وباء التفاهة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وباء التفاهة

لقاح ثقافي للوقاية

  نشر في 07 يناير 2022 .


بقلم أ.د. عادل رشاد

لا ينحصر الوباء في المرضٍ شديد العدوى، سريع الانتشار من مكان إلى مكان، ، كما هو الحال في التفشي العالمي الحالي لكوفيد-19 ، فهناك أوبئة أخلاقية وثقافية لها آثارها المدمرة في حياتنا ومجتمعاتنا.

ومن أخطرها وباء التفاهة بما تعنيه من انعدام الأهمية والحقارة والدناءة ، والإسفاف وفيروسها من النوع البشري يحمله أناس لنشر وباء العصر ..ولا سيما مع توفر الأجواء المواتية من وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي التي دفعت بالتافهين إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية، نتيجة قيامهم بأعمال "عبثية" وأشياء "تافهة" .

لقد سيطرت التفاهة على العالم حتى أصبح الحديث عن الثقافة أو الفكر أو القيم ضربا من العبث العقلي في العصر الراهن فالإنسان الحالي لا رغبة له في التأمل والتفكير ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل حدب وصوب ، و اجتاحت التفاهة العالم بطريقة غير مسبوقة .

وقد نوه الحدبث النبوي بذلك في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -(سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ) صحيح ابن ماجه 3277

وكما هو الشأن في مكافحة الوباء المرض باللقاحات التي تقوي جهاز المناعة لدى الإنسان فإن للتصدي للتفاهة ومقاومة الإغراء، وإعادة المعاني إلى الكلمات والاعتبار إلى المفاهيم يتطلب لقاحا (ثقافيا) يعزز المقاومة و "ما دمت تقاوم فإنك لم تنهزم"، كما يقول المثل.

هذا اللقاح الثقافي يتمثل في القدرة على التمييز بين المهم وغير المهم أو المفيد وغير المفيد ، في سلم الأولويات ، وهذا مرتبط بالأهداف الراقية التي يضعها الإنسان لنفسه .

ومن ثم تبدأ المقاومة في الإعراض الإرادي عن قول أو فعل الأمور التافهة كما قال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3) سورة المؤمنون، واللغو هو مالا فائدة فيه من القول أو الفعل ، وكذلك الإعراض عن سماع اللغو من الآخرين {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (55) سورة القصص.

قد تحتاج إلى لافتة تكون نصب عينيك تعلن لك : "توقف عن جعل الناس التافهين مشهورين"، فالدفع بالتافهين إلى الواجهة والمقدمة، يعد جريمة في حق الأجيال الناشئة.

في كتاب “نظام التفاهة (Mediocratie) لأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندي ألان دونو Alain Deneault يقول المؤلف : "إذا لم نواجه هجوم التفاهة الخبيثة للعدوان في بيئتنا اليومية، وإذا فقدنا السيطرة تدريجيًا على التلوث السائد من اللامبالاة وعدم الاحترام، فنحن بحاجة إلى إعادة هيكلة تفكيرنا بشكل لا رجعة فيه وتعديل آلية عملنا"

وأخيرا أحب أن ألفت الأنظار أن الترويح أو الترفيه والتسلية واللعب في صوره المشروعة ليس من التفاهة في شيء ، فالطرفة والمزاح البريء والدعابات ، والفنون الراقية ذات فائدة في تجديد النشاط وتجنب السأم لكننا بحاجة إلى مقاومة الانحطاط الفني والثقافي لما يشيع في حياة الناس وتبنى وتقديم البديل الملائم والجاذب للأذواق السليمة .



   نشر في 07 يناير 2022 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا