الأولُ سعادةً .. السابعُ انتحاراً في العالم
نشر في 30 ماي 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
( الأول سعادةً السابع انتحاراً في العالم )
في سنة 2014 .. لفت نظري إلى خبر حصول (الدانمارك) على المرتبة الأولى سعادةً في العالم ، لكن
ما لفت نظري أكثر هو أنّ هذا البلد الإسكندنافي يتبوّأ كذلك مرتبة جدّ مشرفة في عدد المنتحرين عالميّاً ، وهذه
مفارقة غريبة وعجيبة ، حيث أنّه من البديهي و المنطقي أن تحتلّ (الدانمارك) المرتبة السفلى في عدد الانتحار
مادامت هي الأولى و الأكثر سعادة في العالم ، حيث انتقلتْ من مرتبة (27) حسب إحصائيات 2001 إلى المرتبة
السابعة حسب إحصائيات 2013 .. تأمّلتُ جيداً في هذه المعادلة المريبة ، تأمّلت جيّداً في مفهوم السعادة
و أيضاً في مفهوم الانتحار كي أفكّ من عالم التناقض لغزاً ما يربط بينهما ، و بالفعل تذكرتُ مصطلحاً شامخاً
يقف بينهما كخطٍّ للتّماس ، نعم إنه مصطلح (الفطرة) هذه التي تقف كلسان الميزان بين كفّتين عند الإنسان ، كفّة
الجسد وتوابعه وكفّة الروح وقيمها ، فإشباع الغريزة بكلّ ما هو مادّي مقابل الخواء الروحي يتحوّل معه
الإنسان مهما كان عرقه أو لونه إلى مجرّد طاقة عبثيّة تنتظر لحظة الانفجار الذي يأخذ شكل الانتحار ، فالسعادة
المادية و الضمانات الاجتماعية المتنصّلة عن ضوابط الروح وقيمها هي سعادة في مهبّ الريح لابدّ أن تدفع الإنسان
إلى التفكير في إقصاء ذاته ليستريح ، فتصوّرْ معي بلداناً تحت خطّ الفقر ومع ذالك نسبة الانتحار فيها متدنّية جدّا
رغم الغموض و اللبس الذي يعتري كثيراً من و قائع الانتحار في هذه الدول حيث هناك الكثير من جرائم القتل
تُلبسُ بلباس الانتحار .
إنّ الذي خلق العباد هو العليم بأحوالهم ، وهو الخبير بحاجاتهم جعل لهم في الجسد و الروح بوصلة الفطرة
التي يهتدون من خلالها إلى حقيقة آدميتهم .. حقيقة بشريّتهم .. حقيقة إنسانيتهم .. وصدق جل في علاه :
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) صدق الله العظيم .
بقلم : تاج نورالدين .
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...