تجاوزت الساعة منتصف الليل . لم يكن باستطاعتي النوم في ذلك الجو الحار . في الأيام الأخيرة من شهر تموز ، تمر البلاد بموجة حر شديدة ، وكأن احد ابواب جهنم قد اوشك أن يفتح حتى طال لهيبه العراق . اشعر دائما أن خطايا الناس وآثامهم التي باتت تتعاظم بمرور الأيام هي السبب في كل ما نعانيه من محن . الإرهاب ، التقشف الذي تعانيه الدولة ، قلة المياه ، نقص الثمرات ، والآن الايام الملتهبة التي نعيشها ، والله فقط اعلم بما هو قادم.
خرجت لعلي احظى بشيء من نسيم الليل الذي طالما سرق النزر القليل من برودة الشتاء . كان القمر الفضي متألقا في تلك الليلة . احب رؤية اشجار الصفصاف واليوكالبتوس تحت نوره الذي يزيدها جماﻻ ، فتلقي بظلالها الخفيفة على الارض . كم هو منظر اخاذ يحرك الوجدان ! تمنيت وقتها ان اكون رساما يخلد بفرشاته تلك المشاهد الصيفية الجميلة .
مشيت قاصدا مكانا مطلا على الحقل . كان كل شيء منيرا في تلك الليلة . توقفت حيث تنمو شجرة السدر الكبيرة . تلك الشجرة التي لطالما اجتمعت تحتها مع من احب . نظرت وفي قلبي شيء من الحنين الى المكان حيث كنا نمد بساطنا ونجلس لنتبادل السمر . اما الآن فقد بات المكان خاليا من كل تلك الضحكات التي كانت تخترق آذان الليل . الهدوء يعم المكان ، باستثناء اصوات بعض الحشرات . اشجار النخيل من حولي ، نبتات الخيار الصغيرة ، المياه القليلة الراكدة في الحقل ، كان كل شيء يغط في نوم عميق ، كما الناس في هذه القرية.
تغفو الجفون بهدوء وطمأنينة . اذ يعتقد الناس أن ارضا مباركة كالنجف لن تطأها اقدام الارهابيين الثقيلة . اﻻ أن ذلك لم يمنع ابناء القرية من أن يهبوا تلبية لنداء الوطن الكبير الدامي . الوطن الذي يكاد يختنق ويغرق تحت شلاﻻت الدماء التي باتت تتفجر كل يوم وكل ساعة.
تركوا الأهل والديار ، تركوا المضاجع الآمنة وراحوا يستبسلون للذود عن الوطن في معركتهم ضد وحوش الظﻻم...وحوش الاسلام إن صح التعبير.
نظرت الى السماء حيث امتد وشاح خفيف ابيض من الغيوم الصيفية ، فتذكرت اولئك الفرسان . ﻻ شك أنهم الآن يتوسدون رمال الصحراء ويتخذون من قبة السماء سقفا ينامون تحته . ﻻ اعلم إن كانوا الآن مستيقظين ، مترقبين هجمة قادمة ام يتنازعون مع الليل محاولين سرقة ساعتين او ثلاث يريحون بها اجسادهم الممرغة بالتراب المدمى ، ويحلمون بغد مشرق يعودون فيه الى اهلهم وديارهم وحقولهم الخضراء.
انظروا معي يا جنود الله الى النجوم اللامعة التي تزين السماء . عندها سترون كل تلك العيون التي امتلأت شوقا وهي تراقبكم دائما ، تحل حيث تحلون ، تبكي لبكائكم ، وتفرح لفرحكم . ناظرة هي للقائكم عندما تعودون برابة النصر . فسلام مني لكم يا من تعلقت بكم الآمال . وبعزمكم يقوم الوطن شامخا من جديد.
محمد باسم, 31/7/2015