تحت ظل العرش 8 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تحت ظل العرش 8

قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ

  نشر في 11 ماي 2018 .

و أفضل الآلاء يا رب أنك من عدم خلقتني .. و أجمل النعم في الخلد أنك أنت اللهُ


اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن عبدا يؤتى به يوم القيامة ، عُريانا ، على رؤوس الأشهاد فيوقفُ أمام المليك ، و ينصبُ له مائة سجل ، كل سجل كمد البصر كله مخاز ، فيقول المليك : 

أي عبدي ، فعلت كل هذا ؟ 

فيقول العبدُ : نعم يا رب 

أي عبدي ، هل ظلمك كتبتي الحفظة ؟ 

فيقول العبدُ : لا يا رب ..

فلما أن يحس العبدُ بأنه هلك ، يقول المليك : إني لا يظلم اليوم عندي أحدٌ ، و إن لك عندنا بطاقة ، و يأمر الملائكة : هاتوا بطاقته ! ، فيأتي الملائكة ببطاقة مكتوب فيها : لا إله إلا الله فينصب الميزان ، و تكون مخازيه كثل الجبل في كفة ، فيقول العبدُ :

أي رب ، و ما تغني هذي البطاقة مع مخازي و معاصي ؟

فيضع الملائكة البطاقة في الكفة المقابلة ، فترجح الكفة ، و ذلك لأنه لا يرجحُ باسم الله عز و جل المليك شيء ، حتى لو كانت معاصي العبد مثل زبد البحر . فيقول المليك : يا ملائكتي خذوا عبدي إلى الجنة ! 

اللهُ رحيم يا رحمني الله و إياك ، و لا يرضى لعباده النار ، لا يرضى أن يعذب خلقه ، و عذابه رحمةٌ ، ينقي بها الذهب من الشوائب و المخازي حتى إذا نقي ، أدخل النعيم المخلد ! 

و رحمتي وسعت كل شيء .. اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن للمليك عز و جل مائة رحمة ، أنزل رحمة من المائة إلى الأرض فبها يتراحم الناس و الدوابُ مذ خلق الله آدم صلى الله عليه و سلم ، إلى قيام الساعة ، حتى أن الدابة لترفع حافرها على صغيرها بها ، و تعطف الضواري على بعضها البعض بفعل هذه الرحمة ، و اذخر المليك ، تسعا و تسعين رحمة ، ليوم القيامة ، حينما يجتمع الخلائق للحساب ، فينشرها على خلقه ، حتى أن إبليس عليه من الله ما يستحق ، ليتطاول برقبته ، طمعا في أن يُرحم ، و أنا له ذلك ! 

و الغريب يا رحمني الله و إياك ، أن بعض البشر المحتاج إلى رحمة الله ، لا يرحم أخاه ، فتجد بعضا ممن أنعم الله المليك عز و جل بالإستقامة ، ينظرون إلى العصاة ، باستعلاء و تكبر ، كأنه هو مستقيما وُلد ، و إني حينما كُنت في بلاد الألمان البعيدة ، عايشتُ قصصا كثيرة ، لشباب كانوا فُساقا ، يسرفون على أنفسهم ، و تابوا بسبب كلمة ، كانت قلوبهم حينما خرجت من في قائلها لها مفتوحة ، فأصابتهم في رحمة ! و منهم من أسلم بآية سمعها ، و إني قاص على مسامعك قصة ، عشتها بنفسي ، و الله على ما أقول شهيد ، قصة ستظهر لك رحمة الله و تجليها ..

في فصل الشتاء تكسو ألمانيا مسحة من جمال أبيض بارد جدا غير أنه لذيذ .. البياض يستولي على كل

شيء ، وحدها أشجار الصفصاف تقف على عريها صامدة كعملاق يأبي الفناء ..

يوم الأحد يكون في هذا الفصل فرصة للألمان من أجل الإختلاء بكتبهم ، أمام مدافئهم ، و مراقبة تساقط حبات الثلج التي تزين هذا البلد الجميل بعد أسبوع من العمل المتواصل .. شعب يقدر العمل ، و يقدره العمل

.. و فرصة له هو من أجل عيادة بعض أصدقائه الذين فيالمسجد عليهم تعرف .. اختار اليوم زيارة صديقه بدر ، ذياك الرباطي البشوش ،ذو اللحية الكثة و الإبتسامةالأخاذة ..

استعد للبرد بملابس كثيفة ثم خرج .. الشارع خال إلا من بعض المارة ، و سيارات الشرطة ، و الميترو الذييشق الشارع الكبير الموالي لمكان مسكنه ، و إن المرء إذا أغمض عينيه ، ليخال نفسه في رواية من روايات غوته ، أو كافكا .. إنه يعشق الشتاء في ألمانيا فقط من أجل هذا البياض !

استقل الميترو ، فاعترت وجهه عند الصعود موجة من دفئ لذيذة ، أنسته البرد في الشارع .. و هكذا هي كل ألمانيا في الشتاء المحلات كلها مكيفة ، في وجه شارع يرفل في البرد .. وصل إلى منزل بدر رن جرس العمارة فأجابه بدر :

يعقوب ؟

ـ نعم أنا هو ، هل أصعد ؟

ـ بل أنا سأنزل إليك ، أريد أن عرفك شخصا سنذهب عنده

ـ حسنا أنا في انتظارك

الحق أن بدرا كان شخصا يحمل في قلبه حبا كبيرا له ، و إنه ليذكر أنه و في يوم صارحه بحبه له في الله عبر رسالة هاتفية ، و لما أراد يعقوب أن يتصل به شاكرا معبرا له عن حبه له في الله أيضا وجد هاتفه مغلقا لا مجال للإتصال به ، و حينما سأله عن ذلك فيما بعد أخبره أن خجلا شديدا اعتراه ، و أنه لأول مرة يصارح أحدا بالحب في الله ، و أنه وجد في قلبه حلاوة لايقدرها الوصف

ـ كيف حالك أيها البطل ؟ قال بدر ، فاتحا باب العمارة ، و في يده هدية ، و قبل أن يجيب يعقوب أردف

ـ هذه هدية للشخص الذي سنزوره الآن ، اسمه ميمون ، و ستعرف لماذا طلبت منك أن نزوره

ـ حسنا ، الحمد لله على نعمه ، كيف حالك و كيف حال زوجتك الحامل ؟

ـ الحمد لله يا صديقي كل شيء على ما يرام ، سنستقل الميترو إلى وسط المدينة ، ثم

نغير الوجهة في خط آخر ، إنه يقطن في منطقة غاربسن

ـ أوه ، إنها لمسافة ، و لكني متشوق منذ الآن لمعرفته

في منطقة غاربسن و في حارة من حواريها كانت عمارة عتيقة تقف على حافته ، رن بدر زرا من أزرار أسفل العمارة ، لم تمر إلا ثوان حتى أجاب شخص بألمانية فصيحة تدل أنه من مواليد ألمانيا

ـ السلام عليكم من معي ؟

أجابه بدر

ـ بدر و يعقوب

أجاب الصوت و إنا لنميز الفرحة بين ثناياه :

ـ الله ، مرحبا و أهلا و سهلا ، اصعدا فتح باب العمارة ، صعدنا ، إلى الدور الأول فوجدنا صاحب الصوت ،صافح بدرا ، و قبل أن يمد يده التزمه و عانقه قائلا :

ـ لا بد أنك يعقوب .. كلمني بدر عنك ، و إنك تماما كما تخيلتك

لم يكن من بد من مداراة دهشته بما حدث فأجابه بنفس حرارة خطابه :

أهلا سيد ميمون ، هذا اسمك صحيح ؟ تشرفت جدا بمعرفتك

التفت إليهما ميمون بعينين تقطران فرحا ثم قال :

ـ هيا تفضلا

دخلا إلى غرفة الضيوف التي كانت مزينة بأثاث مغربي لا تخطؤه العين فسأل

يعقوب ميمونا بالألمانية :

ـ هل تحب الثقافة المغربية سيد ميمون ؟

اتبسم ميمون ابتسامة جميلة ثم قال :

ـ بل أنا من أصول مغربية من ريف المغرب

ـ الله الله ، مرحبا بابن البلد

ـ هيا اجلسا

أخذا مقعديهما ، و لم تمر إلا ثوان حتى نادته زوجته من وراء حجاب أن صينية الشاي جاهزة ..

كان السيد ميمون ذا عينين تشبهان عيون اليابانيين شيئا ذو أصول مغربية من الريف

بعد أن احتسيا بعض الشاهي ، قال بدر :

ـ يعقوب ، السيد ميمون يريدك في شيء و يرجو أن لا تخذله !

ـ طبعا ، كل ما أستطيع يا سيدي لا حرمك الله الجنة

قال السيد ميمون :

ـ أريد أن تتلو علي شيئا من القرآن

فطن يعقوب أن بدرا وشى به فعاتبه بنظرة ضحوكة ثم قال :

ـ و الله يا سيد ميمون ، لا أفلح من يخذلك ، ما تريد أن أتلو عليك ؟

ـ أريد أن تتلو علي من سورة حدود الزناة !

سرت في بدنه قشعريرة سرت إلى صوته في رده :

ـ سورة النور تعني ؟

ـ نعم

بدأ يعقوب بالتلاوة ، من أول سورة النور ، حتى إذا وصل إلى آية حد الزناة تعلق ميمون بصدره كطفل ، و له بكاء شديد يبكي الحجر حتى غلبته عيناه ، فتوقف ، فقال ميمون :

ـ أرجوك لا تتوقف ، أعدها مرات و مرات أرجوك

أعادها عليه و هو يبكي و يبكيهما معه ، و إنه ليسمع بكاء زوجته خلف الباب حتى إذا هدأ قال له يعقوب :

ـ أقسمت عليك بمن رفع السما إلا أخبرتني بقصتك !

ـ فقال رحبا و سعة اسمع :

ـ أنا يا سيدي ألماني من أصول مغربية ، ولدت هنا في ألمانيا ، و ترعرعت و شببت هنا ، و كان والدي حفظه الله ، دائما ما يوحهنا إلى دين الإسلام ، و أننا يجب أن لا نعصى الله تعالى و أن نأتمر بأوامره ، و لكني كنت شابا طائشا ، و كنت برفقة سيئة ، و أعاقر الخمر و آتي الفواحش حتى كان في يوم ، أن قابلت فتاة في سني ، ألمانية نصرانية ، لم تكن تحب ما أفعل ، و كانت تنصحني حتى أخذت بيدي من براثن رفقة السوء ، و ترعرع الحب في قلبينا حتى أصبحنا لا نفترق ، غير أن شيئا في قلبي دوما ما كان علي حياتي ينغص ، فقد كنا نعيش مع بعضنا البعض بدون زواج .. لم أكن أحدثها عن الإسلام ، كنا نعيش مع بعضا البعض ، و ساعدتني كثيرا حتى تحسنت وضعيتي الإجتماعية .

في يوم كنت أتجول في أحد طرقات المدينة ، فمررت من أمام سيارة يخرج من داخلها صوت أروع ما سمعت في حياتي ، صوت سعد الغامدي ، يتلو بخشوع :

الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد.. الآية

أحسست كأن صاعقة لطمتني ، و بدأت أبكي و أبكي و ذهبت إلى المسجد و عاهدت الله على التوبة و هجرت صاحبتي ، فلم يهدأ لها بال حتى صارحتها بما حدث معي ، و أخبرتها أني مسلم ، و أنه لا يجوز لي أن أعاشرك بدون زواج فتفهمت الأمر في البداية ثم ما لبثت أن انقطعت أخبارنا عن بعضنا البعض لمدة ليست بالقصيرة و في يوم ، و لا يزال حبها في دواخلي ، و لكن خوفي من الله يمنعني رن هاتفي ،سمعت صوتها

فرفرف قلبي ، و قالت :

ـ ميمون ؟

ـ نعم كيف حالك ؟

ـ أريد أن أراك !

ـ و لكن ..

ـ لا تخف ، تعال و لا تخف ، سأنتظرك قرب منزلي

ذهبت يحملني قلبي قبل قدماي ، و أنا أدعو الله أن لا أقع في الخطيئة ، و ذهبت إلى المكان المحدد فما وجدتها ، و لكنت وجدت امرأة منقبة نقابا كاملا

اقتربت مني فخفت ، ثم ما لبثت أن خاطبتني :

ـ ميمون ، كيف حالك ؟

كدت من فرط الفرحة أن أموت و الله يعقوب ، و أردفت :

ـ لقد أسلمت يا ميمون ، و خلال اقطاعنا عن بعضنا ذهبت إلى المركز الإسلامي ، و تعلمت الإسلامو إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و أن عيسى روح الله فما مر إلا يوم حتى تزوجنا ، و لنا الآن طفل أسأل الله أن يبارك فيه و هذه قصتي


تذكر يا رحمني اللهُ و إياك ، أن المليك ، إذا قبل من العبد سجدة ، أدخله بها الجنة ، فلا تنسني بدعوة في ظهر الغيب و أنت ساجد ، و اعلم ، أني أحبك في الله 


أنت يا نعم المتابع و نعم الحبيب 


مهدي يعقوب


  • 1

  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 11 ماي 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا