كثيرًا ما تعرض لنا الدراما، أو الروايات صورة أن امرأة أحبت خاطفها بعد أن تبين لها أنه ذو شخصية جذابة؛ عكس ما كانت تنظر له في بادئ الأمر.
هل تأملت هذه الصورة يومًا ما؟ ... إذًا إليك التالي:
هلَّا طرحت على نفسك سؤالًا ماذا إن كانت الصورة التي تراها أمامك تعكس اضطرابا نفسيا ما؟!
وأن تلك القصة أو الرواية التي تتناولها ليست رومانسية وإنما هي لإمرأة مضطربة وتحتاج للمساعدة!
في عام 1973 دخل رجلان بنك كريديتبانكن بستوكهولم- السويد عازمين على سرقته، وسرعان ما حضرت الشرطة واقتحمت البنك، فقام اللصوص بإطلاق النار عليهم وتلا ذلك احتجاز الرهائن ..
لمدة ستة أيام، احتجز اللصوص أربعة أشخاص في قبو البنك تحت تهديد السلاح، وأحياناً يحيطونهم بالمتفجرات وأحياناً أخرى يجبرون على وضع المشانق حول أعناقهم. ولكن عندما حاولت الشرطة إنقاذ الرهائن، قام الرهائن بمواجهتهم والدفاع عن الخاطفين ملقين باللوم على الشرطة!
وانتبه أن أحد الرهائن لم يكتفي بذلك
“بل قام بعد ذلك بإنشاء صندوق لتغطية أتعاب الدفاع القانوني لمحتجزي الرهائن”
ومن هؤلاء الرهينة "كرستين إنمارك" التي أحبت السارق "إيرك أولسون" وأظهرت تعاطفها معه ما دفع الطبيب النفسي "نيلس بيجيرو" صياغة مططلح "متلازمة استوكهم"
هذه الحادثة ذكرتني بحادث اختطاف مجموعة من السائحين في كولومبيا والذي عرضته قناة "ناشيونال جيوجرافيك" والذي لفت انتباهي كيف صارت إحداى الرهائن من الفتيات تابع مخلص للمختطفين حتى أعطوها سلاحا ولم تستخدمه في الدفاع عن ذاتها وإنما أخذت تلقطت الصور التذكارية مع مختطفيها!
يجدر بنا الإشارة في هذا الموضع إلى أمرين:
الأول: أن هذه المتلازمة تشبه كثيرا متلازمة أخرى تحدث "فرويد" عنها وهي متلازمة هلنسكي وهي تسمية وردت في قاموس التحليل النّفسيّ "لفرويد" الذي يرى ما مفاده أن عقلنا الباطن يزيّن لنا محاولة البقاء على قيد الحياة فغالبا ما نطمئنّ للغالب الذي يسيطر على زمام الأمور بل؛ ونسعى لإرضائه ونمدح فيه أمام الجموع.
فالعلاقة هنا بين «غالب ومغلوب» فنصدّق ما قاله الغالب حتى ونحن ندرك أنه كاذب؛ لأننا نقنع أنفسنا أنه قشّة النّجاة ممّا نحن فيه، ونبراس الهدى، والمحرر من قوى الظلام!
فإن نُكَّل بنا تنكيلًا فلا تتعجب أن هناك من شيوخنا من يُكبر ويدعو له، فهو يرى أن هذا الشخص أسلم من غيره،
وعلى كل حال متلازمة ستوكوهولم؛ أو متلازمة هلسنكي فالعامل المشترك بينهما هو الاستسلام للضحية
الأمر الثاني: شكك البعض أن هذه المتلازمة أي: "ستوكهولم" ليست سوى لحالات فردية
ويمكن الرد: اولا هناك أمثلة ظهرت لحالات -لا يخفى على الجميع- أنها قد وثقت كحالات رسمية منها:-
اليزابيث سمارت: التي اختطفت من غرفتها بعمر 14 سنة في 2002 من قبل شخص هددها بالسلاح، وظلت مختطفة ل9 شهور، وبعد اكتشاف الشرطة، والقاء القبض عليه قالت اليزابيث ان الفرصة واتتها عدة مرات للهروب منه لكنها لم تستغلها.
ماري ماكلروي: اختطفت في 1933 لمدة 34 ساعة من قبل 4 اشخاص حتى تم دفع فدية 30000$ لإطلاق سراحها. خلال مدة الاحتجاز عقدت ماري صداقة مع مختطفيها الذين القي القبض عليهم بعد ذلك والحكم عليهم بالسجن، مما سبب لها حالة شديدة من الاكتئاب والشعور بالذنب. وكانت تقوم بزيارة خاطفيها باستمرار في السجن. وبعد وفاة والديها انتحرت ماري في 1940.
شون هورنبيك: اختطف هذا الطفل بعمر 11 سنة في 2002 حين كان راكبا دراجته فلم يعد بعد ذلك لمنزله. كانت لدى هذا الطفل عدة فرص للهرب حينما كان محتجزا من قبل خاطفه لـ 4 سنوات لكنه لم يفعل حتى انه كان لديه دخول على الانترنيت. اكتشفته الشرطة في بيت خاطفه وهو بعمر 15
اسيرات كليفلاند: بعد أن ابلغت اماندا بيري الشرطة بوجودها بعد 10 سنوات من فقدانها في 2013 أصبحت القضية شغل وسائل الاعلام. فقد احتجزت اماندا مع ميشيل نايت وجينا دي جيسس، لعشر سنوات في منزل بضواحي كليفلاند، ويعتقد الاخصائيون ان اصابتهن بمتلازمة ستوكهولم هو سبب تأخرهن في الهروب من الخاطف.
وكذلك نقول: إنه يمكن ملاحظة وجود تأثير واضح لمثل هذه المتلازمة على الصعيد المجتمعي، فيمكن ملاحظة ظهور تأثيرها في الأنظمة القمعية، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على افراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الافراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع. فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليله جدا دون الإلتفتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثير ، وهذا ما يفسر كيف استغلت الحكومات رجال الدين للسيطرة على الجنود إبان الحرب العالمية الثانية وإعمال القتل في الإبرياء والمدنين العزل دون شفقة
ومثال آخر، في المانيا النازية في الثلاثينيات كان بعض اليهود ينادون بسقوط اليهود ومساندة سياسة هتلر.
و نببه أن هذه المتلازمة لاتعني أن يستسلم المرء عند وجود جموع بشرية مصابه بها على العكس
ففي دراسة استطلاعية أجرتها قاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، على 4700 حالة لأشخاص أخذوا كرهائن. وجد الباحثون في هذا الاستطلاع أن حوالي 73٪ من الرهائن لم يظهروا أي علامات على الإطلاق لمتلازمة ستوكهولم
خلاصة: هذه المتلازمة رغم خطورتها لا يصاب بها كل المجتمع عند تعرضه للضغوط والقمع هذا من الناحية المجتمعية أما على الصعيد الفردي قد تتوقف هذه المتلازمة على طبيعة التكوين الفردي لشخصية الفرد نفسه فهناك دراسات دلت أن الأشخاص الذين تعرضوا للعنف في الطفولة يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمتلازمة عن غيرهم في نفس الموقف الضاغط (اختطاف، قمع، عنف زواجي.... الخ).
ويمكن أن تفسر هذه الظاهرة من الناحية النفسية، على أنها نوع من أنواع آليات البقاء على قيد الحياة وحماية الذات (كما يرى بعض أصحاب اتجاه التحليل النفسي)، فكلما حاولت الرهينة أن تلبي حاجات الشخص الذي قام بأسرها واتباع تعليماته، لاقت رد فعل جيد منه، ومع مرور الوقت تقوم الرهينة بربط مدى رضا وسعادة المختطف بسعادتها أو شعورها بالأمان في مثل هذه الظروف. غريزة البقاء لدى الرهائن تعتبر عامل رئيسي لتطور هذه المتلازمة لديهم، حيث أنهم عادةً ما يكونوا مجبرين على اتباع تعليمات الشخص الذي قام باحتجازهم للبقاء على قيد الحياة، وسرعان ما يتطور هذا الشعور لنوع من أنواع الاعتماد أو الاتكال على الشخص المتسبب في أسرهم