تقول الآثار القديمة " يخاف المتديّنون من دخول النار ، أما الروحانيون فهم من دخلوا النار بالفعل ولا يرغبون في العودة إليها "
لا يمكنك أن تُساق نحو خطوة دون أن تعرف ماهيتها ، لا يمكنك أن تمتنع عن أمر دون أن تكون مليئاً بقناعة مُثلى أن انتهاءك ليس جبراً بل اختيار وادراك ، الأقرب إلى الله ليسوا من خافوا عقابه ورجوا جنته وحسب ، الأقرب هم من أحبوا طاعته وعلموا لماذا كان عقابه ولماذا جنته ، لم يعتبروا الترهيب سجن ولا الترغيب غواية ، أيقنوا أن السبيل الأمثل للوصول إلى الراحة هو التفكير والتأمل ، ومن بعده استطاعوا الوصول لسبب كل شيء ومسببه ، فعاشوا الحياة كما تمليه النصوص السماوية لكن برضا وبقناعة تامة ظاهراً وباطناً
الأقرب إلى الحق هم من جربوا الضلال والتيه فعادوا إلى الدرب مقتنعين بنقيضه، أولئك الذين عاشوا حياتهم بلون واحد لا يمكنهم ادراك جماله أو قبحه ما لم ينالوا قسطاً من كل ما يقع على الطرف الاخر منه ، ربما ليس في العمر مساحة كافية لكي نجرب كل شيء ونقيضه حتى نوقن بما نختار ، لكن ثمة أشياء لا يمكنك أن تفهمها الا إن سقطت بوسط ما يصقل خبرتك منها ، ككل تلك الأشياء التي لا يمكنك يوماً لمسها ، بل الشعور بها ، ومهما تحدث المتحدثون وتفنن الجميع في وصفها فلن يكون لها كيان تدركه الا بعد أن تراها بين قلبك تجربة حية ، الإيمان ، الحب وحتى السعادة ؛ كلها مسميات لن تفهم ماهيتها ما لم تعشها ، وتعش نقضيها ، وتجرب كل ألوانها ..
عش وأنت تبحث ، وانت تحاول ، لا تترك القوالب الجصية التي وضعوك بها تعيقك ، التأمل عبادة تضاهي عظيم التعبدات ، قبل أن تؤمن فكر لماذا ، قبل أن تمتنع فكر لماذا ، فكر واجعل شغفك نحو الصواب يقودك ..
لا ينجو حقاً من النار من خاف منها ، ينجو من جرب سوءها .. ولا يرغب للعودة لها أبداً !
د/ نورهان عزت
طبيبة أسنان وكاتبة فلسفية