المَقامةُ السُّلطانيَّة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المَقامةُ السُّلطانيَّة

لكلِّ أمرٍ نهاية وللنهاية بداية

  نشر في 13 ديسمبر 2018 .

(كلُّ تشابُهٍ بين أبطالِ هذه الرِّواية وأحداثِها والواقعِ هو محضُ صُدفة وعملُ خيالٍ)

"أشدُّ الفاقةِ عَدَمُ العقلِ" (عبدُ الله بن المقفَّع ـ الأدبُ الصغير)


حدَّثنا عيسى بن هشام عن السُّلطان ابن سليمان قال :

مُنذُ أنْ غَلَبَ ابن أبي سُفيان وأقامَ مُلك بني أُميَّة في الشَّام إلى عهد السِّيسي وزُمرةِ العسكر في قاهرةِ المُعِزِّ الفاطميِّ قامَت الدُّولُ في المجال العربيِّ الاسلاميِّ على شِرْعَةِ الغَلَبَةِ وتَفَرُّدِ الحاكمِ برَأيه وجَمَّلوا الغَلَبَةَ بالبَيْعةِ وما سَمْوه حاضراً "الاسْتِفْتاء الشَّعبيِّ" وأحاطوا الحاكِمَ المُتَفَرِّدِ برأيه بعددٍ من المجالس والهيئات بعضُها مُنْتَخبٌ وبعضُها مُعَيَّن وبعضُها هجين وزَعَموا هكذا أنَّ الحُكْمَ شورى أو "ديموقراطي"

يذكُر عليّ عبد الرَّازق في "الإسلام وأُصُولُ الحُكمِ" نقلا عن ابن عبد ربِّه الأندلُسِيّ في عِقْدِه الفريد أن مُعاوية لمَّا أراد أَخْذَ البيعةِ لابنه يَزيد كتب في سنة خمسٍ وخمسين إلى سائرِ الأمصارِ أن يَفِدُوا عليه فوفَد عليه من كُلِّ مِصْرٍ قومٌ فجلس في أصحابه وأَذِنَ للوفود فدخلوا عليه وكان طَلَبَ إلى أصحابه أنْ يقولوا في يَزيدَ فتَكَلَّمَ جماعةٌ منهم وزادَ آخرون ثم قام خطيباً يزيدُ بن المقفع فقال "أميرُ المؤمنين هذا (وأشار إلى معاوية) فإنْ هَلَكَ فهذا (وأشار إلى يزيد) فمن أَبَى فهذا (وأشار إلى سيفه)" فقال معاوية "اجْلِسْ فإنَّك سيِّدُ الخُطباء"

نعم لا فُضَ فوه فقد أَوْجَزَ والعربيَّةُ لغةُ الإيجازِ وأفصحَ أيَّمَا إفصاح فالسُّلطةُ لمن غلبَ وللمُعارِضِ حَدُّ السَّيفِ وهذا دَيْدَنُ العربِ في سلاطينها إلى اليوم لا يُتَوَصَّلُ إلى السُّلطة إلاّ بالغَلَبَةِ ومن أدْرَكَها وفاز بها تَوَجَّسَ خِيفةً مِمَن شايعَه وبايعَه ومِمَن كان سَابَقَهُ إليها أو نازَعَه فيها على السَّواء فأَخَذَ الجميعَ بالإثِم أو بالظَّنِّ وساقَهُم زَرافاتٍ ووِحْدانا يَسومُهم العذابَ ألوانًا وقد يُفْضِي الأمرُ بهم إلى الموتِ الزُّعاف وهكذا يَسْتَقِلُّ الحاكمُ برأيه وسُلطانه لا رادَّ لإرادَتِه أو مَشيئتِه وكان ممن التَحَقَ بِرَكْبِ هؤلاء الحُّكامِ المُتَسَلِّطين سلطانٌ حديثُ السِّن يُدْعَى ابن سليمان غِرٌّ أَخْرَق أدركَ السُّلطةَ في غَفْلَةٍ مِن الزَّمان وأكَّدَ بأفعاله ما خَبِرَتْه العامَّةُ في حِكْمَتِها ونَطَقَتْ به على سَجِيَتِها "الولدْ ولدْ ولَوْ حَكَمْ بلدْ"

فمِن أوَّل أعماله أنَّه نادى "واعرباه!!" وهدَّد ب"حَزْمٍ" وتوعَّدَ واستقْدَمَ تحت إمرَتِه الجُنْدَ من الدُّولِ الصَّديقة والشَّقيقة وزَجَّ بالجميع في أتون حربً لا تُبْقي ولا تَذَر وصدَّقَه الجَمْعُ بدايَةً وظنُّوه مُخَلِّصَهُم من خطرٍ قد أحْدَقَ بهم أو كاد فصفَّقوا لِرُعودِه و"عواصِفِه" وهلَّلوا وكَبَّروا ثمَّ ... "وقفَ حمارَ الشَّيخَ في العقبة" ... ولم يستطِع لأمْرِهِ مَخْرَجا ... فليسَ هو بقادرٍ على التَّقَدُّمِ وهو عاجِزٌ عن التَّقَهْقُرِ يطلبُ النَّجْدة سِرًّا وجهارا وقد انفَضَّ عنه كثيرون مِمَن كانوا عقدوا عليه "الأَمَلَ"

ُثمَّ وَسْوَسَ له "الشَّيطان الأكبرُ" أنْ افتَرِسْ جارَك الأصغر فجَمَعَ مع الأحزابِ أَمْرَهُ وكان لهم في كُفَّارِ قريش قُدْوةٌ فقَطَعوا الأرحامَ والأرزاقَ والغذاءَ ونادوا بالوَيْل والثُّبور وعظائم الأمور ولكن الإخوان انتصروا للمظلوم ووَصَلَ المَدَدُ من عرب وترك وعجم فخابَ سَعْيُ الأحزابِ وأُسْقِطَ في أيدهم  ولم يكونوا من جَهابِذَة السِّياسَة بل مِن المُبْتدئين في السِّحْر والشَّعْوَذَة فانقلبَ السِّحرُ على السّاحرِ وعاد السُّلطانُ ابن سليمان وما بيده حتى "خُفْيّ حُنَيْن"

ثم التفتَ إلى بلدٍ ضعيفٍ فقال في نفسه وقد تمثَّلَ قولَ عنترةَ العبسيِّ أَضْرِبُهُ ضربةً يَنْخَلِعُ لها قلبُ القويِّ فتَذْهَبُ ضربتي مثلاً سائراً بين ألأمثالِ فأَوْفَدَ على عَجَلٍ إلى حاكم ذلك البلد أنْ اتِني فأنْتَ في ضِيافتي على الرَّحْبِ والسَّعَة وما أنْ وطأت أقدامُ الضَّيف البلدَ حتى وجدَ نفسَه في زنزانةٍ هدفاً لكُلِّ أنواع التَّعذيب والابتزاز يُقايَضُ على سلامةِ بلدِه وشعبِه وكانت فِعْلَةٌ لا تُشَرِّفُ صاحِبَها إلى أعمالِ القَرْصَنَة و"البَلْطَجَة" أقرب ذهبَتْ مثلاً في اللّؤمِ والخيانة

وأخيراً يذكرُ عبدُ الله بن المقفَّع على ألْسِنَةِ حيواناته وهي تَبْدو أحياناً أكثرُ حِكمةً من أبناءِ آدمَ "أنَّ صاحبَ السُّلطان يَصِلُ إليه من الأذى والخوفِ في ساعةٍ واحدةٍ ما لا يصِلُ إلى غيره في طول عمره وأنه يتَّصِل إليه النَّفعُ ساعةً واحدةً ثمَّ هو في الخوف سرمدا" وهذه كانت حالُ السُّلطان ابن سليمان فهو بالرِّياء والنِّفاق وبتَقْبيلِ الأيادي والتَّمَسُّحِ بالأرْجُلِ تَسَلَّلَ في الظَّلام واغتصَبَ السُّلطةَ في غَفْلَة من الذين كانت ستؤولُ إليهم وزجَّ بهؤلاء ومن واساهُم وبمَنْ لمْ يَرُقْ له نَظَرَهُم أو خاف تَقَلُّبَهم في غياهِب السُّجون وكان والده قد أدَّبَه فلمْ يُحْسِنْ تأديبه فأخْضَعَ العمَّ وابن العمِّ والكبيرَ والصغيرَ والعدوَّ والصَّديقَ ولمْ يَرْعَ حُرْمَةً ولا رُتبةً ولا لقباً ولا مقاما فغَرَزَ بُذورَ الشَّرِ عميقةً في بيتِه وفي دولَتِه وصارَ الكُلُّ يَتَرَبَّصُ بالكُلِّ ويَتَحَيَّنُ الفُرَصَ ولِسانُ حالِهِ يقول (ما  قاله زُفَرُ بن الحارث الكلابي لعبدِ الملك بن مروان)

وقدْ ينْبت المَرْعى على دِمَنِ الثَّرى / وتبقى حزازاتٌ في الصُّدورِ كما هيا

وكانت بدايَةُ النِّهايةِ إذْ ما عَتَّمَ البيتُ الواحدُ أنْ تَصَدَّعَ وتهاوى ومع الأيامِ زادَ شعورُ السُّلطان بوحدتِه وتعاظَمَ خوفُه من حاشيَتِه فزادَ القهرُ والإذلالُ وكان كُلَّما استبْدَلَ بالأعوان أعوانا زادَتْ خشيَتُهُ من بِطانَتِه وكان أَسْنَدَ الأعمالَ إلى الأحداثِ منهم ظَنًا مِنْه أنَّهم أَسْهَلُ انقيادا ولكنَّهم كانوا أيضا أكثرَ طَمَعاً في السُّلطة ولم يُطِقْ النّاسُ جَوْرَ السُّلطان فخرجوا يومًا من كُلِّ حدبٍ وصوب ومِن كُلِّ فَجٍّ عميق لا جامِعَ لهُم إلا كُرْهُهُم له وحِقْدُهم عليه وشعارُهم (كما يقول الأخطل)

إن الضَّغينَة تَلْقاها وإنْ قَدُمَت / كالعِرِّ يَكْمُنُ حينا ثم ينْتَشِرُ

فقامَ أحدُ الأعوانَ وقد رأى الفُرصةَ مؤاتيةً فقادَ الجموعَ المُؤتلفَةَ والفِرَقَ المختلفة وانقلبَ على سيِّده ابن سليمان وهكذا زالَ حُكمُ آل مسعود بعد أنْ دامَ ما يزيدُ قليلا عن المئة سنة وهم في هذا يَعْدِلُون السُّلالات التي حازت على السُّلطة بالْغَلَبَةِ فبنو أميَّة لم يُجاوزْ حكمُهُم القرنَ من الزَّمن وخلفاءُ بني العباس أضْحَوا أُلْعوبَة بِيَدِ أعوانِهم بعد الخليفة الثَّامن أو التَّاسع والبويهيون لم يلبثوا في بغداد أكثر من قرن والسَّلاجقةُ الذين أخرجوهم منها لم يكن حالهم بأفضلَ من ذلك ... واللائحةُ قد تطول

لا أَثَرَ الآن لاسم هذا البلد في الخِطَطِ والخرائط فحُكَّامُه الجُدُد قد أبْدَلوا الاسمُ القديمَ باسمٍ جديدٍ وأيامَ حُكْمِ آل مسعود كانت الأرضُ والنَّاسُ تُنْسَبُ لِمَنْ مَلَك!!!


كمال محمود الطيارة أوكتوبر (تشرين الأول) 2017 / ليون   

    




   نشر في 13 ديسمبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا