كراكيب .. قصة قصيرة
بقلم/ عبده عبد الجواد
نشر في 10 شتنبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
مضى الزمان وتقلبت أوراقه سريعاً بسنواتٍ كثيرة ، وبقى الصندوق .. صندوق ذكرياتى الذى يحتوى على قصاصات أوراقى وقصصى وأشعارى وخطابات الأصدقاء والأحباب .
أوراق كانت يوما ذات قيمة ومعنى ، وكل كلمة أو خاطرة سُطِّرت عليها كانت بفكر عميق ونبضات وجدان ، ووحى جميل لم يُقَدره وقتها سوى أصدقائى وأحبابى المقربين ، واليوم وبعد كل هذا العمر والحرص على بقاء هذه الأوراق داخل صندوقى حتى لاتندثر .. اكتست أوراقى رغم أنفى باللون الأصفر وذبل اخضرارها وبهاءها ، ولم يعد يذكرها ولايذكرنى أحد ، وصرت وأنا صاحب الكلمات كلما أمسكتها واستعدت الذكريات ..أقرأ .. فأشعر وكأننى غريب عنها وهى صارت غريبة عنى .. فتلك كلمات تصف العيون قد ذهبت ، وتلك تصف أحاسيس قد انزوت ، وتلك صحيفة عملت بها يوما حيث انتفض الناس يوما لحادثة هرولت سريعا لتغطيتها ، واليوم قد نسيت ، وهذه خواطر تتحدث عن مواقف مع أصدقاء وقد غمرت صداقتهم هموم الحياة فاختفت ..و .. و..!!
أتأمل صندوق العمر وقد حرصت على أن يظل معى ، وينتقل من بيت أسرتى الى بيتى الجديد ، وعندما يراه صغارى ويسألون: ماهذا ياأبى ؟! أرانى أتلعثم وأعجز أن أقول شيئاً ، وعندما أحاول أن أتكلم :" إنها اوراق قديمة كتبتها كانت يوما تتنفس بأنفاسى وتنبض بنبضى واستطرد فى كلماتى و..و.. وأنتبه فلاأجد من يسمعنى !! فقد انصرف الصغار ولم يفهمون ومن قبلهم الكبار فى بيتى القديم والجديد واعتبروها "كراكيب" .. ذلك اللفظ الذى يطلق على أشياء ليس لها قيمة تساوى المكان الذى تشغله فى المنزل !
قَلَّبت أوراقى الصفراء التى يعلوها التراب فوجدتها قد طمست بعض الكلمات فى ثناياها من آثار السنين، أتامل الكلمات المطموسة عبثا أحاول أن أتذكرها لكى أعيد نقلها فى أوراق جديدة .. لاأتذكر |.. أمسك هاتفى .. أطلب أصدقائى وأحبابى القدامى لعلهم يذكرون ، فاذا الأرقام تغيرت ويرد أناس لاأعرفهم ولايعرفوننى !!
يرن فى أذنى صوت خطيب الجمعة :" كل مذكورٍ سيُنْسى ".. أتذكر صوت أمى: " كراكيب" صوت زوجتى: " كراكيب" نظرات الصغار البلهاء حيث لايوجد شىء لديهم يساوى شيئا !!
تنبهت على صوت ميكروفون مزعج يأتى من الشارع " نشترى الحاجات القديمة .. أى حاجة قديمة للبيع !! "
وجدتنى أحتضن صندوق ذكرياتى وأوراقى وأنا أكاد أتخيله فى الغد بين أحضان المنادى ، وبعد أن غاب صاحب الصندوق وتلاقت رغبات الجميع على التخلص من كل الكراكيب ، وكأننى لم أعش يوما فى الحياة ولم يكن لى وجود .. فقد اختفت من منزلى كل آثارى..ملابسى.. نظارتى الطبية .. حذائى..أوراقى وأقلامى !!
قتلنى شعورى القديم " حينما يمر الزمان على الأشياء ، فلا شىء يساوى شيئاً !!"
انهمرت دموعى بينما أكاد أرى البائعون يفرحون بجنيهات زهيدة لم يكن من بينها أى قيمة لصندوقى القديم !!
عبده عبد الجواد- مصر
للتواصل: عبر البريد الاليكترونى bd_gawad@yahoo.com
-
Abdou Abdelgawadرحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...
التعليقات
تطلق على من لاتجمعه ذكرى واحاسيس لتلك الأشياء ، لا يهم ،
المهم هو "نحن" اصحاب هذه المقتنيات القديمة ، متمسكين بها لأننا نعيش عليها ، نسترجع معها لحظات تمنيناها تعود ، في الوقت الذي تكون فيه فارغا يكاد الملل والروتين يقتلك ولا احد حولك ! فتأتي هي لتسد هذا الشعور السلبي ، فتنعش ذاكرة وروح المرء لتبث فيه شعورا طيبا ،
الكراكيب ... هم يرونها لا شيء ، لكنها بالنسبة لي تعبر عن حياة اجمل وافضل من اللحظة التي عاشوها هم ،
الكراكيب .... هي الشيء الوحيد الذي مهما حاولت ان تعبر عن مكانته واهميته لديك ، لن يستوعبها إلا من تعايش معها وله معها مواقف واحداث /
احببت كلماتك ، فقد شدت مشاعري ، نظرا لتناولك موضوع الكراكيب بالتفصيل ، إضافة إلى نبرة الأسى والحزن التي نقلتها إلينا بتعبيرك ، واستخدامك التصوير الحسي في كلماتك .... تحياتي ~
للحظة فقط ، هل لها أن ترجعني للحظة ،? لأكتبها من جديد ، بقلم يخط من نبض قلبي و من دم الوريد ? كراكيب عمري مبعثرة في صندوق قلبي مرتبة ، منظمة !