الإنحدار نحو الضباب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإنحدار نحو الضباب

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 17 يونيو 2020 .

الإنحدار نحو الضباب

..هيام فؤاد ضمرة...

في هذه الأيام التي ينقلب بها الحال العربي منقلب الطاعنين بالذل والهوان، والسالكين في دروب الخيبات المتلاحقة، والمنهمكين في الإنهيارات الصاخبة الدالة بأن شمسهم على وشك الأفول غير المأسوف عليهم، في أحيان كثيرة لا تستطيع مقابلة تخبطهم الأرعن إلا بالضحك حدّ الانقلاب، وقد بات فيهم فئة العرب وليس الغرب أو العجم يرتكبون حماقات التزييف والتلفيق بصورة سخيفة من خلال استئجار أبواق الخيبة من أدنى الحثالات الجاهلة، فيستخدمون مصطلح الإرهاب والعنف، للدلالة على النضال الفلسطيني الشريف من أجل تحرير الوطن السليب من الاحتلال الصهيوني الغاشم، أو من أجل التحصيل على الحقوق الإنسانية الطبيعية لفلسطينيي الداخل، وفي وعي أذهانكم لكم أن تتساءلوا ما الذي يسيء منقلب العرب أكثر مما هم فيه من هوان فاق ما وصلت إليه الأمة العربية في كل مراحل تاريخها المرير، حين تخبطوا خلالها بأذل الهوان كعهد التتار في بغداد، وعهد الطوائف في الأندلس، وعهد الهجمات الصليبية وانهيار ولاياتهم تباعاً في بلاد الشام وصولاً إلى فلسطين مطمع كلاب الغرب الضالة.

فمع التهافت الخليجي على الارتماء في أحضان دولة الاحتلال والسعي الحثيث نحو التطبيع معها وفتح جسور التعامل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وقبولها كدولة شرق أوسطية جارة وصديقة رغم كونها أصلا تكونت من قطعان احتلال ولم تأتي عن دولة احتلال لها وطن وتاريخ، ورغم بعد حدودهم عن حدودها،

وصار لزاماً علينا أن نغسل أذنينا كل حين من صديد أولئك الخارجين عن دينهم ودنياهم، وكرامتهم وانتماءاتهم العربية، والمسلوخين عن جلود أصلابهم وعن خلق الأشراف وطبع الأحرار، وهم يطلون علينا بوجوههم المشوهة، ومنطقهم المريض، مجرد أفراد خسيسة ضمن مجموعات من صنف من وصفهم القرآن الكريم بالمنافقين والخائنين والمتردية قيمهم الأخلاقية وقيمتهم الإنسانية، ممن عرف فيهم من طبع السخافة والسماجة والجهالة، من أشكال الذباب الحائم على أذناب (البهائم)، ليلوثوا أسماعنا بالنهيق والنعيق والخوار والنعيب والنحيب، كعادة الطبول الفارغة التي تمنحك صوتا مطنطناً يتردد من قاع فراغ مجوف، فيأتي صوتهم المزعج للأسماع وهم يتقولون كلاماً مشوهاً غبياً رخيصاً مفتعلاً، أقرب ما يكون إلى الضجيج وإلى فوح الرائحة النتنة المزكمة للأنوف، واهمين من يحركوهم بالرموت كونترول عن بعد أنهم بهم إنما يحدثون صدمة للعقول ولوثة للجهلاء

فإسرائيل اليوم تعيش مواسم شهر عسلها بالتكرار الممل مع دول الخليج واحدة تلو الأخرى من أولئك اللائي آلوا على أنفسهم التحرر من قيود عروبتهم وهويتهم، وخلعوا برقع تراثهم وكشفوا وجوههم بالشكل السافر بجرأة ودون أي تحرج أو كسوف، والمجازفة بسمعتهم ومواثيقهم وعلاقاتهم الإنسانية والتاريخية مع آخرين يستهجنون ما باتوا يمارسونه دون وجل أو خجل.

وواضح أن نتنياهو نجح فيما لم ينجح به سابقوه من رؤساء دولة الاحتلال، وتقدم خطوات واسعة في ترسيخ قاعدة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بلد الاسراء والمعراج، من خلال الضغط على ترامب وفريقه السياسي والاقتصادي والعسكري، لتحقيق مكاسب استعمارية جديدة على أرض الواقع لدولة الكيان الصهيوني الاحتلالي فوق أرض فلسطين من جانب آخر.. والضغط بكل الوسائل الممكنة على الحكام العرب جميعهم وحكوماتهم من خلال ترامب نفسه، فقد وجدوا فيه دليلهم المرن لاتخاذ خطوات الدفع قدماً في مسألة التطبيع مع حكوماتهم وتبادل السفراء، والتبادل الثقافي والتجاري في العلن، دون الهياب من ردود الأفعال من جانب الشعوب، فالشعوب بعد السعي الحثيث بالتعاون مع حكوماتها لتفقيرها، باتت مشغولة في البحث عن وسائل رزقها.

ودولة الاحتلال التي قدمت لأمريكا ولترامب كافة وسائلها العبقرية للسيطرة على الواقع العربي وسوْقه لإرادتها الاستعمارية بالتوسع على حساب الأرض العربية لم يأتي من فراغ، ولن ينتهي إلى فراغ، ففي أعقاب التخلص من دول المعاندة العربية وحكامها فقد باتت الأرضية مبلطة بالبلاط الزلق وهناك وسائل جاهزة لزحلقة من يغامر من الحكام وانهاء وجوده وفق خطط جهنمية توافق العقلية الشيطانية المعروفة باليهود، ولهذا اتخذ العرب موقعهم الجانبي في الظل وتركوا أصدقاء اليوم الجدد يسرحون ويمرحون كيفما اتفق لهم، على أن يظلوا هم بالمقابل في مأمن.. فلأي مدى يظنون أنهم فعلاً في مأمن، وكأنهم غافلين عن التاريخ أو عن حجم مطامع العدو الذي انقلب في ذهنيتهم إلى صديق مقرب

واليوم واسرائيل تعلن عن خطتها لضم أجزاء من الضفة الغربية إلى سلطتها مستغلة زمن الهوان العربي وانشقاق كل أشكال لحمة الدم والتاريخ، يدفن حكام العرب رؤوسهم بالرمل ليتظاهروا بعين لا ترى وأذن لا تسمع، يتدارون بهوانهم الذليل غير معنيين بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، ومن امتلك الشجاعة منهم لأن يطلق صوته مبدياً رأيه نراه حذرا بعباراته على أي وجه يطلقها خوفاً أن يمس الحساسية الاسرائيلية أو الأمريكية فيثير غضبهما خشية انتقامهما الشيطاني المحترف.

واضح أن هناك توافق متفق عليه بين الجانبيين الاستعماريين الأمريكي والاسرائيلي، على تقسيم الغنائم بين أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط، وليس بين أمريكا ودول التحالف كما كانت عليه الحصص، على أن تكون حصة اسرائيل باغتنام الأرض وابتلاعها مرحلة تلو أخرى، والتوسع وتحقيق الحلم الأكبر الذي يعرفه جيدا العرب والعالم أجمع، ويتخذون جانب الصمت رغم ذلك وكأن في آذانهم الصمم وفي عقولهم سوء الفهم، فيما أمريكا تريد الحصول على المواد الخام والأسواق وحركة المال ومشاريع الإعمار، ونثر بعض المشاريع على دول التحالف لضمان استمرارية دعمها، فتم توريط بعض الدول المنافسة في دخول الدور العسكري غير المتكافئ لإشغالها عن الصفقات القائمة في الجانب الآخر من ألاعيب الشيطان الأكبر.

ولطالما نظرت أمريكا وحليفتها الشيطانة نظرة الترهب من الجماعات والأفراد الثوريين على أن الخوف منها يكمن في كونها جماعات شبحية غير واضحة المعالم وبالتالي يصعب القضاء عليها، وأن محاربة الدول أسهل كثيراً من محاربة الجماعات النضالية، ولهذا ابتدعت داعش وأشباهها لاستقطاب الثوريين وصيدهم بمصيدتها، ومن ثم التخلص منهم بطرق تبدو لغير العارفين مشروعة ضمن مشروع الحرب على الإرهاب، والإرهاب الحقيقي كامن بها هي وبنظامها الاستعماري العنصري، وألاعيبها الشيطانية التي تتقن رسمها دولة الاحتلال في فلسطين وتضعها كحلول جاهزة أمام القيادة الأمريكية التي تبدي سعادتها بهكذا علاقة كونه متوافق جداً مع سياستها وسيادتها.

برز مصطلح (الشركاء بالمنطقة) عند بني صهيون في سبيل اتقاء فضح المستور من علاقات التقارب بين حكام الخليج وحاكم دولة الاحتلال، وتم الاتفاق على جعل أكبر دول الخليج في خاتمة المعلن عنهم على الملأ، لكن حتماً لن تخفي اسرائيل أوراق نجاحها فترة طويلة وهي التي تريد الاحتفال بقدرتها على إركاع العرب على ركبهم، ولم يتوانى رئيس وزراء دولة الاحتلال السابق ايهود اولمرت بالمجاهرة برغبتهم بجعل العلاقات والاتفاقيات بين السعودية واسرائيل سرية بالوقت الراهن، في سبيل انجاح العلاقة الجديدة، لكنه موقن أن هذه العلاقة ستتوج قريبا بزيارة أحد القيادتين باتجاه الآخر، حينها ستنتفي الحاجة للسرية، لأن الاجتماعات بين قادة دولة الاحتلال وقادة عرب من كل صوب وحدب ما زالت تجري حثيثا بشكل هاديء ويعتقد أنه بالوقت المناسب ستخرج للعلن، فالتقارب يجري حالياً دون اعلان، لكن دولة الاحتلال تريد كل شيء بالنور، حتى تعد نفسها للمرحلة التالية بعد هذه الخطوة، ولا ترى أنه لزاماً عليها الانتظار أكثر مما انتظرت.

في الوقت الراهن تجاوزت أمريكا مطالبها بالتطبيع العربي مع اسرائيل بعدما تحقق لها ذلك ولم يعد يدخل في محادثات اليوم، فهي قد حققت قناعات عربية كافية لفتح أبواب المشاركات، فكل شيء بات يجري على مرأى ومسمع الشعوب العربية، وليس من شيء مثير للتخوف كما كان سابقا يؤخذ بالاعتبار، فسياسة التفقير وعظم حجم الفساد الإداري والمالي والمشاكل التي تم افتعالها لخلق أجواء الاختناق والضغوط، جابت نتائجها في لجم غضب الشعوب أمام هجمة الكثرة من السلبيات التي تطال حقوقهم ومعاشهم،

تظل المعضلة الكبري بالفلسطينيين الذين ما من شيء يجعلهم يتنازلون بالسهولة التي تنازل بها العرب، ولن يتمكن أحد من منع انفجار ثورتهم بكل الأحوال، والخوف منهم ليس وهما ولهم خبرة عميقة بالنضال وبالأساليب الثورية ذات الأثر العظيم، كما يمتلكون قوة نفسية هائلة في المجابهة والتحدي، وانقسام الجبهة الفلسطينية ما زالت تشكل معضلة في الذهنية الاسرائيلية، وهي تخشي أن ليونة جماعة فتح قد لا تجد الصدي المطلوب أمام صلابة موقف غزة الأبية، فغزة ستحول بكل ما تستطيع دون الوصول إلى تسوية ترضي اسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، أوعلى حساب الشعب الفلسطينيي، أو على حساب الأرض الفلسطينية، وسترفض التنازل عن الأساسيات التي تطالب بها كتسوية بأي حال.

تظل المعضلة الرئيسة والتي يخافها الفلسطينيون أنفسهم هي الخيانات، من أصناف المنقلبين على أمتهم ووطنهم وعروبتهم وحتى على هويتهم مقابل الأجر المادي والوعود الشخصية وسلامة المواقع التي يحجزونها، تماما مثلما كانت تعاملت أمريكا ومن لف لفيفها ممن يهيئون لها الأرضيات ويختارون لها الأشخاص المناسبين والمهيئين للأدوار القميئة، كمثلما حدث مع القضة العراقية والسورية والليبية وسواها، الخيانة كانت السبب الرئيسي في سقوط وخراب كل منها، خرابا تدميريا لا نهضة بعدها، فالخيانة كتيمة وطنية تعتبر أم الجرائم الصفيقة والممقوتة التي تتسبب في خسارة المعارك والقضايا الكبرى مهما بلى أهلها من أجلها شرفا وتضحية، وفي القانون الانجليزي اتخذت بريطانيا أبشع العقوبات لهذه الجريمة لما لها من أثر تدميري مفرط، هو الإعدام بطرق وحشية طويلة العذاب كقطع الرأس والسحل والسحب على آلة السحب أو الإرباع والحرق، وإن أصل الخيانة كانت خيانة يهودا الاستقربوطي للمسيح، فالصهاينة يدركون حجم الورقة التي يلعبون بها.

والتاريخ أرسل لنا الكثير من أمثال الخائنين الذين كان الغرب يعتمدون عليهم في تغيير مصير الأمم والدول، لكنهم بعد تسليمهم ثمن الخيانة كانوا يلقوهم بعد ذلك في الخلفيات المعتمة كونهم للمهام القذرة لمرة واحدة فقط. لا يؤتمنوا لأي دور آخر، فمن يخون أهله ووطنه يخون الغريب بكل بساطة إذا ما لاح له المكسب المادي الأكبر، لهذا لا يستخدم الخائن إلا مرة واحدة فقط.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 17 يونيو 2020 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا