البرلمان.. سلطة المآرب المطلقة..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

البرلمان.. سلطة المآرب المطلقة..!

نحن أمام صراع شرس يحتاج إلى جرأة شعبية في المشاركة والتعبير والإصرار على الحق في المعرفة..!

  نشر في 18 أبريل 2019 .

البرلمان.. سلطة المآرب المطلقة..!

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

اليوم وليس غداً.. ربما وجب الإعتراف بأن حصاد السنوات الأخيرة منذ ثورة الشعب المباركة يناير 2011 لم يكن على هوى أغلب الأطياف التي تشكل بنية المجتمع المصري بما فيها التيار الثوري نفسه، وبالرغم من أنها أدت فعلياً لإسقاط نظام حكم مستبد بإقتدار، إلا أنها حتماً أخفقت في الحسم، وربما ساهمت عن دون قصد في إستنساخ صورة أو أكثر من نماذج الماضي بكل مراحله المؤلمة..

خلال تلك السنوات صعدت وهوت قوى متعددة القدرات والتوجهات، لكن ظلت الكلمة العليا للمؤسسة العسكرية الأكثر قدرة على التماسك، والتي ربما لم تستطع الإلتزام بمساحة الشرف والمجد المعهودة، بل أقحمت عنوة داخل دهاليز السياسة والصراعات المجتمعية بقدر قد لا يتلائم ومكانتها ذات الخصوصية والمنعة والوقار.. تراوحت تلك القوى بين ثورية وثيوقراطية ورأسمالية، لكنها جميعاً أخفقت في تقديم نموذج وطني واحد استطاع أن يحظى بإجماع أو حتى بمجرد أفضلية داخل أروقة العمل السياسي.. وفجأة إذ بنا مرة أخرى على أعتاب مرحلة ضبابية تجنح فيها مؤسسات الحكم إلى سياسات تثبيت المواقع وتحصين أجهزة الدولة من أي رقابة فعلية، وعقد تسويات صفقوية مع بعض بقايا العصر البائد.. وكذا الترسيخ لأسوء مما قد يرجو أكثرنا تفاؤلاً، وهو دمج السلطات الأساسية داخل منظومة حكم يتشدق القائمون عليها بالديموقراطية دون أن يمارسوها من قريب أو بعيد..

المشهد من نافذة الحياة النيابية مؤسف، وأحسبه يخلو من أي ملامح لتوازنات يحكمها مسار ديموقراطي شفاف، أو ممارسة سياسية حرة على مستوى العمل الحزبي أو المستقل مؤيداً كان أو معارض.. حتى ونحن على أعتاب مرحلة البناء الأهم في تاريخ مصر الحديث، وأعني هنا حلم تشكيل برلمان وطني يستطيع أن ينجو بالسلطة التشريعية من اخفاقات عديدة إعترضتها على مدار عقود، وبالطبع لتخفيف الثقل عن كاهل السلطة التنفيذية متمثلة في الحكومات المتتالية ذات الإرث الثقيل، ومؤسسة رئاسة أرغمتها عدة ظروف داخلية وضغوط خارجية قاسية على التحرك عكس إتجاه أهداف الثورة..!

نعم، المشهد برُمته مشوش بالنسبة للكثيرين، وربما سيقف بصدده المواطن البسيط مرة أخرى خلال الإستحقاق القادم مشتتاً أمام إختبار غير حقيقي، وهذا ما أصعبه في ظل حالة الإستقطاب السياسي الحاد، وفي ظل محاولات تزييف الواقع والتلاعب بأهواء العوام مع تلك العبثيات الإنقسامية البغيضة التي أفرطنا في الإدمان عليها على شاكلة ثنائيات العسكر/ الإخوان والمسلم والمسيحي والسني والشيعي وغيرها..!

أَعترف مسبقاً بأن البرلمان القادم سيولد مبتسراً من رحم ماض مريض، وأبداً لن يأتي بأفضل ما لدينا دفعة واحدة، لكنه حتمي الوجود وغير قابل للتأجيل.. لذا أحسب أنه على جميع التيارات السياسية والفكرية المعتدلة وأحزاب المعارضة الرشيدة التركيز على ترتيب الأوراق، والعمل على حشد كل القوى الممكنة في تلك الفترة القصيرة القادمة، أملاً في وضع حائط صد قوي وواضح المعالم بين جموح أهواء السلطة وطموحات الشعب.. الأمر ليس بالسهل، ولكنه حتمي كي تكون الكرة في ملعب الناخب إذا ما أراد حقاً تحقيق الجدوى من الصوت الإنتخابي، وتمكين أصحاب الأحقية في تمثيله برلمانياً.. المشاركة الفعالة في رسم الخارطة السياسية فقط وليس التمني هو ما يحقق تشكيل متوازن من حيث تمثيل كل الأطياف، بالطبع إن حسنت النوايا وصدقت الذمم.. وهنا أتمنى أن تتحقق المعجزة وتتراجع نسب النفاق والكذب والانتهازية عن العملية الانتخابية ولو تدريجياً، وليكن الرهان على الوعي المتنامي لدى رجل الشارع ليحسن الاختيار الدقيق الحُر وليس الموَجَّه، بالطبع مع الحذر الدائم من خطورة الانسياق خلف تجار الشعارات أو أصحاب النفوذ السلطوي وأباطرة المال السياسي، حتى لا نعود مرة أخرى للمربع تحت الصفر..

السلطة الحالية تخشى صعود برلمان قد يسعى لتقويض جهودها في ترميم ما أفسدته سنوات الماضي على حد قولها، وأخرها سنة الحكم المشؤم لجماعة الإخوان المسلمين، والتيارات الدينية تسعى للبقاء على إستحياء داخل المشهد بعد ما أحرزته مؤخراً من تواجد شبه شرعي ومشروط على الأرضية السياسية في شكل أحزاب كرتونية ظاهرها سياسي وباطنها ثيوقراطي، وفي السياق نفسه هناك مجموعة عواجيز السياسة وأغلبهم ممن خرجوا من عباءة الأجهزة الأمنية التقليدية في السابق، وهؤلاء كعادتهم يتاجرون بقضايا أظنها خاسرة، ولا أرى مستقبل لنظرياتهم المستهلكة مع تطور وسائل التعبير عن الرأي التي ستحولها إلى تراث تتداوله الأجيال القادمة على سبيل التندر والسخرية، ناهيك عن مداهنتهم الصريحة للسلطة على حساب ثوابت الديموقراطية، وإستعلائهم الفج على أفكار الأجيال الحديثة، ورؤيتهم الاستعدائية لأي نمط من أنماط المعارضة والإختلاف، لذا لا أحسبهم من الجرأة بما يكفي لكي يخوضوا تجربة مواجهة فكرية صريحة مع الأجيال الجديدة التي نشأت رافضة للإزدواجية والقمع وكبت الحريات.. وعلى شاكلة هؤلاء، نجد أباطرة المال السياسي محترفي الصفقات الذين يخشون أن تكون يد السلطة أقوى من طموحاتهم، وتجد أغلبهم يَدَّعي الوطنية وينادي بحُرية لا يؤمن بها، بينما هم في واقع الأمر يتدثرون بعباءة السلطة، وأعينهم ترقب فقط مؤشرات البورصة وحساباتهم الخاصة في البنوك..

لقد تلقى الرأي العام المصري ضربات موجعة في الأعوام الماضية، لعلها أنعشت ذاكرته قليلاً بعد أن أصبح فريسة سائغة لأدوات ووسائل الإعلام المضللة، وتراه مازال يتعرض لإهمال وتهميش لا يخفيان على أي متابع جاد للشأن المصري، في حين أن الواقع يقول بأن الشعب هو مصدر السلطات، ووحده هو من يرجح كفة الميزان في الأحداث والملمات الكبرى، وأبرز مثال على ذلك هو الرباط المقدس بين الشعب والجيش، والذي كان ومازال كلمة السر في الحفاظ على عُقد الدولة المصرية من الانفراط بصرف النظر عن إختلاف الرؤى أو التوجهات..

الخلاصة أننا أمام صراع شرس يحتاج إلى جرأة شعبية في المشاركة والتعبير والإصرار على الحق في المعرفة.. وكذا العمل الجاد لكشف الفساد ومكافحة الرجعية، وهنا تعود المسؤلية الأكبر على عاتق النابهين من أبناء هذا الوطن كي يتدبروا الأمر بعقلانية، بعيداً عن أي تصور لمواجهات عنيفة أو إستقطاب أو تناحر.. فربما بهذا فقط يتم دحر بؤر الجهل وألات التجهيل التي تفسد المشهد برمته.. وفي المقابل، يستلزم الأمر أيضاً شفافية وتجرد من السلطة القضائية لإقرار العدل وحماية الدستور، هذا إن شئنا إفراز برلمان نزيه ذو سلطة قوية وفاعلة تعلي مبدأ الفصل بين السلطات وتحقق التوازن السياسي المرجو..

هذا النمط من الصراع يستوجب حسمه في جولة واحدة.. تُرى من سيحسمها..؟



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 18 أبريل 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا