صراع الذات في شهر يناير مؤقت
إن يناير مؤقت رواية تحمل في قلبها عدة شخصيات، ولكل شخصية صراعها الخاص ضد العبودية وقتالها لنوال الحرية. وبالتالي ستكون لكل شخصية منهم فلسفتها الفريدة. وبناءً عليه أرى وقد أكون مخطئاً : أن الرواية فلسفية.
نشر في 12 أكتوبر 2019 .
أخشى أن تكون تجربتي الأليمة مع الغربة، هي السبب لانجذابي نحو هذا العمق من الأفكار المطابقة لتجربتي. يعني بالعامية: خايف إن تأملاتي تكون ناتجة عن معاناة، مش عن ذكاء وعمق.
ومع ذلك سأتكلم.
مؤلف يناير مؤقت بدأ روايته بمشهد افتتاحية أوبرالية، مشهد منفصل تماماً عن باقي الرواية، منفصل مكانيا ومنفصل زمانيا ومنفصل سرديا.
افتتاحية مكونة من 5 صفحات ، عن ليلة اغتيال الطاغية أثناء عرض مسرحي أوبرالي، وعن فشل محاولة اغتياله، وعن الفن والموسيقى، عن الجبروت والطغيان، عن الخوف، عن المواجهة. 5 صفحات فيهم كل شيء، حتى قلت لنفسي : يستحيل فصل هذا المشهد عن الرواية. (لن أتكلم عن تأويلي للإسقاط الرابط بينهما، لأنها مسألة تذوق تختلف من قاريء لآخر)
- من الصعب جداً أن تعترف بأن سعادتك في الاختيار الصحيح. هكذا تكلمت يناير مؤقت.
الحرية هي الاختيار الصحيح، وهي القضية نفسها التي تمثل معاناتي ومعاناة الملايين، وهي القضية نفسها التي ناقشتها الرواية حتى أنني كنت أحلم بالرواية أثناء نومي من شدة التأثر بها.
رواية يناير مؤقت تشبه السجن، الأيام الأولى في السجن، ولكن فجأة يتم إعلان برائتك، ويقول قائل : هيا، أنت الآن حر، فلننظر إذن كيف تصنع بحريتك؟!
وسألت نفسي : هل سيفهم الجميع يناير مؤقت؟ .. الرواية -من وجهة نظري- هي أعمق من ثورة على نظام حكم طاغي .. تلك الرواية ستؤلمك وتضربك بعبارة أليمة : تحرر أيها العبد.
تحرر وعش مع من تحبهم.
تحرر ولا تطمع ولا تجشع.
تحرر ولا تخاف من طاغية.
تحرر ولا تخاف من العدم.
تحرر ولا تكره أحد.
تحرر وكن أنت كما تريد أن تكون.
لا يمكن تجلي الأنوثة في حياة تحكمها حكمة البندقية والعبودية.
الحياة أقصر من أن تضيعها في حياة أنت لا تحبها.
الاختيار الصحيح له عواقب أليمة، وبعبارة أخرى سنقول أن الحرية ثمنها فادح.
خلال مقاومتك للاستعباد، وجهادك لنوال حريتك، لا يمكن أن تستغنى عن قوة الفن.
وتلك المتلازمة الشفوية المرتبطة بالأزمات الزمنية، فمثلاً : هذا يوسف الراوي في يناير مؤقت، تطل علينا صورته في الافتتاحية بشكل الراوي المشارك في الأحداث، ونرى ذلك الشاب المغترب الذي يلعن كل شيء يقف ضده، حتى أنه يتهم العالم بالتآمر ضده. بأسلوب الكاتب سوف ترى هذا الشاب بعد عودته من الغربة، وقد فارقته متلازمة لوم العالم! وهنا استطاع الكاتب أن يقوم ببناء منحنى نفساني لبطل روايته.
وبرغم أهمية الجانب الثوري والسياسي في الرواية، إلا أنني لن أتكلم عن أي جانب منهما . . أنا لا يعنيني إلا البناء النفسي لكل شخصية، والتغيرات النفسية لكل شخصية، وكما قلت آنفاً : لكل شخصية متلازمة شفوية مرتبطة بأحداث معينة وسوف تتبدد المتلازمة بتبدد الأحداث. وكذلك أيضاً سترى لكل شخصية وسواس قاهر يطاردها، ويكون ذلك الوسواس مرتبطاً بأحداث ما، ويتبدد بتبددها. وبمهارة فارس شجاع وجدت أن الكاتب قد أتقن بناء الجانب النفسي خلال قتال كل شخصية لتكون كما تريد.
ويحمد أيضاً للكاتب مذهبه العميق إذ أنه لم يجعل الرواية وكأنها حرب بين شياطين وملائكة .. وإنما أظهر بقوة آثام الضحية، حتى أن الأمر يكاد يلتبس عليك فتظن أن الآلام كانت تكفيرا عن الآثام!
إن يناير مؤقت رواية تحمل في قلبها عدة شخصيات، ولكل شخصية صراعها الخاص ضد العبودية وقتالها لنوال الحرية. وبالتالي ستكون لكل شخصية منهم فلسفتها الفريدة. وبناءً عليه أرى وقد أكون مخطئاً : أن الرواية فلسفية.
وشكراً لعمرو جنيد على خمس سنوات من العمل على بناء هذا العمل الفني جداً. حتى أن الافتتاحية وبالمصادفة خرجت مكونة من 5 صفحات! وهي مصادفات الصادقين.
-
ragab-sayedممثل مسرحي وكاتب مقالات نقدية وقصص قصيرات، ذواق للفنون.. أعيش لأتعلم كل يوم شيء جديد.