همس الحاجب بلطف بالقرب من أذن القاضي:
- سيدي، لم أر مثل هذا الجمع الكبير في القاعة منذ قضية السوسنة!
أجاب القاضي بكسل:
- وما شأن كل هؤلاء بقضية كهذه؟ .. لعلي تخطيت مراحل الحماس بكهولتي
في مقعدٍ لم يعد بالوثير وقد تهتكت أرجاؤه، راح القاضي يتفحص الوجوه والأبدان المكتظة في قاعة ضيقة لا تسع إلا لأقل من نصف العدد الموجود، تململ، وتَبَادَلَ نظرات الدهشة مع مستشاريه اللذين غاصا في صحو سبات أو سبات صحو كسول تنقصه الرغبة ويفتقر للاهتمام.
"الاتهام!" .. هتف بها القاضي ليقف محامي المدعي مستندا إلى حافة طاولة خشبية تتقدمه .. ليهتف بدوره:
- سيدي القاضي .. وكلتني أكثر من عشرين عائلة تسكن حي المتهم ونطالب بإبعاده عن حيهم دون رجعة فقد تحولت حياتهم - يا سيادة القاضي - إلى جحيم بسبب ضجيجه المستمر.
"من يمثل المتهم؟" .. تساءل القاضي وعيناه تفتشان بين وجوه الصف الأول من القاعة.
من مقعدها .. وقبل أن تتمكن من التملص ممن يجاورها، صاحت امرأة قد جاوزت الستين:
- أنا سيدي القاضي
أشار اليها بيده متعجلاً أن تبدأ حديثها .. ثم أعاد إشارته .. ليقول في المرة الثالثة:
- أليس لديك ما تقولين يا سيدتي؟
- بلى! .. إلا أنني حسبت أن الأمر لا يحتاج إلى حديثي ومرافعتي أمام لامعقولية التهمة. لم يوكلني المتهم لعدم قدرته على ذلك، وقد تم اختياري محامية عنه طبقا لقانون حق المواطن في الدستور، وكان علي يا سيادة القاضي قبل كل شيء أن اثبت لهيئة القضاء مواطنة موكلي وانتمائه لتلك الأرض التي ولد عليها.
القى القاضي، من جديد، التفاتاته للمستشارين اللذين غصَّا في النوم .. ثم عاد لمحدثته قائلاً:
- لا أذكر أن في قوانيننا أو في مواد الدستور يا سيدتي ما يعطي حق المواطنة لكلب.
-
كريم السعيديكاتب عربي
التعليقات
لكنني لم أفهم المغزى ؟! فهل هناك مغزى أم أنها مجرد قصة ذات نهاية غير متوقعه ؟