منذ أن بدأت فهم هذا العالم المعقد شيئاً فشيئاً ، أعاني من مرضٍ غريب ، لم أسمع أحدا حتى هذه اللحظة يشكو منه ، أما أنا فإنني كاتمةٌ أمره خائفةً أن يعلم أحداً بذلك السر العظيم ، فحينما كنت طفلة كنت أخاف كثيراً من هذه المتلازمة فأنا بمجرد أن ألفت إلى الجدار لفتةً سريعة ، أو أخفض رأسي إلى أرضية الغرفة غارقةً في ديمومة أفكاري اللامنقطعة ، وحتى حينما أناظر البحر بسكونه وأمواجه الصامته ، أو بهيجانه وغضبه وامواجه الشاغبة ، ليس ذلك وحسب بل أينما كان ذلك المكان الذي أنظر إليه وقت مجيء ذلك الشئ الغريب ، فإني حينها أرى السحابة كطائرٍ يحمل سفينة ، وأرى أفكاراً غريبة تُرسم لي على وجه الموج ، إنني أرى تلك الخيوط المنقوشة على أرضية ذلك الكافيه على شكل ملكةً جميلة لم أرها قط من قبل في أفلام ديزني وإنمي ، وتفوق كل تلك الرسومات جمالاً ، حتى حذاءها ذو شكلٍ غريب لم تلمحه عينيّ قط قبل تلك اللحظة ، إنني أرى سقف الغرفة يتحول إلى وجه رجلٍ مشيب تغطيه التجاعيد من كل زاوية ، رأسه المغطى بشعره الكث يبدو فارغاً من المنتصف ومن تلك الفجوة تخرج اجساماً غريبة ، وفتاةً أخرى جميلة جداً ذات عينٍ واحدة ومن إحدى يديه يمسك عصىً غريب ومخيف في الآن ذاته ، وتارةً أراه غابةً خضراء وأخرى مدينة قاتمة ، تلك الصور تتبدل وتختلف في كل مرة ، وكل فكرةٍ منها تستغرق عدة ثوانٍ لأناظرها ثم تختفي ، لكن البعض منها يظل منقوشاً في الذاكرة لشدة تأثري بها، إنها رسومات جميلة ومعقدة ، تبدو تارةً مخيفة وأخرى رائعةٌ مبهجة ، لكن ما يحزنني هو أنني لم أستطع رسمها ، تبدو تلك اللحظة حين مجئ تلك الأفكار التي أراها بأم عيني وكأنني سأصبح رساماً رائعاً ، أو نحاتاً ينحت تلك الروعة كاولئك القدماء، لكنني أفشل في كل مرة أحاول فيها الرسم ، ولم يسبق لي أن جربت النحت من قبل، ولأنني أفشل في كل مرةٍ أحاول فيها ، اتخذت مصيراً بائساً بأن أقرأ الأفكار البائسة تلك بلغة تفسيرية ، أبحث فيها عن كنه تلك الصور الواقفة أمامي دون حراك ، ثم احيلها إلى قطعةٍ أدبية ، وهكذا أحول الفن إلى فنٍ آخر ، لكن المؤسف في الأمر أن تلك الأفكار انقطعت حينما شمت بحاسةٍ سادسة رائحة الخيانة تلك فنفرت ، فكانت آخر صورة رأيتها فتاة تجلس على مقعدها بحسرة تحمل ذات الثياب التي ارتديتها آخر مرةٍ بينما كنت أكتب ، و شبحاً مخيفاً يحيط يدها بزنزانة ثقيلة جداً ، حولها جموع أقلام مكسورة من المنتصف تشبه تلك التي أستخدمها في الكتابة متناثرةً حولها ،، أما رأسها فقد أحاط به قطعة سميكة سوداء اللون معتمة وبينما أحوال تذكر أين رأيت تلك القطعة من قبل، أصبت بنوبة هلع وركضت أبحث عن دفتر المذكرات الخاصة بي وتفقد منضدة الكتابة ..
-
يسرى الصبيحيياريتَّا.