بين زويل والمسيري - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بين زويل والمسيري

بعيداً أو قريباً من السياسة

  نشر في 20 أكتوبر 2016 .

من جامعة الإسكندرية إلى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، خرج شابان مصريان دمنهوريان لإكمال الدراسات العليا هناك. تخصص الدكتور عبدالوهاب المسيري في الأدب الإنجليزي واتجه الدكتور أحمد زويل لدراسة الكيمياء. أكمل المسيري رحمه الله مشواره العلمي بدراسات فلسفية اجتماعية نقدية نظراً لطبيعة تخصصه، بينما تعمَّق زويل رحمه الله في الأبحاث المعملية البحتة، وليس خافياً ما حققاه من نجاح مذهل في مسيرتهما العلمية والبحثية.

ما يلفت الانتباه في مسيرتهما، أن المواقف المبدئية من قضايا الأمة والنظرة إلى الآخر، تبديان فرقاً واضحاً بين هذين العلمين. يقف الدكتور المسيري في مواجهة الإمبريالية الغربية بكل ثبات، ويكشف الوجه الآخر القبيح لحضارتها المادية التشيؤية التي حولت الإنسان إلى مجرد آلة. ولاغرو أن ما نراه اليوم من التقدم والسلم الأهلي في الغرب مرجعه لأمرين مهمين، الأول: الحروب الطاحنة التي عصفت بشعوب الغرب في ثنايا القرن العشرين وأضحت كابوساً لا يطاق تكراره، والثاني: حالة الرفاه الاقتصادي التي يتنعَّمُ بها الأوروبيون والأمريكيون على حد سواء ولا يمكن التفريط بها على أي حال. لكن مواطني الغرب لا يأبهون للسياسات التوسعية والانتهازية التي تنتهجهها حكوماتهم في المشرق ولا بانتهاكات صارخة ضد شعوب العالم الثالث، وهذا دليلٌ كافٍ على روح العدوانية القابع في أعماق ضمائرهم فيخرج بصورة غير مباشرة تمُّكن الآخرَ من اكتشافه!.

يشير الدكتور كرمة سامي في توصيفه لرؤى المسيري إلى أنه بدأ مشروعه الحضاري العربي بتعرية أسس المشروع الحضاري الغربي وما يسمى "بالاستهلاكية العالمية" بوصفها توسعية تماماً كالإمبريالية. يحدد المسيري موقفه من القضية الفلسطينية ومشروع السلام مع المحتل من خلال إيمانه بالمثاليات، ويشير إلى أن الواقعية ليست حكمة محضة بقدر ما هي تعبير عن الانهزام والقبول بدور القطيع الذي تلتهمه الذئاب.

يربط المسيري بين العلم والقيمة. أي القيمة الأخلاقية الإنسانية التي إذا افتقدها العلم، تحول إلى عدو يهلك الحرث والنسل ويقضي على الخيرية وحقيقة خلافة الإنسان في الأرض.

في تجربة زويل الثرية بالاكتشافات والنجاحات والجوائز، لم يكن ثمة جدية في إبراز القيم المذكورة آنفاً، وعلى افتراض حصول نشاطٍ ما في هذا الصدد، فإنه لا يقارن بالنوع والكم الذي أحدثه المسيري في سماء المعرفة العربية الإسلامية.

وينبغي التأكيد هنا على أن مسألة التخصص ليست اعتباراً ذا بال في تقييم الرؤية والموقف لكليهما. إذا أن باستطاعة المسيري الناقد الفلسفي المعرفي السوسيولوجي أن يختار طريق الانبهار بالغرب ويدعوا من مكانه إلى اتباع النموذج الغربي بكليته دون إبطاء. في سياقٍ آخر، يمثل المسيري مسيرة العالم المتواضع والمفيد، فبالرغم من برجوازية المشروعات الفكرية والكتابية التي أنتجها خلال عقود، إلا أنه وبتواضع جم أنزلها إلى الشارع، إلى الناس، إلى الشباب على مختلف توجهاتهم الفكرية. لم يكن المسيري دنيوياً خالصاً وقد كان بالإمكان أن يجمع الثروة مع الشهرة والغطرسة المعلوماتية، لكنه اعتبرها ذئاباً لا يليق بمثله أن يكون ضحية لها.

استقبل المسيري الشباب والمناقشين والمناكفين في صالون بيته البسيط، يلبس البدلة الصيفية لأنه يريد التحرر من قيود البدلات الرسمية وربطات العنق والبابيون، ويمضي في مشروعه لنقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة. عاش المسيري في مصر ولم يقبل الاستمرار في إقامته داخل الولايات المتحدة، وشارك المصريين همومهم وآمالهم وعمل معهم لإصلاح ما يمكن إصلاحه قدر الإمكان. ولذلك يبقى حاضراً في عيون المصريين بلا دعاية موجهة ولا تلميع، فإنه بنزوله من برج العالم الباحث الأكاديمي المرموق إلى وسط الناس، قد صنع من نفسه "قدوة ملموسة" لا تخيلية تحتفي به وسائط الإعلام فحسب.

ليس متعمداً على الإطلاق عدم الإسهاب في سيرة الدكتور أحمد زويل. لأن المقارنة هنا على مستويات التفاعل الإنساني الاجتماعي، لا المنجزات العلمية والتكريمية والمكانة الدولية. ما يهم الإنسان العربي والمسلم أن يجد من علمائه من يهتم به، يبحث في قضاياه الملحة، ويبدي الرأي بتجرد، ويحمل هم أمانة الكلمة حتى إذا سُمِعت أحدثت هزةً ينتفع بها الحاضر ويستمد منها المستقبل وهجه وقوته. 


  • 2

   نشر في 20 أكتوبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا