفهم صديق؛فأضحوا يضحكون لها؛يلعبون برفقتها...وربما حدّث أحدهم نفسه...

أكتب إليك من منفاي الإختياري؛وصورتك لم تبارحني ولو لثانية...

بالصدفة شاهدت مقطعاً لأطفالٍ يغنون في برنامجٍ للمواهب ... تأملتهم وبكيت ...

بكيت يا أمي وأنا أتذكر الأطفال هنا وهم ينبشون القمامة ليجدوا لقمة تسد الرمق ...

على سيرة البكاء ونقيضه _ يا أمي _ بالأمس ضحكت حتى تخيلت أنك هنا ...

ضحكت حين طلبت من النادل طعاماً ففجأني بشئ لا أعرفه ... تذكرتك وأنت تمرحين معي حين قلت " يوما ما ستدفع لتأكل ... ولكنك لن تجد ما تشتهي "

أذكر حينها أنك كنت تلمحين إلى زواجي ... فقد تحققت نبؤأتكِ ولكن يبدو أنني تزوجت الوحدة والمنافي ...

ضحكت ملياً ...

نعم يا أمي ضحكت ... وأنا أتذكر يومها كنت أذاكر دروسي إستعداداً للإمتحانات ... كنت تسهرين برفقتي كي لا أطيل السهر ... و أنقاد لرغتبك ...ولكن يسرقنا الليل ونحن نحكي ...ونخترع القصص التي تُضحِك ... كنتُ في الواقع طفلك المدلل الذي لم يكبر مهما كبر ... وكنتِ (أمي) وكفى بك ...

نقضي ساعات الليل البهيم في الأنُس ... ويمضي الوقت ...

بالأمس يا أمي...

إستمعت بالأمس القريب لمارسيل خليفة وهو يغني "أحن إلى خبز أمي" ... إجتاحني إحساسٌ غريب؛وأنا الذي ثقافتي بالغناء العربي لا تتعدى ما يطرق أذني مصادفة ... وكأنني أسمع العود لأول مرةٍ في حياتي؛شعرت حينها أن درويش كتب هذه القصيدة لتخاطبني الآن تحديداً في هذه الحالة ... وكأنها كتبها خصيصاً ليغنيها مارسيل ...

أحسست أن ثياب اللحن فصلها مارسيل خليفة لتناسب تماماً جسد القصيدة ...

تلبَّسني اللحن قبل أن ينطق بكلمته الأولى ... لا أعتقد أن لهذا علاقة بالحنين ؛ كيف؟ سأقول لك لاحقاً ...

لم أكن مُركِزاً جيداً مع كلمات الأغنية؛بقدر توهاني في آهات اللحن الباكي ... كالعادة بكيت بدموعي البديلة ...كي لا تجف وينضب معيني؛إنتهت الأغنية ولكن سرعان ما داهمني بلحنٍ جديد وكأنه لا يريد أن يعتقني من أسر الشجن ....

ولكن هذه المرة قبل أن يغنيها قال : " نهدي هذه الأغنية لكل العرب في السجون الإسرائيلية ..." لا يهم يا أمي ...فكم فكلنا سجون ... وكم لحناً أهديناهم ماذا فعل لهم ؟ فقط ذلك ما فلحنا به..!

لكنه قال ثانيةً ما لم أستطع إحتماله :

" وأيضاً إلى كل السجناء العرب في السجون العربية " ...

شعرت أنه سيقول بعدها ... إلى نزار في منفاه الإختياري ...

غريب أنا هنا يا أمي ...غريب ككل شئ جديد في المكان ... سجين وحدتي ..نفسي؛ما عاد البكاء يجدي نفعاً؛أشعر أن دموعي البديلة هي الأخرى قد نضب معينها ...

أعلم أني أطلت عليك وأسهبت في حديثي ولكني أُوقِن أيضاً أنك تريدي ذلك ...

إلى أن أكتب لك مجدداً ...

في رعاية الله

كوني بخير



   نشر في 10 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا