سلطة اللغة و صراع المعاني - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سلطة اللغة و صراع المعاني

  نشر في 01 أبريل 2019 .

يمكننا القول إن اللغة بوصفها، شكلاً من أشكال الممارسة الاجتماعية هي جزء من المجتمع، وهي أيضاً صيرورة اجتماعية، أي مشروطة بالجوانب غير اللغوية من المجتمع. واللغة سلطة تشريعية، اللسان قانونها. حيث إننا لا نلحظ السلطة التي ينطوي عليها اللسان، لأننا ننسى أن كل لسان تصنيف، وإن كل تصنيف ينطوي على نوع من القهر تعني في الوقت ذاته التوزيع والإرغام. فالطرف الأقوى هو الذي يفرض مفاهيمه وتعريفاته وتأويلاته على عقول الآخرين.

ومما لا شك فيه أن اللغة باتت تشغل حيزاً له أثره العميق في الحياة الاجتماعية، فاللغة كما ينظر إليها ليست بنية مستقلة، بمعنى أنها مجرد نظام من الجمل، بل اللغة بوصفها خطاباً، وبكونها حدثاً، وعلى نحو مماثل لا يتكون المجتمع من فسيفساء أفراد ينظر إليه في إطار بنية متراصفة بل بوصفه تكويناً ديناميكاً من العلاقات والممارسات التي يشكلها إلى حد بعيد الصراع على السلطة، فأصحاب المهن على سبيل لا ينتظمون في نقابات فحسب بل في مؤسسات تتشكل أغراضها الإيديولوجية عبر تلك العلاقات ويتم تمييزها من خلال تلك الخطابات المعينة.

ومعنى ذلك أن هناك علاقة وطيدة بين الإيديولوجيا والمعاني العامة للغة، فاللغة هي مستودع الإيديولوجيا التي تلقي بظلالها على المعاني المطروحة في الواقع الاجتماعي، مما يعني أن لها سلطة في التنظيم الاجتماعي وتشكيل وعي الأفراد ووجهات نظرهم نحو مواضيع بعينها، وبالتالي فإن مقاومة الإيديولوجيا أو على الأقل تنقيتها من الشوائب، لا يتأتى إلا بتشكيل اللغة مرة أخرى أي إعادة بنائها.

وهكذا أن اللغة تعتبر نضالاً من أجل السلطة بين المعاني المتعددة، التي تدور حول السيطرة والصراع في الحديث، حيث لا يبدو الأمر بهذه البساطة على أنه مجرد اختلاف في الرأي بين أطراف الحديث، بل يبدو على أنه كفاح من أجل السيطرة، أجل أن يسيطر طرف على الآخر، من أجل تحقيق أهداف أو غايات فردية خاصة عن طريق التغيير والتحويل في المعاني اللغوية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه. كيف يمكننا التخلص من الهيمنة الإيديولوجية اللغوية والصراع على المعاني بهدف الاستئثار بالسلطة؟

في هذا السياق يرى يورغن هابرماس Jurgen Habermas أن حل هذه المشكلة يتأتى من خلال نظريته حول الفعل التواصلي المرتكز على العقلانية التواصلية التي تمارسها ذات قادرة على الكلام والفعل بهدف التوجه نحو التفاهم بين الذوات، الذي يستطيع وحده أن يجنبنا اللجوء إلى العنف. فالفعل التواصلي هو الذي يحدد العلاقات داخل مجالات عمومية قائمة على المناقشة والحوار متخذة من المبادئ الأخلاقية أساساً لها، أطلق عليها هابرماس أخلاقيات المناقشة. التي تحكم العملية التواصلية حسب معايير متفق عليها. بمعنى أنها ( أي أخلاقيات المناقشة ) ليست مذهباً ولا نسقاً من القيم والمعايير الجامدة أو الثابتة، والدليل على ذلك، في أنه إذا تشكك أحد المشاركين في العملية التواصلية في الدقة المعيارية لتعبير ما، أو إذا تعرضت أحد ادعاءات الصلاحية للشك، أو لم يستطع المشاركون في التواصل تبريرها أو الدفاع عنها بالحجج العقلانية، فإن ادعاءات الصلاحية نفسها تصبح موضع سؤال، مما يؤدي إلى اختلال التواصل أو توقف، وفي هذه الحالة لا بد للمشاركين في التواصل إعادة فحص تلك الادعاءات من جديد ومراجعتها مراجعة نقدية لتصحيح أخطائها، ومعنى ذلك أن العملية التواصلية تخضع لما يسمى بديمقراطية الحوار، مما يؤدي إلى القضاء على صراع المعاني نتيجة اختلاف الرؤى الإيديولوجية باختصار شديد.

الله من وراء القصد وهو يهدي السبيل 

نحو علم اجتماع تنويري/  د. حسام الدين محمود فياض


  • 2

   نشر في 01 أبريل 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا