هذا البرد الحبيب، هو أحدى الصفحات القاسية التي كثيراً ما أقابلها بكلّ ودّ. إنّه لا يتحدّث معي مطلقاً، هو فقط يأسر قلبي و يذهب عميقاً في أحلامي. يا لأحلامي الباردة.
أجل إنّه هذا البرد الذي تملّكني. أنظر الى مفاصلي، إنها تئنّ كنخيل قريتي و سواقيها المرتجفة. كلّ ما أفهمه منه أنّه يقطّع بشرتي بسكين خفيّة و يكسّرها كما يكسّر وجه بركة قد جمّدها في أحدى الصباحات الشاحبة.
هكذا هو، قاس و لذيذ، و من دون مقدّمات يصنع منّي طائراً متجمّداً لا يخشى الأماكن العالية. إنّه يعلّمني الحياة؛ تلك الأنثى التي لا تبتسم.
هذا البرد الحبيب يصفع وجهي بعنف، لذلك ترى وجنتيّ محمرّتين عند كلّ صباح.
حول النصّ: هذه سردية تعبيرية تجلياتية. و التجلياتية هي الحضور القوي للاشياء، و تجلّي المعنى في الكتابة هو حضوره القويّ فيها. المعنى المركزي في سردية (برد) التعبيرية هو ( البرد)، و مدى تجليّه في النص و مدى تجلياتية النصّ هو درجة قوة الحضور الذي يحققه البرد فيه. انّ لتجليّ المعنى في النصّ من الجهة الوجدانية و التأثيرية ثلاث درجات: الاولى هو أن يدرك القارئ وجوده بقوة في النصّ أي أنه يطغى على النصّ. الثانية أن يعيش القارئ معه و يحسّ به. الثالثة وهي أعظمها أن ينفعل القارئ به بأن يحصل في داخله ردّة فعل شعورية كالبكاء او النشوة او الارتجاف او الذهول. هذه الاهداف يمكن تحقيقها بيسر في السرد القصصي، أما في السرد التعبيري فتحتاج الى تجربة و تحقيقها في السرد التعبيري يعني تحقيق كتابة متميّزة.