المقدمة

كانت رحلتي عبر 56 عاما في هذه الدنيا رحلة الصراع، ومحاولة الترقي المستمر بحثا عن السلام الداخلي، لا أدعي أنني وصلت؛ فالمشوار مازال طويلا، ولكنها تجربة قد ترى نفسك فيها. الوصول إلى حالة السلام الداخلي، وتقييم الماضي بعد سنين عدة على هذه الأرض؛ فالإنسان في صراع داخلي، وكلمة صراع تتطلب وجود جهات متصارعة عدة... هذا الصراع في الدنيا، فكيف هو داخل مستطيل كرة القدم؟.

- المذياع والشغف:

إنها السادسة صباحا، وبين نسمات الهواء خرج عبر المذياع-الذي عمره آنذاك يفوق عمري- صوت أنه المعلق: ألبرتو فليبس. وأثناء ضجيج الصادر؛ تكون شغفي بكرة القدم. ليتك معي حينها؛ لتشعر بشغف ألبرتو في تعليقه، أصبحت كرة القدم وقتها شغفي الأول: قد يكون انتمائك لناديك جاء نتيجة حبك لاعب معين، أو من خلال مباراة أعجبتك، أو تصرف صدر من النادي. أما أنا دائما كنت مختلفا؛ فانتمائي كان لكرة القدم دون أن انتمي لنادي في البرتغال لشبونه، بورتو، بنفيكا...

الألوان عديدة، أو حتى في مسقط رأسي التي كانت علاقتها بالكرة لم يكن بقدر تفوقهم بصناعة السمك. الطبيعة، اللون الأخضر أينما ذهبت، نهر سادو، هي مجرد كلمات كونت سيتوبال المكان الذي ترعرعت فيه، حيث النقاء في كل شئ.

- أنا جوزية:

إذا كنت من متابعي كرة القدم، فلابد أنك علمت من أكون، أما إن كنت غير ذلك، فدعني أخبركم من أنا:

جوزية ماريو فيليكس، أو كما أعرف: جوزية مورينيو. إذ صدك العقل عن السعادة، فجرب الجنون. هكذا أنا أخلق الفوضى، وألفت الأنظار أينما حللت، وارتحلت. قد تعرف عني أنني المدرب الذي ظفر بالألقاب أينما وضعت قدمي، لكن كنت فتى جامعة لشبونه التقنية، حيث هنالك درست علوم الرياضة: تعرف منها مدى صحة الإنسان أثناء ممارسة الرياضة... وفي خضم الكثير، والكثير قررت أن أترك كل ذلك، وأن أعمل ما أحبه، ويقودني فيه شغفي للنجاح، قرار عليك أن تأخذه إذ كنت شجاعا؛ بل الأحرى إذا كان لديك شغف.

عملت كمساعد مدرب لفئة النشئ، وماذا بعد، هل أصبحت مدرب للرديف، أو الفريق الأول. إنها بداية المسيرة نحو المجد، والعمل الشاق. العاصمة إنها محطتنا التالية، حيث معقل نادي سبورتنج لشبونه، يا صديقي أنها مهمة ثقيلة؛ لست مستعدا لها، فتمهل.

- مترجم روبستون:

بوبي روبسون، أجل السير بوبي رجل ساكريستون عملت معه كمترجم-كيف للرجل الذي لم يهزم في حصن برنابيو تسعة أعوام أن يعمل كمترجم؟-. حصدنا حينها المركز الثالث قبل أن تتم إقالتنا في 94، ومنها إلى الجار بورتو كمساعد لبوبي، لعل أفكاري، وفلسفتي الخاصة، وثقة بوبي هي التي ارتقت بي. عملنا سويا، وجعلنا النادي الذي جلب لجماهيره البؤس، فكان عدد الجماهير لايزيد عن عشرة ألاف إلى فخر البرتغال، بورتو الذي لا يعرف غير الذهب: توجنا بكأس البرتغال، والدوري المحلي مرتين متتاليتين. في كرة القدم كل شيئ معقد، توقفت رحلتي مع بوبي هنا، قبل أن يستدعيني مرة أخرى إلى مهمة في الشمال الشرقي لشبه جزيرة أيبيريا عاصمة إقليم كتالونيا مسقط برشلونة. خطوى كبرى لكلانا، رغم أنني كنت مجرد مساعد، إلا أنه يمكنني القول: أنها كانت بداية مسيرتي الحقيقة، ليس من ناحية الألقاب فقط؛ بل على مستوى التخطيط، وتكوين الفلسفة، وتطويرها، خاصة عندما تكون مساعد للسير بوبي الرجل الذي كون مورينيو. هل تعلم من كان تحت قيادتي؟. أنه العبقري الأصلع بيب جوارديولا. لعلي سأترك رحلتي مع بوبي الآن؛ فقد حان موعدي مع كرة القدم.

- فرض الذات:

إن صديقي بطل القصة أوضح في عمله ذاك مثال على الإنسان الذي يتغذى بالنضال الصامت، كان قاسيا على نفسه غير متهاون أبدا في طلباته؛ لقد كان قويا، ومازال، وقد فرض هذا الشعور على جميع من تعاون معه. جعل بعضهم يتساءل، هل يمكن أن يكون لهذا الرجل جوانب أخرى غير قوته في ذاته. كان من هواة الفلسفة... والحياة بالنسبة له هي مجرد نظرية؛ فكانت نظريته في التدريب، هي: 4-2-3-1 التي أصبحت فيما بعد خطة أوروبا الأولى.

يتبع في الجزء الثاني: الطريق إلى الفوضى.