نطق مرسلا نداء إستغاثة ......لا بل واخزا تاريخ الأمة و داقا مسمارا رقيقا في نعش حسراتها و دهاليز آلامها. وقف شامخا مطلا من كومة القماش المكناة بالخيمة صامدا في وجه جحافل برد الشتاء الغازية وهي تنكل بالأطفال والشيوخ والنساء وبالبشر والحيوان والشجر والحجر وهي تغرس أنيابها عابثة بالعظم والجلد والأنسجة وصولا لمصادرة أحاسيس الغبطة والفرح وحتى إحساس الإنتماء لبني البشر في ظل هطول دموع الألم حسرة على الخريطة الجديدة للعالم.
فإبن الياسمين اليوم وسط الخراب والدمار مهاجرا في العراء بين الذئاب والوحوش وتحت أحكام الصقيع الذي نحت آثاره على الجلود وطبع بتفنن أختامه على الوجوه. فمشهد الثلج المتهاطل يروي عادة قصصا دافئة يؤلفها القابع خلف النافذة المقابلة للمدفئة فتنساب الكلمات راسمة قصيدة او رباعيات او نصا تختزنه في ذاكرة الإنجازات الأدبية في وقت يخط صاحب الخيمة نوادر قصص العرب بدمه المتجمد في العروق بعدما تلاعب الجوع والعطش وأحلام الحذاء والقميص والجوارب بها مراسلا التاريخ وعلى مسمع الزمان برواية تنازل صاحب الشنب مرغما عن صوته الخشن المعلن قرار مجلس الحكمة المستاء من إستباحة باب الحارة المكسور و هو يعود معبرا للمجرم الدموي و صائدي المنح ومصاصي الخيرات والمستهين بتاريخ مكتبة دمشق وشوارع حلب ومزارع دير الزور وقرى اللاذقية المحتفظة على جدران بيوتها بمذكرات التاريخ الخالد أبدا التي تنقل من كل زاوية من الوطن قصص الرجولة وموطن الإباء والكرم وموسوعة الشرف.
أطل من الخيمة ليروي ثبات الرجال في المحن وصلابة وحدة القوم و لينقش على معالم الأرض أن شموخ رجال الياسمين سيغزو بيوت الأحياء و سيترحم على الراحلين وهو يعيد الوقوف متسلحا بأمجادهم بين الركام والدمار ناشرا العبق والعطور لينال الدارس للتاريخ نصيبه مع المتعطش للصفحات الزاهية من سير الشرفاء ومواقف النبلاء في رسالة مشفرة فحواها لا الصقيع ولا الثلوج ولا الجوع ولا الألم بإمكانه منع قدوم الربيع وتفتح الزهور وقيام دمشق بشوارب أهلها وأبواب حاراتها ....و كيف لا يكون ذلك... و أنت تسمع من تحت قطع القماش....ما لنا غيرك يا الله.
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع