المعلم المفترى عليه!

حسن غريب 

أتابع بكثير من الحسرة والألم ما يكتبه البعض في حق المعلم المصري، متهمين إياه بكل سيء من الأخلاق، وكل قبيح من الصفات، وأجزم أن بعض هؤلاء لا يستطيع أن يعمل لأسبوع واحد في هذه المهنة الشريفة الطاهرة الراقية.

نسي هؤلاء جميعًا - أو تناسوا -كل المتسببين في زوال المدارس وإخراجها من الخدمة، وإلغاء دورها التربوي التعليمي، وعدم قدرة الوزارة - بكل ما تملكه من صلاحيات وكوادر - على إعادة الدور الفاعل لهذه المؤسسة عظيمة التأثير، تناسى هؤلاء الواقع المرير الذي يكابده يوميًا مئات الآلاف من المعلمين المصريين من ازدراء المجتمع للمهنة، والرواتب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وويلات التعامل مع الطلاب وأولياء الأمور وبعض القيادات التعليمية، وكثرة المهام والتكليفات التي تتطلبها المهنة وتلتهم وقت المعلم وصحته.

يصب هؤلاء جام غضبهم على عموم المعلمين معتقدين أنهم جميعًا جشعون انتهازيون منعدمو الضمير ، متجاهلين جيوشًا جرارة من الذين يحترقون يوميًا لإنارة الطريق لأبناء هؤلاء الناقمين.

يُلام المعلم أشد اللوم إذا مارس مهنته بعد أوقات العمل الرسمية دون أن يجبر أحدًا على أن يرسل ابنه إليه، وأنه يأخذ مالًا نظير عمل يؤديه وينفق فيه وقته وصحته، ولا يلام أصحاب المهن الأخرى إذا فعلوا نفس الشيء!!

فلا لوم على الطبيب إذا مارس مهنته في عيادته الخاصة أو مستشفاه الخاص بعد عمله في المستشفى الحكومي، ولا لوم على المحاسبين في مكاتب المحاسبة، ولا المهندسين في مكاتبهم الهندسية، ولا المحامين في مكاتب المحاماة الخاصة بهم، لكن اللوم كل اللوم على المعلم إذا فعل الشىء ذاته.

عندما نرى مسئولي المحليات في مكان ما يُطاردون الباعة الجائلين ويصادرون ما معهم من بضاعة بسيطة، نتساءل:هل وفر هؤلاء المسئولون أسواقًا لهؤلاء في أماكن محددة قبل أن يطاردوهم ويصادروا بضاعتهم هذه؟

أعيدوا الدور الفاعل للمدرسة أولًا، وحسنوا نظرة المجتمع لهذه المهنة السامية وأهلها وقدروهم معنويًا وماديًا، ثم علقوا لهم المشانق، وأعدوا لهم المقاصل كما تفعلون الآن.

لقد صدق إبراهيم طوقان حين قال:

يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلًا

وحال وزارة التربية والتعليم مع المعلم ينطبق عليه قول القائل:

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال إياك إياك أن تبتل في الماء

فإننا سوف نعينك في المنفى، ونعطيك بضع مئات من الجنيهات، ونكلفك من المهام ما لا تطيقه الجبال، ونسلط عليك إعلامنا، ويزدريك مجتمعنا، ويهينك طلابنا، ثم عليك في ضوء ذلك كله أن تمتنع عن الدروس الخصوصية وتبدع في العملية التعليمية!

كل التحية والتقدير والإجلال والاحترام لمعلمينا الأفاضل الكرام المجاهدين في سبيل تربية الجيل والارتقاء بالمجتمع، مع قبلة على يد كل راق مبدع منهم وجبينه.

نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وهو تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل.