كنت صغيرة ورعناء آنذاك لازلت في السادسة من عمري وأناأحاول الآن استرجاع الذاكرة. استحضرت أمامي تحلقنا حول مائدة الطعام أنا وعائلتي الصغيرة، أذكر تلك الأيام كما لو انها كانت حلما وانقضى... أذكرها وأذكر معها قناة الجزيرة التي وشمت طفولتي ... أذكر مذيعيها ... أذكر الجميلة خديجة بن قنة قبل ارتدائها الحجاب ... أذكر رنة القناة قبل إعلان الحصاد اليومي... كانت الجزيرة هي الأولى ومن بعدها تأتي قنوات أخريات ... كيف لا وهي سيدة المصداقية!. جرت بي الذكريات ونسيت تتمة تحلقنا حول مائدة الطعام... حلقة يعلوها صوت الأخبار بصوت جميل عازر ... وأحيانا مراسلات أكرم خزام التي اعتدنا تقليدها أنا واخوتي . لاأنسى كيف كانت امي تسرع الخطى كل ثلاثاء بعد العمل حتى تشرب قهوتها رفقة فيصل قاسم والاتجاه المعاكس ... ولا كيف كان يتفاعل والدي مع برنامج سري للغاية الذي كان بمثابة مصدر الأخبار التي لاريب ولاجدال فيها. اذكر مشهدا ظل معي إلى الآن ... يوم مقتل محمد الذرة؟ ظللت مصدومة مقهورة وأنا طفلة لم يتجاوز عمري ثماني سنوات ... لم افهم أنذاك وزن الكارثة ... اختزلت المشهد في قاتل ومقتول، لكن المسألة كانت أكبر من هذا، يومها عرفت الحزيرة وعرفت ازمة العالم العربي ... يومها عرفت أنه وفي الجهة الأخرى من الكرة الأرضية ارض اغتصبت وأطفال يتمت وأسرى خلف القضبان لقولهم كلمة حق!. تمر السنين وحالنا ظل كما هو لم يتغير مع هاته القناة التي تنقل سفك الدماء صباح مساء إلى أن خذلتني مشاعري الهشة وجعلت طبيبي يسطر عن الأخبار بخط أحمر. كنت حينها قد وصلت مرحلة البحث عن الحقيقة، فأنا لم أعد اعرف الخطأ من الصواب ... وصلنا مرحلة انهرنا فيها نفسيا فالعالم صار عبارةعن دوامة من الحروب لا تنتهي ... تخليت عن الجزيرة وأصبحت ضمن قائمة المحضورات بعدما بلغ السيل الزبى ... بعدما تفاقمت أزمة العالم العربي ... تخليت عن همومنا لكن الجزيرة ظلت صامدة ... ظلت صاحبة شعار الرأي والرأي الآخر ... كانت ولا زالت رائدة العالم العربي... #الجزيرة