الإنسان , البداية والنهاية .. بقلــم / نــورا محمــد .
نشر في 06 مارس 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هو ..
الغريب .. كأنه إنزلق إلى هذا العالم بالخطأ ولم يجد مفراً منه أو منفذ به يعود حيث جاء ! ..
الغامض .. كأنه استتر خلف ملامحه فقط يترصد ويرقب البشرية وتصرفاتها الهزلية ، أما هو فلن يجرؤ أحد على رؤية ملامحه الأصلية ! ..
الحر .. كأنه فك قيوده وتحرر مما يعرقل إنسيابية خطواته وبرغم إنتصاره هذا .. إلا أنه لا يزال ملقى داخل سجن لا يدري من قيده فيه ! ..
الحزين .. كأنه اصطدم بحائط تعاسة أبدية أخذ ينهدم على رأسه بلا هوادة ، والمدهش ما يبعثه في النفوس من فيضان سعادة ! ..
المنتصر .. كأنه منذ أن دبت اقدامه لهذا العالم لم يتوقف الخلق عن التغني بما صنع من أمجاد وإنتصارات لا تُعد ولا تحصى ، فارس مغوار لن يُهزم لحظة .. ولكنه في مواجهة الحياة قد سقط قتيلاً ! ..
النقي .. كأنه نهر تتشرب منه الحياة الخير والأمان ودونه يجف منبع الإنسانية وتهلك في الحال .. وأكثر ما يثير العجب أنه أصل الشر الذي يطيح بالبشرية في الحال ايضاً ! ..
البداية .. كأنه الدليل لمن ضل طريقه ، طوق النجاة لمن تيقن أن الهلاك مصيره ، السبيل لمن أضاع خارطة سير خطواته ، والحق .. أنه النهاية لذاته ! ..
الضياء .. كأنه شُعلة متوهجة تقذف في سماء الحياة شعاع الأمل والإقدام .. أما عن سماء كونه .. فلم يسكنها سوى الظُلمة التي بددت نجوم إرادته ! ..
المثالي .. وكأنه لم يعهد الفوضى والإضطراب من قبل ، منتهى النظام ، وما خفي كان أعظم ! .. فلولا الضوضاء المشتعلة داخله لما عثر على معنى لحياته ! ..
البسيط .. كأنه حرف كغيره من حروف اللغة ، قد تلجأ إليه وقد لا تتذكر وجوده من الأساس ، والحق أن وجوده هو الأهم من بين جميع حروف اللغة .. فبدون وجوده لخرجت الجملة معقدة لا جدوى منها ! ..
المجنون .. كأنه فقد عقله منذ زمن ولم يدرك حتى اللحظة معناه .. ولكن جنونه هذا .. أصبح الدلالة على عقل لم ولن يختل ، فهو بجنونه استطاع أن يكون العاقل الوحيد في عالمه ! ..
هو الشئ ونقيضه .. هو اللغز والحل في آن واحد .. هو الإنسان الذي لن يقوى على فهم ما هو عليه .. وإن إستطاع فلن يجد تفسيراً لما توصل إليه ! ..
فهل وجدت لغزاً أصعب منه لتقضي ما تبقى من سنواتك في " محاولة " لفك شفرته ؟!
كلها سمات يتصف بها بشري لا يختلف عنك كثيراً أيها القارئ ! , بل لا يختلف عنك بشئ يُذكر حتى ! , فا لملامحك نفس طابع ملامحه وإن كانت تختلف في حيويتها , ولكلماتك نفس أثر معاني كلماتك وإن لم تخترها بعناية , ولوجودها نفس المقصد والهدف من وجودك أنت الأخر وإن كنت تجهل المغزى من وجودك حتى هذه اللحظة , ولكنك في نهاية الأمر شئت أم أبيت لا تختلف عنه في أي شئ ! , هو أنت وأنت لا يمكن أن يكون إلا به , فأنت له المرآه وهو لك المعنى الذي تُضيفه لذاتك , ولكن ما يُثير الدهشة حقاً هو الإختلاف لا يكمن بملامح أو لهجة , بل يكمن في نفوسكم ! , فبرغم ما يتشابه منكم ظاهرياً , وفي بعض الأحيان قد تراه متطابقاً لأقصى درجة حتى تحسب أنه قد خُلق ليُكمل نقصك , إلا أن ما خفي كان أعظم بكثير , فله ملامح أخرى تجهلها أشد الجهل , وبها أنت تجهله وإن كان لك أقرب الأقربين ! , فهو لم يكتفِ بمجرد هيئة تتبدل من لحظة لأخرى , قد تكون هيئة مُزرية تجذب شفقة الحياة تجاهه مما يُبديه , وبلحظة أخرى تجده يتفاخر أمام البشرية من هيئة تُضاهي هيئة الملوك والأمراء , بل وتتفوق عليهم ! , فتتبدل نظرة البشرية من الشفقة إلى الثناء والتعظيم , ولكنه في هذا أو ذاك لم يقوى على تغيير وتبديل ملامح كيانه ! , فلا يقوى على الخروج من ملامح الشر به إلى النور , ولم يجد مفراً من الوقوع من فخ سيطرة اليأس على روحه ..
هو الإنسان ..
الذي وإن خُيل لك أن لغز فهمه يمكنك أن تجد له حلاً , فقد وقعت أنت الأخر في فخ لعين ! , فخ تم تقييدك فيه حتى ترجع عن خيالاتك التي لن تمنحك سوى الشقاء والتعاسة الأبدية , البشري الذي حسبت أمره هين , ولغزه أبسط من قوى فصاحة عقلك الذي لن يتخذ من تلك الفصاحة سوى أدناها ليصل إلى حل هذا اللغز , هو ذاته أنت ! , الذي لم تصل لفهم فلسفته في إختيار طريق الشقاء بدلاً من طريقاً مفروشاً بالورود ! , في إختيار أعداءك وقربك منهم وكأنهم أصدقاء طفولتك الضائعين بين طرقات الحياة وأخيراً وجدتهم بعد الغربة الطويلة , في إختيار السُم وترك العسل , في إختيار الأشواك وقذف الأزهار بعيداً , في إختيار البغض ومنح المحبة أبغض معاني البغض ! , والأكثر إدهاشاً مما قيل وأن إختيارك بات بمنتهى الرضا , وإستقبالك لنتائجه بمنتهى الترحاب ! , فما هي فلسفتك في هذا ؟! , هل يمكنك الآن فهمك قبل أن تُجزم بأن لغز البشري هين لا يستحق منا كل هذه الجلبة ؟! , يكفيك أن تتسائل الآن في قرارة نفسك حتى تتمكن من إتخاذ القرار السليم بشأنه , وبشأنك ..
تراه بحراً يضخ بالأسرار وفي حقيقة الأمر .. لن تكفي البحور لوصف عمق سره الأوحد ..
بقدر سره تكمن قوته , سره هو ما يخفيه عن البشرية بأكملها , كأنه يستر سر وجوده , وإن إنكشف سره فلن يصبح لوجوده معنى ,يكون كأنما لم يكن ولن يكن بعد ذلك أي شئ ! , حتى وإن صار جماداً فلن يمنحه الفراغ حيزاً ليوضع به ! , تنفره الحياة وتلفظه خارجها , ولكن إختلافه هو ما يُبقيه حياً , وإن كان تناقضاته تبعث في نفوس من حوله الضجر بشأن تقلباته المُفاجئة , فكثيراً ما تجده يتلالئ بإختلافه , وقبيل أن تُغلق جفنك لتتحول بنظرك عنه تجده ينطفئ ويعود لمدرجات المتفرجين الذين لا قوة لهم على تغيير أحداث المباراة ! , مجرد متفرج متقاعد لا يقوى إلا على الهتاف وحتى الهتاف حينها يصل لدرجة الخفوت وإنعدام الحماس تدريجياً , بعدما كان لاعب المباراة الأول , ودونه مباراة الحياة في حالة يُرثى لها ! ..
تشرق داخله شمسه الخاصة , التي لم يتمكن من وصف قوة أشعتها بحرف واحد من حروف اللغة , بينما تشرق هي تجد غروب الحياة على المشارف ! , فينتهي يوم الحياة ويبدأ يومه الخاص , يوماً جديداً بمعاني جديدة تنتفض داخله هو وفقط , يحيا زمنه السري بكل لحظاته الغامضة وفي نهايته يعود لتيار الحياة من جديد , وكأنما لم ينفصل عنها إلا لدقائق من زمنها المؤقت , وفي تلك الدقائق يجد عمره الحقيقي الذي يتقلب فيه كيفما شاء , ووقتما شاء ! , حيث أنه لا يحتاج إذن لهذه الرحلة , فهي ملكه وله وفقط , فهل وجدت في هذا العالم و هذا التبدل سهولة للفهم ؟! , كيف تتبدل الحالة إلى النقيض ؟! , وكيف يغدو هو الكومبارس الصامت بعد أن بلغ أدوار البطولة لدهور دون سواه ؟! ..
هو سره الذي لن يقوى حله بنفسه ! , ولن يقوى بشري مثله أيضاً على محاولة التغلغل في أساسه ! ..
هو مكمن الإختلاف ومنبع الإجابات التي وإن سهل السؤال عنها فالعثور على نهاية لها أمر شاق ..
التعليقات
دام المداد