زنبقة الماء - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

زنبقة الماء

زنبقة الماء

  نشر في 28 يناير 2019 .

رفعتُ رأسي و يراودني شعورٌ غريبٌ و أنا أقفُ تحتَ هذهِ الشجرةِ الضخمةِ الطويلة، أحسستُ بأني قزمٌ تاهَ في بلادِ العمالقة. و لكن الدهشةَ لم تنتهِ فقطْ بمقارنةِ حجمي بالنسبةِ لها و لا بعمرها و لكن بجمالها و خضرتها و ظلها. رأيتُ نفسي .. أكلمً نفسي متسألةً: هذه الشجرةُ ليست عجوزٌ رغمَ تلكِ الطبقاتِ المتراكمةِ واحدةً فوقَ أخرى على جذعها الممتدِ كسبورةِ المدرسةِ من عشراتِ السنين، و لا زال كلُ طالبٍ و مدرسٍ يكتبُ و يمحو، و لكن السبورةَ لا زالت موجودةٌ، و صالحةٌ للاستعمال. أدخلتُ أصبعي داخلَ أحدِ الشقوقِ، أنزعُ طبقةَ من ذلكِ اللحاءِ الذي جفَ و لا زالتْ رائحة ُالحياةِ تعطرهُ. نظرت ُبإعمانٍ لتلكَ الألوانِ الجميلةِ المتناغمة، و ذكرني ذلكَ السائُل اللزجِ بألوانه الشفافةِ الذي علقَ بها بمزيج ِالعسلِ الأسودِ بالعسل الأبيض، لم يطغ أحدها على الآخر. نظرتُ الى قدميّ اللتان كانتا تقفان فوقَ أحدِ الجذورِالتى قررت رفقةَ نورِ النهار و زرقةِ السماء. جلستُ تحتَ الشجرةِ، و كأني أجلسُُ في حضنها، و قد عانقت الأغصانُ بعضها و تدلت بدلالٍ الى الأرضِ تلوحُ بأوراقها شمالأ و يمنياً تتلاعبُ بنورِ الشمسِ، فترسلُ تلكَ الومضاتِ من الظلِ و النورِ، فتدعكُ تشتوقُ لما ستراه بينَ حينٍ و حين من فراشٍ صغيٍر يختلسُ إليك النظرَ و يرحلْ، أو عصفورٍ صغيرٍ عاد لبيتهِ فإذ بضيوفٍ في ردهةِ المنزل فيرتبكُ و يطيرُ ثانيةً.

و أتى سؤالٌ، و أنا اتلمسُ ذلكَ الجذرِ النابي الذي أطلَ من ظلمةِ الأرض … ما سرُ بقاءِ الشجِر-كهذه الشجرةِ- طويلاً في الأرضِ؟ .. و لا زالت خضراءََ مورقةً جميلةً مثمرةً! … أهي الجذورُ القوية؟ إنّ كانت جذورُ الشجرةِ هي شراينها .. فالأرضُ قلبها …و الماءُ هو ما ينبضُ فيها بالحياة .. أليس كذلك؟ تُرى أين تمتدُ جذورُ الإنسانِ؟ .. من أولى بالأرضِ … الإنسانُ أم الشجر؟

مضيتُُ في طريقي و لا زالت تلكَ الومضاتِ من نورِ الشمسِ عالقةً بين أجفاني، و صوتُ حفيفِ الورقِ و زقزقةِ العصافيِر تطربُ أسماعي. عدتُ للبيتِ و قد قررتُ أن أنصفَ الشجرةَ حقها ، وأن أكتبُ عن تلكَ الجذورِ المهيبةِ التي حفظت الشجرةَ من الوقوعِ و الزوال. ولكن صورةً لزنابقِ الماءِ على الكمبيوتر استوقفتني قليلاً لأعيدُ صياغة َما اعتقدهُ اليقينَ، و بلا شك. زنابقُ الماءِ تنمو علي صفحةِ الماءِ جذورها رقيقةٌ و متحركةٌ مع كل نسمةِ هواءِ تلوحُ و تهتز، و لكنها تبقى و تعيشُ جيلٍ بعد جيل … طالما هناك ماءٌ و نور. جمالها آخاذٌ ويمكنُ لشخصٍ مثلي أن ينامَ على ورقةٍ من أورقها الضخمةِ كالسرير. ما سرُ بقاءِ الزنابقِ طويلاً في الماء بالتأكيدِ ليس الجذور. و أتى السؤال الذي أعاد صياغة مجهوله المبهم .. هل للإنسانِ جذورٌ؟ ماذا يربطُ الإنسانُ بالأرضِ؟ أيُعمرُ الإنسان بمقياس بالعمرِ أم بمقياس العمار؟


  • 1

  • راوية وادي
    كاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.
   نشر في 28 يناير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا