أزعجه ندى المقعد (2) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أزعجه ندى المقعد (2)

  نشر في 15 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


مر عام كامل من تلك القرون المنتظرة، توالت الأيام يوماً بعد يوم، كانت "ليلك" أضعف من أن تكون جزءاً من سلام مر على رصيف مبلل.

جاء أول يوم من العام الجديد، كان شتائه غزيراً جداً، خرجت "ليلك" وجلست على المقعد ذاته، كان المقعد مبلل بماء المطر، أما قطرات الندى منفيه به تماماً ربما تحسست تلك القطرات من صلابة الكلام الذي قيل عنها في المرة الماضية (حين تذمر ذاك الرجل من وجودها).

قوة المطر كانت كافيه لتمنح فتاة "الليلك" صحوة لملمت بها ما تبقى من أجزاء قلبها، كما وساعدتها على عدم الاستجابة لسلطة الحب، يقولون" من باعك في سوق النخاسة لن يشتريك في سوق الذهب"، إذاً لماذا ستبقيه سديمها وحلقتها المفقودة وسلامها المزيف، فقد مر حولاً كاملاً بأيامه وفصوله وأعياده وعثراته ولم يطمئن على هذيان روحها، كما أنه لم يسأل على عمق عينيها ولم يتذكر عيد مولدها.

أي ذنب اقترفته "ليلك" ربما كان هذا ثمن اختيارها، ليس الكون بما تراه عينيها، لذا كان عليها تغيير نظرتها وتغيير اتجاه خيوط قلبها، هي الآن أشد ما تحتاج إليه رصانة قوية لقلبها، وأن تجعل انكسارها وظلام قلبها بداية جديدة لنور جديد، لهذا استحقت تعويض عادل تاه في ثنايا بعض المواقف.

في الأيام الأخيرة من شهر "يونيو" جلست فتاة "الليلك" على نفس المقعد المعتاد، ثم بدأت تفكر بإجابة على سؤال طرحه عميد كلية اللغة العربية، حيث كان ذاك السؤال آخر اختبار لها في الجامعة، ثم بعد ذلك ستقف على مشارف التخرج وتبدأ مرحلة جديدة في حياتها.

أثناء تفكيرها بالإجابة لاحظت وجود تجاعيد في قطرات الندى الموجودة على المقعد، وخلال تفكيرها بتلك التجاعيد جاء شابٌ من خلف المقعد يغلق عينيها بيديه.

ضحكت "ليلك" بهدوء ثم قالت أنتِ "نايا" أليس كذلك، عم الصمت ولم يكن هناك إجابة، ثم قالت: إذاً أنتِ "تالا"، رد عليها الشاب قائلاً: لا بل أنا "غِمار"، ارتعبت "ليلك" ثم تكلمت بصوت مرتفع قائلة: من أنت ابتعد عني هيا.

قال لها "غِمار" لا تخافي أرجوكِ، أريد أن أسألك سؤال صغير ثم سأذهب، كان صوته دافئاً وحنون مما طمئن "ليلك" لبعض الوقت.

"ليلك": ماذا تريد.

"غِمار": هل تسمعين شيئاً.

"ليلك": صوت طائر الحسون.

"غِمار": لا بل شيئاً آخر.

"ليلك": صوت حفيف الشجرة التي خلف المقعد.

"غِمار": لا ... لا... ركزي أكثر.

"ليلك": ماذا تقصد!

"غِمار": ألم تسمعي صوت دقات قلبي، فقد وصل صوتها إلى حدها الأعظم عندما اقترب قلبي منكِ.

ارتبكت "ليلك" ولم تعلم ماذا ستقول، ثم أكمل "غِمار" كلامه قائلا: أنا أراقبك منذ فترة ليست بالطويلة، ولكن تلك الفترة كانت كفيلة بأن تعيد العبث لحواسي جميعها، أصبحتِ يا "ليلك" جزءً من سعادتي، أنتِ أكثر امرأة على وجه الأرض يليق بها الاهتمام، حيث في قلبي العديد من المشاعر التي لا أقوى على قولها.

نظرت "ليلك" إلى الساعة ثم ذهبت مسرعة إلى حرم الجامعة وقالت له أثناء مشيها: أنا أسفة أكلمك لاحقاً، فقد تأخرت على الاختبار.

دخلت " ليلك" قاعة الاختبار في آخر دقيقة، وكان هذا الاختبار عبارة عن سؤال واحد فقط وهو (صفوا لي الجحيم) ومن الجدير بالذكر أن الاختبار شفوياً.

وقف المحاضر أمام الطلاب ثم قال لهم: حسناً، هيا حان الوقت "صفوا لي الجحيم من وجهة نظركم".

الطالب "أمير" وقف وقال: الجحيم هو عودتي إلى المنزل أبحث عن أمي وأعلم أني لن أجد إلا طيفها.

الطالبة "هدى" وقفت وقالت: الجحيم هو انتظاري الطويل لشغفي الذي أصبح ملك غيري، فلا جحيم أمر من التعلق بمن ليس لنا.

الطالب " يزن" وقف وقال: الجحيم هو ندمي العميق على شخص عزيز فارق الحياة قبل أن أعتذر منه.

حان دور" ليلك" بالإجابة، وقفت مستعدة لتبدأ ثم خلال ثواني فقط دخل "غِمار" إلى قاعة الامتحان ثم قال: أرجو منك يا دكتور أن تسمح لي بالإجابة على سؤال "ليلك"، حيث أنها مريضة بالقصبات الهوائية مما أدى إلى اختفاء صوتها لبعض الوقت، لهذا كلفتني بالإجابة عنها.

اتسعت عينتا ليلك واحمر وجهها من الإحراج، لم تعلم ماذا ستفعل، جلست على المقعد ثم وقفت ثم جلست.

وافق المحاضر على طلب "غِمار".

أجاب "غِمار": الجحيم هو حياة لا أسمع بها صوت احتكاك شعر "ليلك" بمعقد الندى، حياة تخلو من أثيرها.

في اليوم التالي قابلت "ليلك" "غِمار" ولكن هذه المرة جلست على مقعد جديد مختلف، مصنوع من أغصان شجرة الناي.

عم السكوت برهة من الوقت ثم وجهت "ليلك" كلامها لغِمار قائلة: أنا أخاف من الحب ، حيث جربته مرة وكسرني، بل جعل مني سفينة بلا شراع أو قارب بلا مجداف، دقتُ الأمرين لأجتاز ذلك، وما تبقى مني الآن هو عزائي الوحيد.

وضع "غِمار" يده على فمها وقال لها: تزوجيني يا "ليلك"، لن تشعري معي إلا بسلام داخلي حقيقي، حبي لك اخترق الوتين، كما أني لن أنزعج بتاتاً من أي قطرة ندى موجودة في أي مكان، أنتِ هي ضوء شمسي الذي يشرق كل صباح، ثم كتب مقولة على المقعد لجلال الدين الرومي: ( فالعاشق لا يعرف اليأس أبدا وللقلب المغرم كل الأشياء ممكنة). 


  • 4

   نشر في 15 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 5 سنة
بداية جديدة رغم النهاية الحزينة ، قصة جميلة جدا سهام ،دام قلمك أختي.
2
سهام السايح
هذه ليست النهاية عزيزتي فقد كتبت لها جزء ثالث ونشرته واتمنى بأن النهاية ستعجيك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا