تسللت الآن لمقالي فقط لتحاول فهم عنوانه الشيق , أليس كذلك ؟ , من هو المقصود بــ " فرعون " الذي وقع عليه نظرك للتو ؟ , وما المغذى من هذا العنوان الغريب ؟ , تتساءل وتزداد الحيرة وينتفض فيك الإضطراب بعد أن كان متزناً بشكل مؤقت , والآن قد حان وقت إيقاظه , وتنبية عقلك لفكرة جديدة ستزورك , فهل من مرحب بها ؟ .. لنبدأ ..
قديماً , في عصور " مصر " الأولى , كان المثل الشعبي هو سيد أي موقف , بأي مناسبة , تجده هو رجل المباراة الأول والأوحد , في الفرح تُفتش العقول عن أي مثل شعبي ليُقال ويتناسق مع تلك المناسبة السعيدة , فتُضيف نوعاً من الفرح والتسلية , وتتعالى الضحكات وتنتهي الليلة على خير , وفي الأحزان أيضاً , لم يتغافلوا عن قيمة وجودها حينذآك , فتعود الأذهان لتُفتش عن مثل شعبي جديد ولكنه يُضفي المزيد من الكآبة والضيق على الحضور , كأننا نتعمد أن نفيض على أنفسنا بالدموع أكثر فأكثر ! , ولكنه في كل الأحوال كان وجوده يُشبه وجود الجدود , الذين وإن خلت المجالس من وجودهم تشعر وأن الحياة تنقصها أعظم الأشياء , وتتساءل أين هم ؟ , وكيف ستمر تلك الأمسية دونهم ؟ , فتبدأ بالسؤال عنهم وإن سنحت لك الفرصة أن تجول في شوارع الحياة حاملاً ميكروفون وترفع بصوتك تسأل البشرية " حد شافهم يا جماعة ؟ " ستفعل ذلك بكل تأكيد , أرأيت الآن قيمة وأهمية تلك الجُمل البسيطة ؟ , وتوارثها الأجيال دون أن تعلم ما المقصد من التلفظ بها حتى ! , مجرد عادات نشأت عليها الأجيال الجديدة ولكنهم يتشربوا بما شاب عليه الأجيال الفانية ..
من ضمن تلك الأمثال , مثل " اللي تحسبه موسى .. يطلع فرعون ! " , وهذا , هو محور مقالنا اليوم ..
ألم يمر عليك يوماً بشرياً وتوسمت فيه الخير كله ؟ , دون أن تحسبها ولا تُزيد من التفكير في أمره , دون أن تتأنى في قرار منحه لثقتك الغالية , دون أن تراقبه لحظياً لترى هل هو يستحق فعلاً أن يدخل حياتك أم لا , بالطبع قد مر عليك ذلك الشخص يوماً ما , وكانت نظرتك له أنه لن يُخطئ في حقك ولن يُخذلك في أي لحظة , وأي مكان , إعتبرته " مُنزهاً " عن الخطأ ! , ولكن سيدي إحذر , نحن البشر نُخطئ ولكنها حقيقة تجاهلتها بمجرد أن رأيت فيه لحظة الخير التي تنبعث منه فقط لـــ " يوقعك في شباكه " ! , فقط هي الــ " طُعم " وكنت أنت الــ " فريسة " ! , مجرد " صنارة " يصطاد بها فريسته , ولكن المعهود على الفريسة أنها تعلم من هو صائدها , تراه حتى وإن كانت المسافة بينه وبينها كالأرض والسماء , تستطيع أن تشم رائحة خطواته عن بعد , وعلى أساسها تبدأ في الإستعداد للهرب أو الإختباء , وإن حالفها الحظ ستنجو وتستكمل مسيرتها , وإن لم يُحالفها ستقضي أول لياليها المظلمة في أمعاء صائدها لا تعلم كيف النجاة ! , تلك هي الفريسة التي نراها دوماً , ولكنك أنت حالة إستثنائية عزيزي الإنسان , فأنت تعلم هوية صائدك ولكنك تذهب إليه بأرجل إرادتك ! , تُعطيه أداة قتلك بإيديك بنفس راضية سمحة ! , ومع الطعنة تبدأ نبضات ندمك تتصاعد , وأنفاس نكرانك للموقف وللشخص تتسارع , وعقلك يُخبرك بأصوات شرسة " هذا من كنت تُراهن عليه , طعنك ولم يهتم لأمرك ! " , ونفسك التي كانت ولازالت لأخر أنفاسها تحاول تهدئة إضطرابك أصبحت الآن في حالة يُرثى لها ! , فلحظة الخذلان من أصعب اللحظات المارة على البشري , حتى وإن كان يرتدي سُتره واقية من الصدمات ! , سيُصاب لا مفر ..
تلك الجملة التُراثية تقال في أكثر المواقف التي لا يحتمل في الإنسان " تقطيم " , أي أنه لا يحتمل أن يُزيد عليه أحدهم الندم , الندم فيما قدمه لهذه النوعية من الكائنات " هم ليسوا ببشر مثلُنا , هم نوعية خارج نطاق التصنيف حتى ! " , كل كلمة تقع على مسامعهم في تلك اللحظة هي صاعقة مدمرة , جِنجر مسموم , حبل مشنقة , ألم وقوعها على النفس البشرية تخطى أصعب ألآم الجسد , فألم النفس لا يوصف ولا يمكن تحمله يا سادة , ولكن ألم تجد في تلك الجملة بعضاً من الواقعية ؟ , فهي جملة لم نتوصل حتى الآن لقائلها ومن بدعها في التراث , لم نتوصل لمكتشفها ومؤلفها , وتتقاذفها الألسن كنوع من أنواع الدعابة والمزح , ولكنها بخلاف ذلك واقعية إلى أقصى درجة , ومن شدة صدقها تجد حروفها تذبحك مع تذكر كل موقف مر عليك وتطابق مع معنى الجملة , فتتأكد الآن من حقيقة أخرى لا يمكن أن ننكرها " مجرد كلمات إعتبرناها هراءات , وهي في الأصل حقائق مؤكدة بمواقف وتجارب بشر قد عاصروا الحياة قبل أن تدب أقدامنا في الحياة " ..
تريد أن تفهم ما عاشته أجيال سبقتنا ؟ , تمعن جيداً فيما ترجموه لجُمل بسيطة أغلبنا يسخر منها , فهي قصص تُروى ولكنها بلغة مشفرة لن يُدركها إلا القليل منا , حكايات لم نعيشها ولكنها باقية حتى الآن بمجرد أن نتذكر تلك الأمثال , خلاصة تجارب القُدامى , م التي يكمن فيها المعنى وتتضح فيها النصائح , منها الترهيب , ومنها الترغيب .. فيها واقعية الحياة تتضح , دون تجميل لها , تتضح في صورتها الحقيقية , فهم لم يريدوا لنا أن نقع في أخطاؤهم , وحاولوا أن يمنعوا حلول أي كارثة بمجرد .. كلمات .
التعليقات
وبالفعل اوقعونا في شباكهم الناعمة ...
مقال جميل نورا .. و , الخلاصة ان نتعلم من تجارب القُدامى ,لما فيها من نصائح حتى لا نكون فريسة لمثل هؤلاء...مبدعة و متألقة دوما نورا...
نحن (المصريون) بالفعل من أكثر شعوب العالم تداولاً للأمثلة , حتى أن الكثير منها لا نعرف أصله مثله (اللي ميعرفش يقول عدس) و (اطبخي يا جارية كلّف يا سيدي). وحقيقةً فإني أحب الأمثال كثيراً واستخدمها في كلامي لأنها تبسّط الفكرة وتقرّبها من الأذهان.
أبدعتِ كعادتك. وفي انتظار كتاباتك القادمة.