إن سوء الفهم واستخدام الآيات والأحاديث بدون فهمها أو وضعها في سياقها أو الرجوع لأهل العلم فيها لمن مسببات زعزعة اليقين، وقد تكون أول خطوة في طريق الشطط والالحاد.
ومن ذلك،
أن يصعد أحدهم منبرا فيربط بين النجاح أو السعادة في الحياة الدنيا و الطاعة أو القرب من الله، وعند هذا لا مشكلة البته، إذا كانت الثانية من أسباب حدوث الأولى، لكنه لا يقف عند هذا الحد بل يتعنت ويقتصر أسباب الثانية في الأولي وفقط، ولقد اسمتعت في إحدى الخطب لصلاة الجمعة هذا الكلام وسأتلوه عليكم باللغة العامية كما سمعته فما زلت أذكره.
قال خطيب الجمعة ( أي حد مسلم تلاقيه ماشي كدا سعيد مهما كانت ظروفه وغير المسلم مش سعيد أبدا حتى لو ظهرلك إنه سعيد وحياته كويسة فهو من جواه غير سعيد!)
مثل هذا الكلام التي إضافة إلى تعارضه مع الواقع الملموس والمشاهد والمجرب فإنه أيضا ليست التفسير الصحيح لمراد الآيات والأحاديث.
فتجد أحدهم يستدل على المنبر بآية (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ويقول كل المعرضين كذا وكذا ولا سعادة أبدا لهم في الحياة الدنيا فإذا عرض عليهم الأمثلة ضاحدة ما يقول، تأفف واختلق أسباب، مع أنه لو رجع إلى تفسير الآية فسيجد اختلاف بين العلماء، فمنهم من قال المراد بالضنك جنهم ومنهم من قال الرزق الحرام ومنهم من قال عذاب القبر*
وجملة القول،
نعم طاعة الله سبب من أسباب النجاح والسعادة في الحياة الدنيا والآخرة، لكنها ليست السبب الأوحد، إذن فأين الابتلاء والاختبار في الدنيا، وأين الصبر.
وبالمثل فإن معصية الله سبب في ضيق الحياة والابتلاء ولكن ليست السبب الوحيد، فأين إذن امهال الله للعصاه وأين ستره ولو كانت حلاوة الدنيا مرتبطة بالطاعة والبلاء متعلق بمعصيته، فكيف ذلك و الأنبياء هم أكثر الخلق ابتلاء كانوا أكثرهم طاعة وقرب لله.
إن مثل هذه الشعارات التي يتشدق بها ضعاف الوعاظ على المنبر وتنساب إلي عقول وقلوب كثير من مستمعيهم، لتنقلب حسرة عليهم حينما يشاهدون الواقع ومخالفته لما يظنون. فهو يرى بعينه عكس ماقيل له من آيات وأحاديث استخدمت على غير موضعها فإذا به بين شرين أقلهما مصيبه، الشر الأول ضعف اليقين، والثاني الكفر أو الإلحاد
إن الواعظ الضعيف الذي يخطب الناس في الجمع والمناسبات قد يكون أشد خطرا من ملحد أو عدو للإسلام، فالثاني معروف شره ويتقيه الناس وله من يتصدى له، أما ذلك الواعظ فيتحكم في عقول وقلوب كثير من الناس، حتى إنه لو أخطأ ثم تقدم أحدهم لرده لقيل له: كيف تتجرأ على مقام الشيخ فلان!
والمشكلة الكبرى أن جمهور الوعاظ أو بالأحرى قدرة الواعظ على التحكم في العقول أقوى كثير ممن يعلوهم درجات، سواء طلبة العلم المجتهدين أو الدرجة الأعلى أهل العلم.
ولست أقلل من دور الواعظين، فلهم الأثر الكبير في إحياء قلوب الناس وتذكيرهم كما يقول الله (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) لكني ألوم من يسيء استخدام هذا المقام.
أما أنا، فإني أقل من الوعاظ درجة، و أقل من طلاب العلم درجات، وبيني وبين العلماء أكثر مما بين السماء والأرض، لكن هذه الكلمات هذا بعد مجالسة الثلاث أو القراءة لهم، كبحاث عن اليقين.
..................................................................................
* ارجع لتفسير الطبري
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura20-aya124.html
-
محمد أشرف درويشطالب جامعي 22 سنة أحب الكتابة