رواية الصندوق الأصفر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رواية الصندوق الأصفر

الفصل الأول: الغلاف البني

  نشر في 30 نونبر 2019 .

ماهي إلا أيام معدودة وتنتهي الدراسة الجامعية. لحضات يسيرة تفصلنا عن انتهاء التعب والعناء طوال تلك السنين.بالطبع لم أكن من المجتهدين فيها وإنما كنت أصنف ضمن طلاب المرتبة الثانية او الثالثة، حسنا سأكون صادقا المرتبة الخامسة. 

والان ها نحن بصدد تسليم مشروع التخرج،كانت المجموعة الاولى تضم أربعة أشخاص وكنت انا معهم لحسن حظهم. أذكر انه في اول اجتماع لنا قال لنا المشرف أن المشروع بسيط وتنفيذه قد لايستغرق إلا يوما أو يومين على الاكثر. وطال الكلام في الإجتماع ولم اخرج منه إلا بتلك الكلمات. فكان كل اسبوع يرسل أعضاء الفريق رسالة لتحديد يوم للإجتماع الثاني فكنت أجيببهم بسرعة أن المشروع بسيط ويكفيه بس يومين لاتشيلون هم. وفعلا كنت صادق فكل ماكان همي هو أن انجح فيه على عكسهم فكانوا من افضل الطلبة ولم يكونوا يرضون بأقل من العلامة الكاملة. ربما لهذا السبب بدت على ملامحهم انهم مستائين مني طيلة مدة المشروع أو ربما كانوا يغارون من تسريحة شعري, لاأدري. 

الحمد لله انجزنا كل العمل ولقد كنت عضوا فعالا فيه فقد حضرت عدة اجتماعات وأنجزت بعض المهام البسيطة كعادتي.

غدآ هواخر يوم لتسليم مشروع التخرج ولأني شعرت بتأنيب الضمير ولإكفر عن تقصيري فقد تطوعت بأن اقوم بالذهاب لطباعة أربعة نسخ من كتاب المشروع وتسليمها للمشرف.ارسل المشرف لي صورة لغلاف بني غامق وقال: شوف يابني هذا هو شكل الغلاف المطلوب للمشروع وتحصله عند مكتبة كذا. ولسبب ما لاأعرفه توجهت إلى مكتبة أخرى، أظن أن الاولى كانت مزدحمة أو أن الثانية كانت أقرب لبيتي لست ادري، المهم حدث ماحدث ليمضي قدر الله سبحانه. دخلت المكتبة وقلت للبائع: اطبع أربعة نسخ من مشروعنا وضعها بغلاف كهذا وأريته الصورة، فأجابني بأنه ليس عندهم إلا غلاف بلون بني فاتح. أجبته ضاحكا: إيه اطبعه عادي، من أصلا الي يهتم بالتفاهات ذي بني غامق او بني فاتح ماتفرق ابد، أو هكذا كنت أظن.

 اليوم يوم جميل مشرق ذهبت إلى غرفة المشرف وسلمته الكتاب فقال مستغربا: ايه الي انت عملته، دا مش مقبول لازم اللون الغامق. قلت: يادكتور هذي اشياء تافهة وأهم شيئ المحتوى والمضمون ألا توافقني؟. رد علي بقوله: روح لوكيل الكلية لشوون الخريجين واذا وافق أهلا وسهلا. ذهبت إليه واعتقدت بانه سيغضب على المشروف لانه ترك لب الموضوع واهتم بقشوره ومن ثم ساقاطعه وأبدا بمدح المشرف وأنه فعل مافعل لأنه خائف من مخالفة الأنظمة لذا التمس له العذر، وبعدها سيفتح الكتاب ويقرأ اسم المشروع وسأقاطعه حينها وأبدا بشرح المشروع له في جملتين أو ثلاث وأقول بأني ممن ساهم كثيرا في إنجازه وبعهدها سيثني علي وعلى فريقي. خطة رائعة أليس كذلك، حسنا لنرى ماحدث.

 دخلت عليه وجلست وقلت عندنا مشكلة بسيطة واخرجت الكتاب وعندما رأى الغلاف أخذه وتغيرت ملامح وجهه وكأنه غص بشوكة في حلقه ثم قال : ليش تجيب اللون هذا، هذا غيرمسموح، درجة اللون المطلوبة أغمق من كذا، لا يمكننا قبوله بهذا الشكل أبدآ. لم اتوقع ردة فعله هذه فهو لم يفتح الكتاب حتى، وتبعثرت أفكارى فقلت على استحياء : المسألة بسيطة، ألا توافقني الرأي؟. قال لي: الكتاب هذا حنا نبي نحطه بمكتبة المشروعات وهي غرفة كبيرة بها كل مشاريع الطلاب للأعوام السابقة وكلها بنفس درجة اللون وإذا حطينا مشروعكم معهن بيصير لونه مختلف ويطلع الشكل مب زين عشان كذا لازم تغيرونه.

رده كان كالصاعقة علي أحسست بألم كبير يعصر قلبي لا أدري مامصدر الألم . خرجت من عنده وتوقفت جانبا أفكر. 

رجع بي الزمن طويلا إلى عصر كنا فيه أسياد العالم إلى فترة كانت فيه اختراعتنا ومشاريعنا تدرس في الشرق والغرب،تفكرت لو كان هذا الشخص هو ابن سينا او الفارابي فما عساه سيجيبني أظنه كان ليطلب منا العمل على تنفيذه المشروع بسرعة على أرض الواقع وسيسهل لنا كل المعوقات. وربما لا ،لاأدري المهم أنه لن يقف مكتوف الأيدي ويجعل المشروع مجرد حبر على ورق مركون على رف خشبي داخل غرفة مظلمة ، مستحيل ان يحدث ذلك ليس في عصر الاسلام الذهبي. جلست أتأمل الغرب الآن وكيف أن المسافة بيننا وبينهم أصبحت تقاس بالسنين الضوئية فأين هم وأين نحن. وما آلمني أكثر أن مايحدث هنا ليس في كلية التربية او التاريخ, بل في الهندسة. الهندسة التي من المفترض ان تكون هي منار العلم الحقيقي وتطبيقه, فإذا كان هذا جواب من هو على رأس هرمها, فأحسن الله عزائنا على حالنا. فلا نتوقع خلال السنوات اللاحقة أن نجد الغرب منبهر من مشاريعنا ويطلب منا تطبيقها في جامعاته وتعليمها الى أبناءه، محال. فلا يمكن ان نجني العنب من الشوك. فنحن أصلا لم نثق مطلقا بأبناءنا. وهذا هو جواب اللغز في تخلفنا، وهي كلمة السر التي ستتكرر كثيرا في هذه الرواية وهي التي شكلت فارقا في أحداثها أو على الاقل تأثيرا لابأس به. والمفارقة العجيبة أننا الآن في وقت في أمس الحاجة فيه إلا تطبيق مشروعات نوعية، فمدننا لاتزل تغرق كل سنة وشوارعنا لا تمت للهندسة او الحضارة بأي صلة. مستحيل أن ترى شيئا كهذا في عصر الاسلام الاول أيام حضارتنا التي تسيدت العالم وعم نفعها الى ماحولها. فنحن لم نسمع يوما بأن الامانات والبلديات طلبت من الجامعات تصميم المدن و الطرق والشوارع وغيرها لتبدو مدننا ك أوروبا بشوارعها المليئة بالأشجار وجمال مبانيها وروعة شوارعا. لماذا لم تفعل ذلك؟ أتدري لماذا. لأنها لاتثق بالجامعات والجامعات ولاتثق بأبناءها الطلبة والطلبة أنفسهم لايثق بهم آباءهم وهكذا دواليك. وليس الامر حصرا على الهندسة فقط بل في سائر العلوم والمعارف. ولن تتنهض أمة وتتسيد على العالم إلا بالثقة بأبناءها هكذا علمنا التاريخ.وربما تدرك أمتنا الإسلامية هذا سريعا فتبدأ الإصلاح، او سيمضي عليها الدهر كما مضى على من كان خلفها من الأمم السابقة.

استيقيضت من تفكري، وشعرت حينها بشعور غريب ربما لاتجدي الكلمات عن وصفه أو الحروف عن شرحه، وهو انه اذا استحقر ت من شخص اخر حولك ممن يعرف قدراتك وامكاناتك فإنه يأتيك إحساسان، إحساس بالالم لأنه لم يثق فيك وإحساس آخر بالرغبة المشتعلة لأثبات أنك قادر على القيام بما استحقرك إياه ذاك الشخص.

ربما كان هذا كله هو سبب ما آلمني أو ربما كان الألم بسبب قيمة الغلاف الجديد الذي سأطبعه من جيبي.

تذكرت حينها رسائل جدي، وقررت فتح رسالة الألم لعلي أجد فيها مايروي ضمئي.

أدخلت يدي في جيبي وأخرجت الرسالة وفتحتها وإذا مكتوب فيها:

داخل كل ألم هناك أمل، حاول أن تراه وتمشي نحوه.

لأكون صادقا لم أفهم كلماتها كثيرآ من أول وهلة، لكن شعرت أنها لامست شيئا ما داخلي، وكأن شيئا يحاول أن يواسيني.

هذا الموقف مؤلم لكن قضاء الله للعبد كله له خير حتى وإن لم ندركه في ذات اللحظة.هذه القصة القصيرة كانت نواة لأشياء لم تدر في ذهني يوما من الأيام . وأقدار الله واختياراته خير لنا من اخياراتنا لأنفسنا. وكما يروى عن عمر بن الخطاب قوله: لو عرضت الأقدار على الإنسان لاختار القدر الذي اختاره الله له.

كان هذا الموقف على مرارته، بذرة لدخولي عالم البورصة والأسهم، وهو ماسيكون عنوانا لفصلنا القادم إن شاء الله.

كادت الساعة تقارب الثانية عشر ليلا اتصلت على جدي لأحدثه بما حصل معي.

اهلا جدي، لن تصدق ماحدث معي اليوم، لقد مررت بموقف عصيب وقد أفادتني رسالتك. عندها قاطعني قائلا: 

ياولدي مشغول أنا الحين أبكتتب بأرامكوا باقي دقائق ويخلص الإكتتاب مع السلامة. طوط طوط طوط.

انتهى هذا الجزء من القصة ونلتقي في فصل قادم إن شاء الله.



   نشر في 30 نونبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا