دخل العالم أجمع القرن العشرون ودخلت تغيرات جديدة معهم في ذاك القرن ، وبدأت معه أحداث مهمة للعرب والمسلمين بل وللعالم أجمع ،فكان من أهم أحداث ذاك القرن هو ضعف الدولة العثمانية التي سيطرت على العالم لقرون عديدة ، وبعد ما سقطت أعقبتها دولة كان هدفها السيطرة على أكبر مساحة في الكرة الأرضية معرفيا وعسكريا ، فأخذت تحتل المشرق والمغرب ، فامتد نفوذها إلى أن سميت بالدولة التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها .....
ومن جهة العرب فقد إحتلت الشام والعراق ومصر .... فعرفنا منهم الأسلحة والسيارات والقطارات والدبابات ، وألوان كثيرة من الصناعات الحديثة والإختراعات العجيبة .
لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط أحداثاً كثيرة خلال دخول الدول الأجنبية عليها ، وكان العرب في حالة إنكسار لقلة المادة والسلاح أو الدعم بجميع أنواعه.
ثم ظهرت بعد ذلك الصناعات في العالم العربي وخصوصا في الشام ومصر ، وكانت هناك قفزة إلى حضارة جديدة ونوع جديد من الحياة الصناعية الحديثة ، فبدأت تظهر السيارات بشكل كبير ، والطائرات والأسلحة والمذياع والهاتف وآلة التصوير .
وانبزغ نور من أنوار الفن ألا وهو التمثيل ، فظهر بمصر ثم تطور إلى أن أصبحت السينما المصرية لها صيت في العالم أجمع ؛ لكثرة تنوع موضوعاتها وإستمدادها من أدبنا الأصيل ، ومن ثم ظهر ما يسمى بمسجل الأغاني (الكاسيت) وكانت مصر أيضا رائدة في مجال الغناء قبل ريادتها للتمثيل ، فالموسيقى المصرية الأصيلة لا تزال من أفضل أنواع الموسيقى بالعالم .
ومن أشهر فناني الغناء في ذلك الوقت أم كلثوم -كوكب الشرق- ومحمد عبدالوهاب وأسمهان وفريد الأطرش وليلى مراد ..... كانت الألحان والكلمات لها معنى في إحساس هؤلاء الأشخاص الذين أحبوا الفن فبادلهم حبه ؛ بأن جعل لهم صيت طوال خمسة عقود . ولا تزال أغانيهم هي المحرك لإحساس متذوقي وعاشقي الفن الأصيل .
كذلك الأدباء هم الذين أحيوا الفن ذو الذوق الرفيع وأخرجوه لنا من بين ترائب القرى ، ومن أبرز هؤلاء الأدباء أحمد شوقي والرافعي والعقاد وحافظ إبراهيم وخليل مطران وجبران خليل جبران ...... لقد سكب هؤلاء الماء على شجرة الأدب التي ظمأت فيما مضى ؛ فتورقت هذه الشجرة واخضرت وأنبتت ثمارا وفروعا من الأدب الجم الذي تستسيغه الأسماع وتأنس به الأعين حين تقرأه ؛ لأنهم أحسنوا الكتابة فيه ، فأصبحت حصيلتهم وكتابتهم تجمع بين رصانة اللغة في الماضي وسهولة الكلمة في الحاضر ، فتذوقنا ثمارها وتفيأنا ظلالها ثم قل ثمرها وذهب ظلها ؛ لأنهم رحلوا من كانوا يسقونها لنا ، حتى لم تعد كما كانت عليه قبل قرن من الزمان فأصبح علينا أن نسقي هذه الشجرة ؛ لنتفيأ ظلالها ونأكل من ثمرها نحن والأجيال القادمة . فلا ظلا إلا عليها ولا لذة إلا بتذوقها !