أكره الشتاء 2/4
الشتاء كان نهاية لكل محبوب ومألوف، نهاية الجلسات الرائعة على تلال الرمال الذهبية في محيطنا الساحلى الخلاب، جلسات على الرمال الناعمة الساحرة التي تمتص كل الهموم والأحزان، وتدفنها في أعماق سحيقة من الرمال ، فقط في تلك اللحظات الفردوسية تحس ذلك الإحساس الجميل، سيما لو اجتمعت تلك اللحظات بأنوار القمر الساطعة التي تحيل التلال إلى بحر من النور والجمال..
في الشمال زرقة الماء اللا متناهية، يداعبها هدير الموج الأبيض الحنون، وجنوبًا بحر هادر من خضرة أشجار النخيل السامقة المترفعة عن سفاسف البشر وأيديهم المغلولة إلى أعناقهم، الشتاء كان نهاية ألوان الفاكهة التي كانت تغمرنا بمذاقها الفريد؛ التين والعنب والجوافة والمانجو والبلح... فواكه الصيف الذي كان يغاث فيه الناس وفيه يعصرون، كانت شهور سمان تأتي عليها شهور الشتاء العجاف ..
كان مساء الشتاء في قرانا هادئًا حد الكآبة، وسماؤه ملبدة بغيوم سوداء تشيع في النفس غمًا ووحشة، وتنثر قطرات من الماء لا تسمن ولا تغني من جوع ...حتى إذا ما أرخى الليل سدوله، خوت الطرقات المظلمة على عروشها، وعانيتُ ساعات الليل الطويل التي ما كان يشق هدوءها القاتل إلا صوت البوم الرعيب...